أنصار ترامب يستعرضون بالسلاح ضد الإغلاق: استقواء بـ"التعديل الثاني"

18 ابريل 2020
تظاهر أنصار ترامب بسلاحهم في ميتشيغين (جيف كوفالسكي/فرانس برس)
+ الخط -
مرة جديدة، يعيد فيروس كورونا المستجد فتح السجال بين أنصار حمل السلاح الفردي في الولايات المتحدة ومعارضيه. ومجدداً، تكسب "الرابطة الوطنية الأميركية للسلاح"، أو "الرابطة الوطنية للبنادق"، الرهان على التعديل الثاني من الدستور الأميركي، الذي يمنح المواطنين حقّ حيازة السلاح الفردي. هذا التعديل، الذي يُعتبر لازمة الرابطة، في وجه كلّ من يعارض حمل السلاح في البلاد، من سياسيين ولوبيات مناوئة لها، أو أقلّه أولئك المطالبين بإجراءات أكثر صرامة، وعمليات تدقيق أكثر تشدداً في سجلات الراغبين في شرائه، سمح أول من أمس الخميس، لأكثر من ألفي شخص من أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بمحاصرة مبنى "الكابيتول" في ولاية ميتشيغين، مدججين بأسلحتهم. وتحكم الولاية الديمقراطية غريتشين وايتمار، ويطالبها أنصار الرئيس بإعادة فتح اقتصاد الولاية، رافضين كذلك سياسة الحجر المنزلي التي أقرتها ومددتها حتى نهاية شهر إبريل/ نيسان الحالي، في ظروف انتشار الوباء.

وكان "التعديل الثاني"، وما يمثله من حقّ يكفله الدستور، لا يزال غير قابل للنقاش في الولايات المتحدة، بامتلاك السلاح الفردي، قد أتاح مع بداية أزمة كورونا لمتاجر بيع الأسلحة في الولايات المتحدة أن تنتعش مرة أخرى وتحقق أرباحاً طائلة، بعدما تهافت الأميركيون عليها لاقتناء الأسلحة، وبعضهم للمرة الأولى، جرّاء تفشي الفيروس. شعورٌ بغياب الأمان الاجتماعي، وخشية من سيناريوهات أكثر دراماتيكية جرّاء تداعيات الفيروس، مثل انهيار المؤسسات الفدرالية، فتح المجال أمام تجار السلاح، ومن خلفهم "رابطة البنادق"، لأن يُنّصبوا أنفسهم مجدداً "حماة" الأميركيين، في سجالٍ يأخذ بعداً سياسياً وقانونياً حاداً في البلاد، بعدما تحول إلى مادة خلاف رئيسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

عنصرية واستنسابية

وتعتبر "رابطة البنادق" أحد أقدم لوبيات الضغط في الولايات المتحدة، ويعود تاريخها إلى أشهر قليلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية. وتنشط الرابطة في أروقة واشنطن، من خلال ذراعها التنفيذية، "معهد الرابطة للتحرك التشريعي". وباختصار، فإنها من الأكثر تأثيراً في صناعة القرار، ولو أن إنفاقها السياسي انخفض خلال السنوات الأخيرة، لتتقدم عليها لوبيات محلية أخرى، مثل لوبي صناعة الدواء. وتُعرّف الرابطة عن نفسها بأنها مجموعة مدافعة عن الحقوق المدنية، وتحديداً حق الفرد في امتلاك السلاح. وبالإضافة إلى استنادها إلى التعديل الثاني من الدستور، فإن تشريعات أميركية أخرى صدرت، سمحت بتمكين أجندتها. ويمكن القول إن أيّ محاولةٍ جدية لتحجيم نفوذ رابطة البنادق، وتقليص أجندتها، لا تزال تسقط أمام عتبة الكونغرس.

وعلى الرغم مما حملته حادثة ميتشيغين، أول من أمس، من أبعادٍ سياسية، كون حاكمة ميتشيغين، غريتشين وايتمار، اشتهرت أخيراً بانتقادها سوء إدارة ترامب لتفشي الوباء، فيما كان يصفها الرئيس بـ"تلك المرأة في ميتشيغين"، والتي تعتبر من الأسماء القوية المرشحة لتولي منصب نائب الرئيس إذا ما فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، وهي إحدى القيادات المهمة في حملته، إلا أن هجوم أنصار ترامب لم يسلم من ألسنة معارضي حمل السلاح في البلاد، والذين باتوا قوة ضاغطة في وجه "رابطة البنادق". كذلك أحيت الحادثة سجالاً حمل طابعاً عنصرياً، عبر استذكار قانون "مولفورد" في عام 1967 في كاليفورنيا (عندما كان رونالد ريغان حاكمها)، الذي حظي بدعم الجمهوريين والديمقراطيين، وأبطل قانوناً يسمح بحمل السلاح في التجمعات العامة. واعتبر مراقبون أنه في ذلك الوقت دعمت "رابطة البنادق" قانون مولفورد، فقط لأنه اعتبر رداً على تحرك جماعات من أصول أفريقية بسلاحها في الولاية كشرطة أمر واقع، ما فتح الحديث عن "قانونٍ أبيض". ويعتقد مراقبون أن "رابطة البنادق"، التي تسير منذ عقود بمنهج واضح، ألا وهو معارضة أي تحرك جدي للحد من انتشار السلاح الفردي، لم تمنح "عمادتها" لتمرير أي تشريع معارض في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلا من خلفية عنصرية ترتبط بالأقليات خصوصاً.


