12 مارس 2017
أنا سوري... يا جورج قرداحي
قتيبة ياسين (سورية)
كثيراً ما كان السوريون يتندّرون على الأغنية التي يعرضها التلفزيون الرسمي السوري بصوت الفنان القدير عبد الرحمن آل رشي، عندما يردّد لازمة أغنية "أنا سوري آه يا نيالي"، بصوته الجهوري القوي.
أكثر من كان يرددّها هم السوريون أهل الدولة "الغنيّة"، المسافرون للعمل في لبنان الفقير والمديون والخارج من حرب أهلية.
لا أعرف كيف خيّل للمواطن السوري أنّ دولته غنيّة، في حين أنّه كان يجهل كلّ صادراتها ووارداتها وإنتاجها النفطي، كلّ ذلك كان مبهماً وغير معروف رسمياً بل يعدّ أحد أسرار الدولة.
عرف السوريون هذه المعلومة من الإعلامي اللبناني جورج قرداحي المؤّيد للنظام السوري. كان ذلك عندما كان يقدّم برنامج "من سيربح المليون". حينها سأل القرداحي أحد متسابقي البرنامج: من هي أغنى الدول العربية؟
وكالعادة، وضع أربع احتمالات، وكانت الاحتمالات الثلاثة لدول خليجية (الإمارات، السعودية، قطر) وكان الخيار الرابع هو سورية، وبالطبع لم يتوّقع أحد أنّ الإجابة الصحيحة هي سورية.
لم أفهم كيف تكون دولة الطرطيرات وباصات النقل الداخلي والشوارع المتصدّعة وعشوائيات الفقر المدقع أغنى من قطر التي تصنّف مع النرويج واليابان من حيث درجة رفاهية الفرد العالمية. لكن، هكذا أرادها القرداحي، أرادها كذلك قبل انتشار الأنترنت وسهولة البحث، حيث لا يمكن البحث أو الاعتراض على ما يدّعيه، كان ذلك في عصر يسيطر فيه التلفزيون على الإعلام، بل ومن أشهر برامجه الإعلامية وعبر أشهر قنواته.
وبعدها طبع في ذاكرة السوريين جميعاً أنّ دولتهم هي أغنى الدول العربية، حتى أنّها أغنى من الدول النفطية العربية، وقد برّر القرداحي معلومته تلك بحيث أنّ سورية غير مديونة لأحد من الدول.
حتى على هذا المقياس (لو كان صحيحاً)، فسورية ليست أغنى من قطر أو السعودية إذ لا دين عليهما، بل لهما دين على الدول وتمنحان الكثير من الهبات، ومنظماتهم الإنسانية تعبر الدول الفقيرة العربية منها وغير العربية.
تذكرت هذه الحادثة، عندما مرّ اليوم العالمي لمكافحة الفقر منذ أيام. وبمناسبة هذا اليوم، نشرت الأمم المتحدة تقريرها عن الدول الأشد فقراً، فتصدّرت سورية الدول العربية، بصفتها الدولة الأشدّ فقراّ، بنسبة فقر تجاوزت84% أي أنّ 84% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، فسبقت سورية بذلك الصومال بسبع درجات، علماً أنّ التقرير يشمل دراسة لأربعة عشر عاماً، أيّ أنّه يشمل سورية قبل الثورة بثمان سنين.
لم أعرف كيف توصل جورج قرداحي إلى هذه المعلومة الخاطئةً، وما مصادره التي لم يجد من يسأله عنها؟ ولطالما تساءلت حينها: ألم ير قرداحي أنّ في لبنان وحده نصف مليون عامل سوري قبل الثورة بسنين طويلة، وهم يعملون في ظروف أقلّ ما يقال عنها أنّها ليست إنسانية؟ ألم يتساءل لماذا يأتي حوالي نصف مليون عامل من سورية (الغنية) إلى بلده لبنان (الفقير والمديون) على حد تعبيره؟ ألم يسمع عن حوالي نصف مليون عامل سوري آخر يعملون في الأردن؟
ألم يستغرب أن يذهب أبناء دولة "غنيّة" إلى دولة صغيرة مجاورة، مساحتها بحجم محافظة واحدة من جارتها الكبيرة؟
ألم يسمع من أبناء بلده اللبنانيين اللذين يعملون في الخارج عن العمالة السورية في دول الخليج العربي، ويقدّر عددهم بالملايين؟
صدقني، يا عزيزي جورج، لم يكن للسوريين يوماً بلاد يملكونها حتى تكون من أغنى البلاد، ولم يكن للسوريين يوماً جيش يحمي حقوقهم، وهو أوّل من هدرها واعتدى عليها.
