أنظمة عربية تخاف الفنانين: السجون لـ"تأديب" المعارضين

26 أكتوبر 2016
فنانون خلف القضبان (Getty)
+ الخط -
لماذا تخاف الديكتاتوريات من الفنانين؟ الجواب البديهي الأوّل هو التأثير الكبير للفنانين على الشعب، فهم الذين يخاطبون مختلف الشرائح بلهجة بسيطة وبكلمات مفهومة وقريبة من يومياتهم وحياتهم ومشاكلهم. لم توفّر أغلب الأنظمة العربية أي فرصة لإسكات الفنانين المتمردين أو هؤلاء الذين "تجرّأوا" وانتقدوا بعض مما لا يعجبهم في بلادهم. منذ أكثر من نصف قرن، والسجون العربية تستقبل فنانين... 

في مصر، لدينا أمثلة واضحة كعين الشمس. خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، امتلأت السجون بالفنانين والشعراء الذين أيدوا ثورة يوليو بداية، ثمّ انتقدوها بسبب "عسكرة النظام" والقمع الذي حصل. من بين هؤلاء المثال الأشهر وهو الثنائي الشيخ إمام ــ أحمد فؤاد نجم، وهو الثنائي الذي تنقل في أكثر من سجن مصري تحديداً بعد نكسة عام 1967.

لكن إلى جانب هذا الثنائي الشهير، استقبلت السجون المصرية عدداً آخر من الفنانين، بقيت قصصهم مغمورة، وغالباً ما كانت تلتصق بهم تهم من نوع "تعاطي المخدرات" او "الإخلال بالآداب العامة"، بينما التهمة الحقيقية تكون تهمة سياسية. ومن بين هؤلاء الفنان النوبي الكبير أحمد منيب، الذي سجن في سجن الواحات رفقة عدد آخر من المفكرين والشعراء والفنانين، مثل شاعر العامية المصرية الشهير فؤاد حداد، والفنان محمد حمام، المغني الأصلي لأغنية "الليلة يا سمرا".

 تطول اللائحة لتشمل أيضاً تحية كاريوكا التي كانت مبغوضة من مختلف الأنظمة، وهي التي اتهمت نظام عبد الناصر بأنه نسخة عن نظام "الملك فاروق".

أما الممثل المصري علي الشريف فدخل السجن بتهمة "التحريض على قلب النظام" في عهد عبد الناصر أيضاً. وتطول اللائحة بين من قضى أياماً في السجن ومن قضى سنوات.



واستمرّت هذه الممارسات في عهد المخلوع محمد حسني مبارك فاعتقل الممثل الكوميدي الراحل سعيد صالح بسبب جملة قالها في مسرحية "لعبة اسمها فلوس" جملته الشهيرة: "أمي اتجوزت 3 مرات، الأول أكّلنا المشّ، والتاني علّمنا الغشّ، والتالت لا بيهشّ ولا بينشّ". كانت هذه الجملة كافية ليحكم بالسجن 6 أشهر بتهمة "تعاطي المخدرات" بينما أكد صالح مراراً أن التهمة الحقيقية كانت سياسية، إذ اعتبر مبارك أن صالح يقصد في هذه الزيجات الثلاث الرؤساء المصريين جمال عبد الناصر، وأنور السادات والمخلوع حسني مبارك.

وإن لم يكن اللجوء إلى سجن الفنانين هواية مبارك الأولى، نظراً إلى اعتماده أسلوباً آخر بتدمير صورة الفنانين المعارضين، من خلال تشويه سمعتهم باعتقالهم لأيام قليلة بتهم الدعارة أو المخدرات، ثمّ إطلاق سراحهم.

في عهد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، تأخذ الحرب شكلاً مختلفاً، فمع ضغط مواقع التواصل الاجتماعي، وتحوّل أغلب الفنانين إلى أبواق للسيسي ونظامه، يبقى الفنانون المعارضون قلة قليلة، نذكر منهم عمرو واكد، وخالد أبو النجا ومحمد عطية، وجيهان فاضل، الذين يتمتعون بشهرة ومتابعين قد تجعل من عملية اعتقالهم ربما مشكلة إضافية للنظام المصري. وهو النظام نفسه الذي يعتقل ممثلة مغمورة مثل شروق عبد العزيز، بتهمة ممارسة الدعارة، في وقت يعزو كثيرون عملية الاعتقال إلى الفيديو الشهير لها الذي تهاجم فيه الشرطة المصرية.


مصر طبعاً ليست وحدها، فأغلب الأنظمة العربية تخاف الفنانين المتمردين، في العراق مثلاً ومنذ عهد الرئيس صدام حسين  تتم تصفية أو سجن الفنانين، ولعل أشهر مثال على ذلك هو اعتقال النظام للفنان العراقي صباح السهل ثمّ إعدامه وذلك بعد مهاجمته كلامياً لصدام حسين ونظامه عام 1993. كذلك اعتقل النظام نفسه الموسيقي العراقي الشهير نصير شمّة، وكاد يحكم عليه بالإعدام لولا مجرد صدفة.


تطول اللائحة لنصل إلى الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاجتياح الأميركي وصولاً إلى اليوم، وخير مثال على الفنانين المعتقلين بعد الألفية الجديدة هو الممثل الكوميدي ناهي مهدي الذي انتقد مسؤولاً في قضاء خانقين (شرق بغداد) في برنامجه "سوالف"، فألقي القبض عليه وسجن بتهمة التشهير بقائم مقام خانقين محمد الملا حسن.

في سورية، يبدو الوضع أشبه بالكوميديا السوداء، تحديداً منذ انطلاق الثورة حتى اليوم. نبدأ من الأشهر الأخيرة عندما أصدرت نقابة الفنانين السوريين بياناً يتضمّن مجموعة من أسماء الفنانين السوريين المعارضين، تستدعيهم فيها للمجلس التأديبي.

 قرار الاستدعاء وإن بدا مضحكاً، فقد سبقه اعتقال النظام لعدد من الفنانين، بعضهم من غادر السجن ثم البلاد من بينهم الفنانة مي سكاف، وجلال الطويل ومحمد آل رشي، بينما لا يزال بعض الفنانين في أقبية السجون بينهم سمر كوكش التي اتهمت تهمة كوميدية وهي "تمويل الإرهاب". لكن بشار الأسد ليس سوى تلميذ نجيب لمدرسة والده حافظ الأسد، الذي سبق أن اعتقل عدداً كبيراً من الممثلين بينهم الممثل عبد الحكيم قطيفان الذي اتهم بالتآمر على نظام الأسد الأب، فسجن تسع سنوات.

في ليبيا كما في الدول العربية التي حكمتها أنظمة قمعية، حرق معمر القذافي كل الآلات الموسيقية الغربية، ولاحق عدداً من الفنانين ما أدى إلى هروبهم من بلادهم خوفاً من الاعتقال، ومن بين هؤلاء الفنان الشهير حميد الشاعري، الذي صنع شهرته بعد هروبه من ليبيا إلى القاهرة. كذلك ترددت أخبار عن أن القذافي حاول اغتيال عادل إمام في ليبيا، بعدما اعتبر أن إمام كان يقصده هو في مسرحية "الزعيم".

المساهمون