05 مارس 2023
أنقرة كلما ازداد التوتر في الخليج
توتر سابق مشابه يقول إن قطر ستعود عاجلا أم آجلا إلى الحضن الخليجي. قناعات معاكسة ترى أن الأزمة مع الدوحة ستكون نقطة تحوّل في مسار العلاقات الخليجية الخليجية ومستقبلها، وسببا لإعادة النظر في قضايا ومواقف كثيرة، تطاول إعادة توصيف هذه العلاقات، وتغيير طريقة التعامل المعتمدة في النظر إلى المسائل والقضايا العربية والإقليمية، وربما أساليب تسوية الخلافات والنزاعات بينها.
هناك من يرى أن تركيا، بسبب موقفها وطريقة تعاملها مع الأزمة، نجحت في فرض نفسها على الملف ومساره، وتتدخل باتجاه التأثير فيه أو المشاركة والتسبب في صناعة اصطفاف إقليمي جديد، بشراكة مع إيران، وإنها تعرّض بذلك للتفريط كل ما بنته من علاقات انفتاحية مع دول الخليج في العامين الأخيرين.
يقول وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، "كل دول المنطقة هي شقيقة، وعلى مسافة واحدة، وتحظى بأهمية بالغة بالنسبة لنا. وسوف نستمر في القيام بكل ما يمكننا فعله لتذليل الصعاب، ولحل المشكلة في الخليج". ويقول "الحل بسيط وسهل للغاية.. هناك ادّعاءات واتهامات موجهة لقطر، والأخيرة ترفضها، إذا الحل يكون في تقديم من يتهمها التفاصيل والوثائق والأدلة التي تثبت مزاعمه". وهناك حقيقة أخرى، تعكس حقيقة الموقف التركي مع الساعات الأولى لاندلاع الأزمة، زيارة وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أنقرة، بعد ساعات على انفجار الأزمة، وإنزال تركيا نص الاتفاقية العسكرية مع قطر من رفوف مكاتب البرلمان التركي، ومناقشتها وإقرارها بسرعة البرق. قناعة تركية تتخوف من تحول تركيا إلى رأس جسر في عملية مواجهة القرارات المتخذة ضد قطر، وتكون أبعد من مسألة "عدم التخلي عن الإخوة"، خصوصا أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يتحدّث، وبشكل مفاجئ، عن الذين فرحوا "عندما تعرّضت تركيا لمحاولة الانقلاب العسكري"، في منتصف يوليو / تموز المنصرم.
أصوات وأقلام خليجية منتقدة تؤكد هنا اتساع رقعة الانزعاج من التقارب التركي الإيراني في
المواقف الداعمة لقطر. وبالتالي، تراجع فرص ما تقوله تركيا عن حياديتها في الأزمة. المؤكد هنا أن التوتر الخليجي الخليجي، في حال استمراره وتفاعله، قد يحمل معه، شئنا أم أبينا، تقاربا تركيا إيرانيا في التعامل مع ملف الأزمة. هذا هو ما تريده طهران، فهل هو ما تسعى إليه أنقرة أيضا؟
حقيقة أخرى، لا يمكن إغفالها، ومن الضروري أخذها دائما بالاعتبار، وهي مسألة حماية تركيا خط الرجعة في علاقاتها مع السعودية تحديدا. محاولات الرئيس أردوغان التقريب بين وجهات النظر واحتواء الأزمة، وتأكيداته على حكمة ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، وقدرته على إنهاء الأزمة، قطعها عليه، أخيرا، حديث أحد كبار مستشاري الرئيس التركي، عن "دولٍ مترامية الأطراف تسير خلف قبيلة واحدة".
يبدو المشهد، في هذه الأزمة، من الجانب المقابل، في غاية الوضوح. تقدّم تركيا الدعم السياسي والعسكري للدوحة، والاصطفاف إلى جانبها، لأن الشروط والمطالب المقدّمة لها تطاول تركيا ومصالحها وسياساتها ومواقفها أيضا، لكن غالبية الأتراك يتمسّكون بعدم الابتعاد كثيرا عن الرياض، وتعريض ما تم تشييده بصعوبة ومشقةٍ للخطر والتبعثر.
أنقرة ودول الخليج جمعتهما ملفات إقليمية كثيرة، وهواجس مشتركة من مسار الملفين، السوري والعراقي، والتمدّد الإيراني. والعلاقات تحسنت بين البلدين، بناء على رغبتيهما في التعاون والتنسيق في القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما فتح الطريق أمام الحديث عن "التحالف" التركي – الخليجي، أو "الحلف السني"، لكن اختبار الأزمة الذي يعيشه الخليج أعادنا إلى خط البداية. اقتراب تركيا من طهران في الملف الخليجي سيعني الطلاق والتباعد في ملفات خليجية تركية كثيرة، وفي مقدمها الملف السوري.
