أنا زلاتان (29) الإصابة الخطيرة وترنح الإنتر

15 سبتمبر 2015
+ الخط -


يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة، وعالم نجومها، وندخل سويّاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي، زلاتان إبراهيموفيتش.


أصبحنا مجددا في صدارة الترتيب بعد عقد التسعينيات الكئيب، الذي ابتعد فيه الإنتر عن الألقاب. الفريق كلهُ ارتقى لمكانة جديدة عندما وصلت له، لهذا حصلت على الفرصة، ومينو رايولا كان في موقف جيد للمفاوضات. الآن حان وقت إعادة المفاوضات بين الطرفين لتحسين العقد ولا يوجد أي شخص يفعل ذلك أفضل من مينو. لقد قام بممارسة كل خُدعه ضد موراتي. لا أعرف كيف تم الحديث بينهما لأنني لم أكن موجوداً معهما قطّ في تلك المفاوضات، لكن كانت هناك أحاديث عن رغبة الريال بالتعاقد معي، ومينو استغل ذلك وقام بالضغط بقوة على موراتي. وفي الحقيقة، لا أعتقد انه كانت هناك حاجة ماسة لفعل ذلك فالأحداث تغيرت الآن. عندما وقّعت مع الإنتر كنتُ أريد بشدة الخروج من نادي اليوفنتوس، وموراتي استغل ذلك بسهولة. في هذا المجال دائما تحاول أن تضرب نقاط الضعف لدى خصمك. هذا جزء من اللعبة. تضع السكين على حلقه. أتذكر أن موراتي قام بتخفيض مرتبي أربع مرات لكنهُ كان يعرف ما الذي سيحدث فأنا ومينو وافقنا على الانتقال للإنتر رغم ذلك.

لكن موراتي لم يعد قويا في المفاوضات كما كان، بالنظر إلى أهميتي في الفريق، لم يكن يستطيع ان يتحمل خسارتي. لم يمر وقت طويل قبل أن يقول " أعطوا الفتى ما يريده". حصلت على عقد رائع بالفعل ولاحقا عندما تسربت بعض الأخبار عن أرقام عقدي الجديد، كان يبدو أنني كنت صاحب أعلى مرتب في العالم. في البداية لم يكن أحد يعرف بالأمر لأن من طلبات موراتي في العقد الجديد هو إبقاء الأرقام بشكل سري لمدة تتراوح بين 6-7 أشهر، لكن الأخبار تسربت على الفور بعد ذلك. كنا نعرف في الحقيقة أن هذا سيحدث والأمر الجلل في ما حصل بعد ذلك لم يكن المرتب نفسه، بل الضجة الكبيرة التي أحدثها الإعلام عنه، بسبب ارتفاع الراتب.

ضغوطات كبيرة ؟ أحب هذا. أحب أن يكون هناك ضغط كبير مفروض عليّ. قمت باستغلال ذلك الضغط وواصلت العمل. في منتصف الموسم كنت قد سجلت عشرة أهداف والهستيريا كانت مستمرة حولي " إبرا.. إبرا ". في ذلك الموسم كان يبدو أننا قمنا بتأمين الأسكوديتو منذ شهر فبراير/شباط. لم يكن يتضح وجود أي فريق قادر على إيقافنا.

في الدور الثاني من دوري الأبطال، واجهنا ليفربول في المباراة الأولى في ملعب الأنفيلد. كانت الإصابة التي أعاني منها في الركبة تحد من قدراتي. قدمنا مباراة كارثية وانتهى اللقاء بخسارتنا 2-0. كنت بحالة سيئة للغاية. بعد ذلك اللقاء لم أحتمل الأمر، لهذا قمت بالفحوصات، والأخبار جاءت بسرعة: لدي التهاب في وتر الرضفة. وتر الرضفة هو امتداد لعضلة الفخذ. تغيبت عن المباراة المقبلة في البطولة ضد سامبدوريا، وتعادلنا بصعوبة كبيرة في النهاية.