وتتمتع "رابطة البنادق" بحماية تاريخية من الحزب الجمهوري، فيما ارتفع على مرّ العقدين الماضيين النفور الديمقراطي منها، مُعَززاً بقوة لوبيات مناوئة، أصبحت تسخو مالياً على الحملات الانتخابية للمرشحين. في عام 2016، أعلنت الرابطة مبكراً جداً دعمها الملياردير الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، في وجه هيلاري كلينتون، انتقاماً خصوصاً من الرئيس السابق باراك أوباما، الذي شنّ حملة ضدها، ودفع، من دون نجاح يُذكر في الكونغرس، لتشديد قوانين حيازة السلاح. وبحسب مركز "ريسبونسيف بوليتكس"، فقد أنفقت الرابطة 30.3 مليون دولار لتأييد حملة ترامب. وتحشيداً لدعمه، قال رئيسها، وين لابيير، متوجهاً للأميركيين، إنه "إذا تمكنت كلينتون من تعيين ولو قاضياً واحداً في المحكمة العليا، فيمكنكم توديع أسلحتكم للأبد".

واستغلت الرابطة أزمة وباء كورونا لتمرير أجندتها، عبر الترويج لضرورة حماية الأميركيين أنفسهم، وأن "التعديل الثاني من الدستور ملازم في زمن الأزمات". ومع إعلان ترامب أنه "رئيس في زمن الحرب"، في مواجهة كورونا، نشرت الرابطة على موقعها الإلكتروني فيديوهات لمواطنين يتحدثون عن أهمية اقتناء السلاح خلال أزمة الوباء، موجهين اتهامات إلى الحزب الديمقراطي باستغلال كورونا لأغراض سياسية. كذلك وجدت الرابطة في الفيروس ضالتها، للتخلّص من آثار أربع سنوات سيئة، اتسمت بتراجع سطوتها، نتيجة خلافات مالية داخلية وفضائح طاولت قياداتها، وأدّت إلى تعرضها لسلسلة هزائم، آخرها في عقر دارها في ولاية فيرجينيا، مع فوز ديمقراطي في تشريعيات الولاية.

وكانت الولايات الأميركية قد تفاوتت في تقديرها الأعمال التي يجب إغلاقها مع تفشي الفيروس، على الرغم من شمل ترامب متاجر السلاح الفردي بالأعمال الضرورية التي لا ينبغي إغلاقها. في ظلّ ذلك، رفعت الرابطة دعوى ضد حاكم نيويورك أندرو كومو، لتصنيفه متاجر السلاح "غير ضرورية"، وأطلقت حملة لطلب التمويل، بعد سنوات التعثّر المالي، من خلال التحريض على المعارضين لحمل السلاح، واستغلال الفوبيا الاجتماعية، متحدثة عن "أخبار عن فرار سجناء، وتراخي الأمن، وضرورة مقاومة السياسيين الذين يريدون سلبنا حقوقنا في هذه الأوقات العصيبة".

وتستند المعطيات في ارتفاع توجه الأميركيين إلى اقتناء السلاح في مواجهة فيروس كورونا خصوصاً، إلى تقرير وكالة "أف بي آي" الذي تحدث عن 2.8 مليون طلب تدقيق في خلفية المشترين المحتملين، حتى ما قبل تسارع تفشي الفيروس في الولايات المتحدة. وبحسب "واشنطن بوست"، فإن شهر فبراير/ شباط الماضي سجّل واحداً من ثلاثة أشهر هي الأعلى في هذه الطلبات، منذ أن بدأت الوكالة تسجيلها عام 1998. وترتبط الموجة خصوصاً بالهلع الاجتماعي من الفيروس، على الرغم من أن مبيعات الأسلحة الفردية ترتفع عادة في البلاد في المواسم الانتخابية، وكانت قد ارتفعت بمستوى قياسي مع بداية ولايتي الرئيس السابق باراك أوباما، ما ارتبط بأصوله الأفريقية. من جهتها، وصفت لوبيات الضغط المناوئة هذه الظاهرة بـ"جائحة" أخرى في زمن كورونا، قد تدفع إلى ارتفاع نسبة الموت بالسلاح الفردي، لا سيما مع ترافق بداية ظهور الوباء وانتشار مظاهر كراهية تجاه المواطنين أو المقيمين من أصول آسيوية، لارتباط الفيروس بالصين.