السياسة التركية في الخليج أمام تقاطع مهم وخطير، إما الالتحاق بعملية اصطفافٍ قد يظهر إلى العلن، إذا ما طالت الأزمة وتشعبت، وسيكون لها تبعاتها السلبية والإيجابية على تركيا، أو عودة إلى الدبلوماسية الكلاسيكية المعهودة في إطار الوقوف على مسافةٍ واحدة من الجميع، لحماية العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التركية في المنطقة. ربما قد لا يترك الخيار لتركيا هنا.
ويقول أحد المتابعين الخبثاء إن رفض قطر الشروط والمطالب المقدمة، قبل انتهاء المدة المعلنة، يعني أن قرار التصعيد ضدها سيستمر، وأن الأزمة ستتصاعد وتتشعب وتطول. وطالما أن الدوحة لم تتوقف مطولا حيال ما طلب منها، فلا بد من البحث عن بديل، يستجيب للمطالب، ويساهم في حلحلة المشكلة. وبسبب مواقفها الداعمة لقطر، ستكون تركيا الدولة المستهدفة، فهل من المحتمل أن تنقل لائحة الشروط المرفوضة قطريا إلى أنقرة، معدلة ومنقحة هذه المرة، علها تقبل بتنفيذ البنود المتعلقة بها؟
ما الذي قد تُطالب أنقرة به مثلا: تخفيض تركيا علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع قطر، وتجميد كل اتفاقيات التعاون والتنسيق العسكري والأمني بين البلدين. إغلاق القاعدة
العسكرية التركية في قطر، وإنهاء أي وجود عسكري تركي هناك. وقف بث وعمل المواقع الإخبارية التركية والعربية الناشطة في تركيا التي تنتقد سياسات مصر ومواقفها في قضايا محلية وإقليمية. إغلاق تركيا لوسائل الإعلام المعارضة للنظام في مصر، وطرد المشرفين عليها إلى خارج البلاد، وعدم التعرّض لمصر وقياداتها السياسية في الحكم، واحترام تركيا المطالب المصرية بوقف الحملات التي تشن ضد القيادة السياسية المصرية، وحظر استخدام الرئيس التركي وأنصاره شعار رابعة. انسحاب سياسي اقتصادي عسكري تدريجي لتركيا من منطقة الخليج، إرضاء لمصر، وإفساحا في المجال أمام انتشارها وتمركزها. انسحاب تركيا، سياسيا واقتصاديا وإنمائيا، من القارة الإفريقية التي تعتبر الحديقة الخلفية لمصر، وإغلاق قاعدتها العسكرية في الصومال، وتخفيض مستوى علاقاتها مع دول إفريقية، قادرة على اعتراض النفوذ المصري في القارة السمراء. إنهاء تركيا كل عمليات التنسيق مع إيران في الملف السوري، وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها. تغيير تركيا سياستها الكردية، وقبول حق تقرير المصير لأكراد سورية والعراق وتركيا وإيران، والتنسيق مع القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تساعدهم على الوصول إلى هذا المطلب التاريخي، بما فيه التمهيد لإعلان كردستان الكبرى. توقف تركيا عن عرض خطوات التنسيق والتعاون وتقديم رفع التأشيرات وإقامة المناطق التجارية المشتركة والتعاون الاستراتيجي مع دول عربية وخليجية. سحب الجنسية التركية من مواطني دول عربية وإسلامية قدمت لهم في الأعوام الأخيرة، لأسباب إنسانية أو خدماتية أو تضامنية. منع المحللين الأتراك من الظهور على شاشات إعلامية قطرية، أو الكتابة في أي موقع أو صحيفة أو ظهور على أية وسيلة إعلامية محسوبة على قطر. توقف تركيا عن تنظيم حملات الدعم وبرامج التنمية التي تقدم عبر مؤسسات تركية رسمية أو أهلية في دول العالم الإسلامي.
ما الذي ستفعله تركيا إذا ما قدّمت لها حزمة مطالب من هذا النوع، وكيف سترد؟
هناك من يرى أن تركيا، بسبب موقفها وطريقة تعاملها مع الأزمة، نجحت في فرض نفسها على الملف ومساره، وتتدخل باتجاه التأثير فيه أو المشاركة والتسبب في صناعة اصطفاف إقليمي جديد، بشراكة مع إيران، وإنها تعرّض بذلك للتفريط كل ما بنته من علاقات انفتاحية مع دول الخليج في العامين الأخيرين.