لم أكن أشعر بركبتي. كنت أشك في أنني قادر على التحكم بقدميّ كلاعب كرة قدم، وكان مانشيني لا يجرؤ على المخاطرة بعدم إشراكي في اللقاءات. أنت تصبح مثل البرتقالة: النادي يقوم بعصرك حتى تنتهي، ومن ثم يقوم ببيعك. ربما يبدو الأمر قاسيا، لكن هذا هو الواقع. نحن مملوكون من قبل الأندية، ولسنا هُناك من أجل الاهتمام بصحتنا بل من أجل الفوز. وفي أحيان كثيرة أنت لا تعرف حتى موقف الاطباء في الأندية: هل هم ينظرون لك كمريض، أم ينظرون لك كمنتج خاص بالنادي؟

دوري الأبطال أصبح هاجساً صغيراً بالنسبة لي. أردت الفوز بتلك البطولة الملعونة لكن بما أننا خسرنا الذهاب، كان يتوجب علينا أن نحقق فوزا كبيرا لنتأهل، وبالتأكيد، فعلنا كل شيء نستطيع القيام به. قاتلنا، لكن لم نتمكن من اللعب بطريقتنا المعتادة، وأنا لم أكن في أفضل حالاتي على الإطلاق. خسرتُ بعض الفرص وفي الدقيقة الـ 50 تعرض بورديسو للطرد. كان تصرفاً لا قيمة له، لكن بعد ذلك كان يجب علينا أن نقاتل بشكل أكبر لكن هذا لم يساعد، حينها شعرت بالأمر أكثر فأكثر: هذا مستحيل، سأدمر نفسي وفي النهاية حدث هذا. وخرجت من الملعب بألم كبير ونسيت الأمر. جماهير الخصم كانوا يصفرون ضدي، وهذا أمر مؤلم بالتأكيد. كنت اسأل نفسي : ألعب أم أخرج؟ كم أنا مستعد للتضحية من أجل هذه المباراة؟ لم أقل هذا لأنني أعلم ما الذي سيحدث. في النهاية، كل ما حدث هو أننا خسرنا بهدف دون مُقابل والإصابة ازدادت سوءا.

وضعت صحتي على المحك، ولم نكسب أي شيء. المشجعون الإنجليز كانوا يصرخون ضدي. أنا والجماهير الإنجليزية، والصحف الإنجليزية لم نكن على وفاق قَطّ. والآن باتت الصحف الإنجليزية تطلق عليّ : " أكبر لاعب مُضخم في أوروبا ". عادة هذه الأمور تحفزني.

كانت هناك فكرة واحدة في مخيلتي : أن أعود إلى اللعب بشكل جيد في أقرب وقت. أتذكر أنني ذهبت إلى طبيب المنتخب وجعلته يكشف على إصابتي. غضب مني وقال كيف يمكن أن تلعب كل هذه المدة بالحقن المسكنة ؟ في ذلك الوقت كانت بطولة أمم أوروبا 2008 على بعد شهرين، وكان يبدو أن مشاركتي في خطر أيضا في تلك البطولة. دفعت نفسي إلى أقصى ما يمكن، كان يجب عليّ أن أعود للعب. بسرعة اتصلتُ بريكارد داهان. داهان كان أخصائي علاج طبيعي في مالمو، وساعدني كثيرا في تحسين حالة إصابتي ولكن بشكل بطيء.

الأسكوديتو كان بين أيدينا. الجميع كان يعتقد ذلك لكنني تعرضت للإصابة والفارق تقلص من 9 نقاط إلى نقطة واحدة. بدأنا نشعر بأن كل هذه الظروف أصبحت ضدنا. الخوف كان مُخيما في أجواء الفريق. لم نكن نشعر بأننا بخير. ما الذي حدث لإنتر ؟ لماذا أصبحوا هكذا ؟ هذه الأسئلة كانت تدور في كل مكان في الحقيقة. لو خسرنا أو تعادلنا ضد بارما في المباراة الأخيرة، وفاز فريق روما على متذيل الترتيب كاتانيا، فإن فريق روما هو من سيكون بطل الأسكوديتو. كنا سنخسر كل شيء اعتقدنا أننا قمنا بتأمينه. في ذلك الوقت عدتُ إلى ميلان قادما من السويد ولم أكن أشعر بحالة جيدة بعد، لكن هذا لم يكن يعني شيئا فلقد أصبحت أسمع نفس الكلام مرة أخرى : إبرا يجب أن يلعب والآن أكثر من أي وقت مضى.

