أنصار نظام القذافي.. ورقة جديدة في الصراع الليبي

12 يونيو 2017
لا تزال وجهة سيف الإسلام القذافي مجهولة (تويتر)
+ الخط -
رغم مرور أكثر من يوم على إعلان إطلاق سراحه، لا يزال مصير نجل معمر القذافي، سيف الإسلام القذافي، مجهولاً. فرغم تأكيدات آمر "كتيبة أبوبكر الصديق"، أنه "خرج من الزنتان"، التي قضى قرابة الست سنين في سجونها، إلا أنه وعلى غير المتوقع لم يخرج سيف الإسلام، لمؤيديه السابقين، مما أثار شكوكا لدى المراقبين في صحة الإعلان عن إطلاق سراحه.

ولم يكن إعلان "كتيبة أبوبكر الصديق" الإفراج عن سيف الأول من نوعه، فآمرها العجمي العتيري، الذي يحتفظ بسيف الإسلام القذافي تحت إشرافه منذ اعتقاله عام 2011، أعلن في يوليو/تموز من العام الماضي الإفراج عنه، بموجب قانون العفو الصادر عن البرلمان، قبل أن يكذبه المجلس العسكري للمدينة، ويؤكد أن سيف الإسلام لا يزال معتقلا.

وإثر عدد من الخلافات داخل المدينة، أعلنت "كتيبة العجمي"، الموالية لخليفة حفتر، وضع سيف الإسلام القذافي في محبس بإشراف مجلس أعيان المدينة، ليخرج قائدها مجددا، وبشكل لافت ومفاجئ، السبت الماضي، ويعلن أن سجينه صار خارج الزنتان تنفيذا لقرار حكومة طبرق القاضي بالإفراج عنه.

لكن بيانات مكونات المدينة جاءت لتعكس مفاجأتها بالخبر، معلنة رفضها للخطوة. فقد اعتبر المجلسان العسكري والبلدي الإفراج عن سيف الإسلام "خيانة لدم الشهداء"، محملين المسؤولية لــ"مجلس الأعيان"، الذي سبق أن أعلن العتيري أنه يشارك في الإشراف على اعتقال القذافي الابن، ليتلوه بيان لمجلس الأعيان "يخلي مسؤوليته عن الحادث"، معبرا عن رفضه "استخدام ورقة سيف الإسلام سياسيا أو اجتماعيا، أو محاولة فرض واقع سياسي لا يرتضيه الليبيون"، في إشارة لوجود مساع واتفاقات تجري بين مؤيدي حفتر في الزنتان، وعلى رأسهم العتيري، وأنصار النظام السابق، للاستفادة من سيف الإسلام في حشد التأييد الشعبي في غرب البلاد لصالح "حفتر" وعساكره.

وأكد مجلس الأعيان أن "قضية ذلك السجين هي قضية قانونية بحتة، وهو ما يحتم وجود سيف الإسلام تحت تلك المظلة، المتمثلة فى النائب العام ووزارة العدل"، لكن النائب العام أعلن على الفور عن بدء إجراءات تحقيق في الحادث، مؤكدا أن "الإجراءات القانونية والتحقيقات والمحاكمة ستطاول كل من يثبت تورطه في عرقلة تنفيذ أحكام وأوامر القضاء"، مطالبا بضرورة "القبض على سيف الإسلام حتى يصار إلى محاكمته عن التهم المنسوبة إليه"، كما أكد على أن "العفو العام لا يتم تطبيقه إلا بعد إجراءات واستيفاء لشروط قانونية تختص بتنفيذها السلطة القضائية".

وعبر عدد من نواب برلمان طبرق المسؤول عن إصدار قانون العفو عن تشكيكهم في صحة الإفراج عن سيف الإسلام. وقال أبوبكر بعيرة، أحد أبرز نواب طبرق، إن "الإعلان جاء في سياق المناورة السياسية من بعض الأطراف، التي تريد تحقيق مآرب سياسية معينة تستغل هذه الورقة"، مشيرا إلى أن "كتيبة أبو بكر الصديق سبق وأن أعلنت قبل عام عن إطلاق سراح نجل القذافي، ثم تبين أن ذلك الوقت كان عبارة عن مناورة سياسية، حيث لن تتخلى هذه الكتيبة عن هذه الورقة. كما أن سيف الإسلام القذافي لا ينطبق عليه قانون العفو العام".