ويقول عاملون في متاجر الأسلحة في مختلف الولايات الأميركية، وخصوصاً تلك التي تحوّلت إلى بؤرة لتفشي كورونا، إنهم لم يشهدوا هذا الارتفاع في مبيعات السلاح الفردي، منذ أيام حادثة الهجوم الدموي بالسلاح الفردي الذي شهدته ولاية كونكتيكت عام 2012، عندما فتح آدم لانزا، المهووس بالجيش، النار في مدرسة ساندي هوك، ليقتل 26 شخصاً، بينهم 20 طفلاً. إثر العملية، التي وقعت في بداية ولاية أوباما الثانية، ارتفعت بشكل جنوني عمليات التسلّح للأميركيين، وسُمح للمدارس باقتناء السلاح دفاعاً عن النفس. وتستعيد الموجة وتيرتها، للمفارقة، بعد أشهرٍ من رفض المحكمة العليا تجميد دعوى رفعها أهالي ضحايا المدرسة ضد شركة "ريمينغتون" لتصنيع السلاح الفردي، المصنعة لنوع السلاح الذي استخدمه سفّاح ساندي هوك، ما اعتبر انتصاراً للوبي أهالي الضحايا، وسابقةً قد تمهد لدعاوى أخرى، من شأنها أن تدفع قطاع تصنيع الأسلحة الفردية الأميركي إلى إعادة صياغة سياساته.

إخفاق جمهوري وديمقراطي

وتعتبر الولايات المتحدة من أكثر دول العالم تساهلاً في اقتناء مواطنيها السلاح (120 سلاحاً لكل 100 فرد)، وتحتل المرتبة الأولى في هذا الإطار، يليها اليمن، الدولة المثقلة بالحروب. وعلى الرغم من الأعداد القياسية للأميركيين الذين يقتلون سنوياً بالسلاح الفردي، وارتفاع وتيرة الهجمات به في الداخل الأميركي خلال العقدين الماضيين، سواء لدوافع إرهابية أو عنصرية أو غيرها، فقد تباهى ترامب بقوانين بلاده التي تجيز حيازة الأسلحة النارية، هازئاً مثلاً، أمام رابطة الأسلحة في عام 2018، من مجزرة مسرح الباتاكلان في باريس في عام 2015 وضحايا "السلاح الأبيض" في بريطانيا، قائلاً "لو كان أحد المدنيين الحاضرين يحمل سلاحاً، لما حصلت تلك المجازر".

وكان ترامب قد سقط بالضربات القاضية أمام نفوذ الرابطة مرات عدة خلال فترة ولايته الأولى، بعدما فشل في تمرير قوانين تهدف إلى ضبط السلاح الفردي، على الرغم من وعوده بالعمل في هذا الاتجاه بعدما شهدت البلاد في عهده حوادث قتل جماعي حملت طابعاً عنصرياً (تشارلوتسفيل، إل باسو...). وفي المقلب الديمقراطي، يعتبر تقييد السلاح الثغرة التي استغلها خصوم المرشح الاشتراكي المنسحب بيرني ساندرز، منتقدين تصويته مرات عدة في الكونغرس ضد قوانين تشديد السلاح. أما نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، الذي انتشر له فيديو أخيراً وهو يتلاسن ويستخدم ألفاظاً نابية في إحدى حملاته الانتخابية، مع عامل في شركة لتصنيع السيارات مدافع عن حق امتلاك السلاح، فلا تزال سياسته في هذا الخصوص ضبابية. وكان المرشح الديمقراطي مايكل بلومبيرغ الأشد تأثيراً لناحية معارضته حمل السلاح، بعدما أنفق مليارات الدولارات لصالح هذا التوجه، وجعل المسألة أولويته خلال سنوات عمادته لنيويورك، متعاوناً مع جماعات ضغط أخرى، منها "أمهات الضحايا"، و"جيفوردز"، و"موحدون ضد عنف السلاح".

العام الماضي، قال ترامب إن "الكثير من قوانين تقييد السلاح سقطت في الكونغرس، لأنه لم يكن هناك رئيس اسمه دونالد ترامب". وفي انتظار وعوده، عاد السلاح ليتفشى في منازل الأميركيين. في مواجهة عدوٍ غير مرئي، يُذّكر الأميركيين بأيام بيرل هاربور، يسعى لوبي السلاح إلى إبقاء أميركا ساحة حرب، في دولة تشبه شركة متعددة الجنسيات، ويتفلت فيها السلاح الفردي.