الضغط كان بشكل مجنون عليّ. لم يسبق لي أن قمت بتجربة مثل هذه. كنتُ في برنامج إعادة التأهيل لمدة 6 أسابيع. كنت أتدرب بشكل قليل جدا، ومباراتي الأخيرة تعود إلى شهر مارس/آذار، وبالتحديد الـ 29 من مارس/آذار. والآن نحن في منتصف شهر مايو/أيار. الجميع كان يعرف أنهُ من الصعب ان أظهر بحالة ممتازة. لم يكن هناك أي شخص يقوم بالحساب لهذا الأمر. ولا يمكنني أن ألوم أيّ شخص لذلك. الجميع كان يرى أنني أهم لاعب في الإنتر وفي إيطاليا. كرة القدم أهم من الحياة نفسها، خاصة في مثل هذه الوضعيات. الإثارة كانت على أشدها. في آخر جولة كان صراع مدينتي ميلانو وروما، المدينتين الكبيرتين، ضد بعضهما بعضاً، لهذا كان من الصعب أن تجد أناساً يتحدثون عن أمور أخرى. كنت أضع التلفاز وأرى جميع البرامج الرياضية تتحدث عن المواجهة. كانوا يذكرون اسمي بشكل ثابت: " إبرا، إبرا، هل سيلعب ؟ هل هناك فرصة ؟ "

لم يكن أحد يعرف هل سألعب أم لا. لكن الجماهير كانت تصرخ : " إبرا، أنقذنا " وفي الحقيقة لم يكن الأمر سهلا، كنت أفكر في صحتي خاصة وأن بطولة الأمم الأوروبية على الأبواب. مباراة بارما كانت تدور في رأسي بشكل دائم. الصحف كانت تضعني على أغلفتها، مع عناوين مثيرة مثل : "استعد للفريق والمدينة" في ذلك الوقت أتذكر ان مانشيني جاءني. كان ذلك قبل أيام من مغادرة الفريق للحديث معي.

اليوم الأهم في مسيرة مانشيني اقترب، وهو غير قادر على أن يتحمل أية أخطاء في ذلك اليوم. لهذا لم يكن من المفاجئ أن يخرج ويطلب من لاعبيه بعض الطلبات الخاصة .

- " إبرا " .

- " نعم ؟ " .

- " أعلم أن أصابتك قد شُفيت تماما " .

- " لا ! " .

- " حسناً، أنا لا أهتم لها، في الحقيقة " .

- " تريدني أن أقوم بعمل جيد، كما أتوقع " .

- " جيد لأنني سوف أشركك ضد بارما، من البداية أو أثناء اللقاء. الأهم أن تلعب. وجودك مهم جدا ومن المهم الفوز في تلك المباراة " .

- " أعلم، أنا أريد أن ألعب بشكل جيد أيضاً " .

أردت أن ألعب أكثر من أي شيء آخر. لم أفضل أن أغيب عن المباراة، التي سوف تحدد مصير الأسكوديتو. سيكون شيئا لا تريد أن تعيش معه. كنت أفضل أن أتألم لأسابيع وأشهر طويلة على أن أفوت ذلك اللقاء، لكن في الحقيقة لم أكن أعرف أي شيء عن المستوى الذي سأظهر فيه. لم أكن أعرف كيف ستستجيب ركبتي وهل سيكون بإمكاني ان أركض بكامل سرعتي أم لا. على كل، مانشيني أراد تأكيد ما قاله، وأراد ايضا ألا يُساء فهم رسالته التي قالها لي. لهذا أرسل لي ميهايلوفيتش. تتذكرون كانت بيني وبينه عداوة كبيرة في الملعب عندما كنت ألعب في اليوفنتوس. كنت قد نطحته برأسي في حين هو كان يقول عني كل أنواع القذارات لكن ذلك كان مجرد ماضٍ. أمور حدثت في الملعب وبقيت هناك. دائما ما أصبح صديقا للكثير من اللاعبين الذين تقاتلت معهم في الملعب. مع ميها حدث الأمر، ربما لأننا في الوضع نفسه، لا أعلم كنت أحب المُحاربين، وميهايلوفيتش كان مقاتلا يفعل كل شيء من أجل الفوز. فقط الآن ميهايلو بعد أن كان لاعبا أصبح مساعد مدرب لمانشيني. وفي الحقيقة، ميهايلوفيتش كان واحداً من القلائل الذين تعلمت منهم الكثير حول تسديد الكرات الثابتة، فلقد كان أستاذا فيها سجل حوالى 30 هدفا من ضربات ثابتة في الدوري الإيطالي. كان شخصاً جيّداً ومتعاوناً، لكنه مباشر أيضاً في حديثه:

- " إبرا " .

- " أعلم ما تريد " .

- " يجب أن تعلم شيئا آخر. أنت لن تتدرب. لن تقوم بأي هراء. سوف تذهب معنا مباشرة إلى بارما وتساعدنا على الفوز بالأسكوديتو " .

- " حسنا، سأحاول " .

- " لا تحاول، افعل ذلك فقط "، قال لي ذلك ثم انطلقنا سويّاً إلى الحافلة.

المساهمون