وبرز في المشهد السياسي الليبي تنافس على استغلال ورقة رموز النظام السابق بين الأطراف الليبية المتصارعة. فقبل أسابيع، ادعت كتائب موالية لحكومة الوفاق أن سبب هجومها على مقرات كتائب حكومة الإنقاذ، هو نية الأخيرة استعادة مقارها السابقة وسط المدينة، لكن القتال توقف بشكل مفاجئ في اليوم الموالي بمجرد سيطرة كتيبة ثوار طرابلس التابعة لحكومة الوفاق على "سجن الهضبة"، الذي يؤوي أبرز رموز النظام السابق، لتعلن وقتها عن سلامة كل من في السجن، ووسط تغييب كامل لحقيقة ما حدث داخل السجن ومصير من فيه.

كما أعلنت ذات الكتيبة، الجمعة، عن "إطلاق سراح أكثر من 30 سجينا من سجن الهضبة بعد حكم النيابة العام بالإفراج عنهم"، ونشرت الكتيبة، في بيان على صفحتها في "فيسبوك"، أسماء ستة عسكريين من النظام المخلوع، غير أنّهم ليسوا من أركان معمر القذافي.

وبعد تصريح مفاجئ لرئيس البرلمان، عقيلة صالح، مساء الجمعة، طالب فيه بـ"الإفراج عن كل مقبوض عليه بدون وجه حق أو محجوز في مكان غير مخصص لذلك طبقاً للقانون، وتنفيذ قانون العفو العام على من ينطبق عليه"، مضيفا أن "الوطن في حاجه إلى أبنائه المخلصين لانتشاله من محنته وإنقاذه من مصير يُساق إليه لتدميره وضياع مستقبله"، أعلن آمر "كتيبة أبوبكر الصديق"، العقيد العجمي العتيري، عن الإفراج عن سيف الإسلام القذافي تنفيذا لقرار البرلمان.

وليست هذه المناورات سابقة في ليبيا. إذ أعلن محمد الزوي، رئيس آخر برلمان في عهد القذافي إثر الافراج عنه من "سجن الهضبة" في طرابلس، عن انطلاق حوار سياسي مع بعض الأطراف السياسية في طرابلس مع رموز النظام داخل سجون مصراتة وطرابلس. كما أن الطرف المقابل، المتمثل في مؤيدي حفتر، لم يدخروا جهدا في الاستفادة من عناصر النظام السابق كـ"الزوي" نفسه، الذي اتخذه رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح مستشارا له، فضلا عن استعانته بعدد كبير من الضباط والعسكريين السابقين للقتال ضمن صفوف قوات حفتر.

ويبدو أن استثمار ورقة رموز النظام السابق يعكس الخلافات القوية داخل فريقي الصراع في البلاد، فكل منهما يبحث عن حلفاء، كما يؤكد وجود انقسامات أخرى داخل أنصار النظام السابق الذين عبر عدد منهم، يوم أمس، عن رفضهم لجوء سيف الإسلام القذافي إلى شرق البلاد التي يسيطر عليها حفتر للإقامة فيها، داعين سيف الإسلام إلى استئناف مشروع والده.

ومن غير الخفي أن اللعب بورقة أنصار النظام السابق تقف وراءها أطراف إقليمية وربما دولية، لا سيما وأن شخصيات كسيف الإسلام لها ارتباطات بحسابات القذافي التي تزال مجهولة في بنوك العالم، لكن المؤكد أن ملف أنصار النظام السابق لن ينتهي بمجرد الإفراج عنهم ضمن مسار تحولات المشهد السياسي الليبي، فكلا الطرفين لا يملكان تفويضا عن الشعب للتنازل عن الحق القانوني لمقاضاة من أجرم منهم في حق الليبيين، مما قد ينعكس سلبا على جهود المصالحة الوطنية.

المساهمون