يقول وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، "كل دول المنطقة هي شقيقة، وعلى مسافة واحدة، وتحظى بأهمية بالغة بالنسبة لنا. وسوف نستمر في القيام بكل ما يمكننا فعله لتذليل الصعاب، ولحل المشكلة في الخليج". ويقول "الحل بسيط وسهل للغاية.. هناك ادّعاءات واتهامات موجهة لقطر، والأخيرة ترفضها، إذا الحل يكون في تقديم من يتهمها التفاصيل والوثائق والأدلة التي تثبت مزاعمه". وهناك حقيقة أخرى، تعكس حقيقة الموقف التركي مع الساعات الأولى لاندلاع الأزمة، زيارة وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أنقرة، بعد ساعات على انفجار الأزمة، وإنزال تركيا نص الاتفاقية العسكرية مع قطر من رفوف مكاتب البرلمان التركي، ومناقشتها وإقرارها بسرعة البرق. قناعة تركية تتخوف من تحول تركيا إلى رأس جسر في عملية مواجهة القرارات المتخذة ضد قطر، وتكون أبعد من مسألة "عدم التخلي عن الإخوة"، خصوصا أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يتحدّث، وبشكل مفاجئ، عن الذين فرحوا "عندما تعرّضت تركيا لمحاولة الانقلاب العسكري"، في منتصف يوليو / تموز المنصرم.
أصوات وأقلام خليجية منتقدة تؤكد هنا اتساع رقعة الانزعاج من التقارب التركي الإيراني في
حقيقة أخرى، لا يمكن إغفالها، ومن الضروري أخذها دائما بالاعتبار، وهي مسألة حماية تركيا خط الرجعة في علاقاتها مع السعودية تحديدا. محاولات الرئيس أردوغان التقريب بين وجهات النظر واحتواء الأزمة، وتأكيداته على حكمة ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، وقدرته على إنهاء الأزمة، قطعها عليه، أخيرا، حديث أحد كبار مستشاري الرئيس التركي، عن "دولٍ مترامية الأطراف تسير خلف قبيلة واحدة".
يبدو المشهد، في هذه الأزمة، من الجانب المقابل، في غاية الوضوح. تقدّم تركيا الدعم السياسي والعسكري للدوحة، والاصطفاف إلى جانبها، لأن الشروط والمطالب المقدّمة لها تطاول تركيا ومصالحها وسياساتها ومواقفها أيضا، لكن غالبية الأتراك يتمسّكون بعدم الابتعاد كثيرا عن الرياض، وتعريض ما تم تشييده بصعوبة ومشقةٍ للخطر والتبعثر.
أنقرة ودول الخليج جمعتهما ملفات إقليمية كثيرة، وهواجس مشتركة من مسار الملفين، السوري والعراقي، والتمدّد الإيراني. والعلاقات تحسنت بين البلدين، بناء على رغبتيهما في التعاون والتنسيق في القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية، ما فتح الطريق أمام الحديث عن "التحالف" التركي – الخليجي، أو "الحلف السني"، لكن اختبار الأزمة الذي يعيشه الخليج أعادنا إلى خط البداية. اقتراب تركيا من طهران في الملف الخليجي سيعني الطلاق والتباعد في ملفات خليجية تركية كثيرة، وفي مقدمها الملف السوري.
السياسة التركية في الخليج أمام تقاطع مهم وخطير، إما الالتحاق بعملية اصطفافٍ قد يظهر إلى العلن، إذا ما طالت الأزمة وتشعبت، وسيكون لها تبعاتها السلبية والإيجابية على تركيا، أو عودة إلى الدبلوماسية الكلاسيكية المعهودة في إطار الوقوف على مسافةٍ واحدة من الجميع، لحماية العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التركية في المنطقة. ربما قد لا يترك الخيار لتركيا هنا.
ويقول أحد المتابعين الخبثاء إن رفض قطر الشروط والمطالب المقدمة، قبل انتهاء المدة المعلنة، يعني أن قرار التصعيد ضدها سيستمر، وأن الأزمة ستتصاعد وتتشعب وتطول. وطالما أن الدوحة لم تتوقف مطولا حيال ما طلب منها، فلا بد من البحث عن بديل، يستجيب للمطالب، ويساهم في حلحلة المشكلة. وبسبب مواقفها الداعمة لقطر، ستكون تركيا الدولة المستهدفة، فهل من المحتمل أن تنقل لائحة الشروط المرفوضة قطريا إلى أنقرة، معدلة ومنقحة هذه المرة، علها تقبل بتنفيذ البنود المتعلقة بها؟
ما الذي قد تُطالب أنقرة به مثلا: تخفيض تركيا علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع قطر، وتجميد كل اتفاقيات التعاون والتنسيق العسكري والأمني بين البلدين. إغلاق القاعدة
ما الذي ستفعله تركيا إذا ما قدّمت لها حزمة مطالب من هذا النوع، وكيف سترد؟