صدّقني، أنّ نصف اللاجئين السوريين في لبنان موجودون قبل الحرب بسنين طويلة، لكن كعمّال، وما تغيّرعليهم اليوم، هو فقط توصيفهم لاجئين.
أكثر من كان يرددّها هم السوريون أهل الدولة "الغنيّة"، المسافرون للعمل في لبنان الفقير والمديون والخارج من حرب أهلية.
لا أعرف كيف خيّل للمواطن السوري أنّ دولته غنيّة، في حين أنّه كان يجهل كلّ صادراتها ووارداتها وإنتاجها النفطي، كلّ ذلك كان مبهماً وغير معروف رسمياً بل يعدّ أحد أسرار الدولة.
عرف السوريون هذه المعلومة من الإعلامي اللبناني جورج قرداحي المؤّيد للنظام السوري. كان ذلك عندما كان يقدّم برنامج "من سيربح المليون". حينها سأل القرداحي أحد متسابقي البرنامج: من هي أغنى الدول العربية؟
وكالعادة، وضع أربع احتمالات، وكانت الاحتمالات الثلاثة لدول خليجية (الإمارات، السعودية، قطر) وكان الخيار الرابع هو سورية، وبالطبع لم يتوّقع أحد أنّ الإجابة الصحيحة هي سورية.
لم أفهم كيف تكون دولة الطرطيرات وباصات النقل الداخلي والشوارع المتصدّعة وعشوائيات الفقر المدقع أغنى من قطر التي تصنّف مع النرويج واليابان من حيث درجة رفاهية الفرد العالمية. لكن، هكذا أرادها القرداحي، أرادها كذلك قبل انتشار الأنترنت وسهولة البحث، حيث لا يمكن البحث أو الاعتراض على ما يدّعيه، كان ذلك في عصر يسيطر فيه التلفزيون على الإعلام، بل ومن أشهر برامجه الإعلامية وعبر أشهر قنواته.
وبعدها طبع في ذاكرة السوريين جميعاً أنّ دولتهم هي أغنى الدول العربية، حتى أنّها أغنى من الدول النفطية العربية، وقد برّر القرداحي معلومته تلك بحيث أنّ سورية غير مديونة لأحد من الدول.
حتى على هذا المقياس (لو كان صحيحاً)، فسورية ليست أغنى من قطر أو السعودية إذ لا دين عليهما، بل لهما دين على الدول وتمنحان الكثير من الهبات، ومنظماتهم الإنسانية تعبر الدول الفقيرة العربية منها وغير العربية.
تذكرت هذه الحادثة، عندما مرّ اليوم العالمي لمكافحة الفقر منذ أيام. وبمناسبة هذا اليوم، نشرت الأمم المتحدة تقريرها عن الدول الأشد فقراً، فتصدّرت سورية الدول العربية، بصفتها الدولة الأشدّ فقراّ، بنسبة فقر تجاوزت84% أي أنّ 84% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، فسبقت سورية بذلك الصومال بسبع درجات، علماً أنّ التقرير يشمل دراسة لأربعة عشر عاماً، أيّ أنّه يشمل سورية قبل الثورة بثمان سنين.
لم أعرف كيف توصل جورج قرداحي إلى هذه المعلومة الخاطئةً، وما مصادره التي لم يجد من يسأله عنها؟ ولطالما تساءلت حينها: ألم ير قرداحي أنّ في لبنان وحده نصف مليون عامل سوري قبل الثورة بسنين طويلة، وهم يعملون في ظروف أقلّ ما يقال عنها أنّها ليست إنسانية؟ ألم يتساءل لماذا يأتي حوالي نصف مليون عامل من سورية (الغنية) إلى بلده لبنان (الفقير والمديون) على حد تعبيره؟ ألم يسمع عن حوالي نصف مليون عامل سوري آخر يعملون في الأردن؟
ألم يستغرب أن يذهب أبناء دولة "غنيّة" إلى دولة صغيرة مجاورة، مساحتها بحجم محافظة واحدة من جارتها الكبيرة؟
ألم يسمع من أبناء بلده اللبنانيين اللذين يعملون في الخارج عن العمالة السورية في دول الخليج العربي، ويقدّر عددهم بالملايين؟
صدقني، يا عزيزي جورج، لم يكن للسوريين يوماً بلاد يملكونها حتى تكون من أغنى البلاد، ولم يكن للسوريين يوماً جيش يحمي حقوقهم، وهو أوّل من هدرها واعتدى عليها.
صدّقني، أنّ نصف اللاجئين السوريين في لبنان موجودون قبل الحرب بسنين طويلة، لكن كعمّال، وما تغيّرعليهم اليوم، هو فقط توصيفهم لاجئين.