أناستاسيا شيفتشينكو... مثال على سياسة الترهيب الروسية ضد المعارضين

31 يناير 2020
تظاهرة في موسكو دعماً لشيفتشينكو في فبراير 2019 (Getty)
+ الخط -
رفعت السلطات الروسية من مستوى ترهيبها للنشطاء والمعارضين السياسيين لها، إذ لم تكتف بالإبقاء على الناشطة في حركة "روسيا المفتوحة" أناستاسيا شيفتشينكو، رهن الإقامة الجبرية لأكثر من عام، وهي التي تواجه السجن لمدة تصل إلى 6 سنوات، بل إنها زرعت سراً كاميرا لمراقبتها في غرفة نومها، بموافقة من القضاء.
وشيفتشينكو ليست الوحيدة في "روسيا المفتوحة" في مرمى نيران السلطات، إذ يواجه عدد من نشطاء الحركة في إقليم كراسنودار ومدينة يكاتيرينبورغ ومقاطعة تيومين ملاحقات بموجب المادة المادة 284.1 من القانون الجنائي الروسي.

وتنص المادة 284.1 من القانون الجنائي الروسي على المساءلة الجنائية بحق من سبقت مساءلته إدارياً عن المشاركة في نشاط منظمة أجنبية أو دولية "غير مرغوب فيها" مرتين خلال عام واحد. وتراوح العقوبة بين غرامة تبدأ بما يعادل 5 آلاف دولار تقريباً وصولاً إلى السجن لمدة ست سنوات. 

ويثير تحويل القضايا من إطار إداري إلى جنائي بحق المعارضين والمتظاهرين جدلاً دستورياً واسعاً في روسيا، إذ أدى تفسير تعسفي لمادة "الانتهاك المتكرر لنظام تنظيم التجمعات"، إلى صدور حكم، بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، بالسجن أربع سنوات بحق الناشط قسطنطين كوتوف على خلفية مشاركته في تظاهرات "غير مصرح بها"، احتجاجاً على استبعاد مرشحي المعارضة "غير النظامية" من سباق انتخابات مجلس دوما (نواب) موسكو. وفي نهاية الأمر، قررت المحكمة الدستورية الروسية، يوم الإثنين الماضي، إلزام القضاء بإعادة النظر في قضية كوتوف، مذكرة بأن المحاكم يتعين عليها تقييم الخطر الاجتماعي للانتهاك وليس الآراء السياسية أو الأيديولوجية للمتهم.

ومع دخولها رهن الإقامة الجبرية للعام الثاني، تواجه شيفتشينكو (40 سنة)، السجن لمدة تصل إلى ست سنوات في حال إدانتها بتهمة "المشاركة في نشاط منظمة غير مرغوب فيها"، في أول قضية من نوعها ينظر فيها القضاء الروسي، وسط استمرار التضييق على الحركة المدعومة من الملياردير المعارض الهارب ميخائيل خودوركوفسكي، المالك السابق لشركة "يوكوس" النفطية العملاقة. وفي الوقت الذي تم فيه تمديد وضعها رهن الإقامة الجبرية حتى 20 مارس/ آذار المقبل، تواجه شيفتشينكو تهم "المشاركة في مناظرات سياسية وتنظيم ورشة عمل للمرشحين البرلمانيين" ضمن نشاط حركة "روسيا المفتوحة". وتعد شيفتشينكو من أبرز الشخصيات في الحياة السياسية في مدينتها روستوف، جنوب روسيا، إذ لم تتردد في تناول قضايا معقدة أثناء النقاشات في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى المشاركة في التظاهرات.

وبقيت شيفتشينكو تحت مراقبة كاميرا صغيرة، حتى في غرفة نومها في شقتها المستأجرة، لـ120 يوماً، بدء من 30 أغسطس/ آب 2018، وذلك تمهيداً لتوقيفها في 22 يناير/ كانون الثاني 2019. ووفق ما أفادت به ابنتها فلادا شيفتشينكو، فإنه عند اطلاعها على مواد القضية، رأت والدتها نفسها مرتدية الملابس الداخلية. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن أفراد جهاز مكافحة التطرف، التابع لوزارة الداخلية الروسية، زرعوا الكاميرا بموافقة من القضاء.
ووفقاً لوثيقة متداولة في المواقع والصحافة الروسية، فإن محكمة روستوف، على نهر الدون، سمحت بـ"تقييد حصانة المنزل" و"المراقبة" بواسطة أدوات تسجيل الصوت والفيديو بحق شيفتشينكو لمدة 120 يوماً.


وفي هذا الإطار، يشير المحامي سيرغي بادامشين، الذي يتولى الدفاع عن شيفتشينكو، إلى أن زرع الكاميرا في غرفة نوم شخص، حتى بموافقة القضاء، يتعارض مع الأخلاقيات العامة، معرباً عن قناعته بأن قضية موكلته لها أبعاد سياسية. ويقول بادامشين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "زرع الكاميرا غير مبرر من ناحية الأخلاق وحتى من جهة تحقيق الهدف. للأسف هناك أمور كثيرة تحظرها الأخلاقيات، لكنها قانونية في بلادنا". ويوضح بادامشين، الذي سبق له أن تولى العديد من القضايا ذائعة الصيت، أنه يصعب في الوقت الحالي التكهن بنتيجة قضية شيفتشينكو. ويضيف "من الواضح أن القضية لها أبعاد سياسية، ولا نعلم متى سيتم الإفراج عنها. تجري في الوقت الحالي تحقيقات أولية، ثم ستتم إحالة القضية إلى المحكمة. ولما كانت هذه القضية هي الأولى من نوعها وبلا سوابق قضائية، يصعب التكهن بالحكم".


وبحسب رواية التحقيق، فإن شيفتشينكو كانت تتعاون مع "روسيا المفتوحة" التي أسسها خودوركوفسكي الذي يعد واحداً من أشد خصوم الكرملين. كما أنه يشتبه بتخطيطها لـ"تنظيم فعاليات العصيان المدني بمشاركة سكان غير راضين اجتماعياً". وفي الوقت الذي أدرجت فيه وزارة العدل الروسية حركة خودوركوفسكي، المسجلة في بريطانيا، على قائمة المنظمات "غير المرغوب فيها" في العام 2017، يصر دفاع شيفتشينكو على أنها كانت تتعاون مع الحركة الاجتماعية، ذات الاسم نفسه والمؤسسة نفسها في العام 2016 ولم يتم حظرها يوماً. ورغم أن الشرطة الروسية أقرت في العام 2018 بعدم توفر معطيات كافية لرفع قضية جنائية بموجب المادتين 212 من القانون الجنائي الروسي (تنظيم أعمال الشغب) أو 282 (التطرف)، إلا أن ذلك لم يحل دون موافقة القضاء على زرع الكاميرا في غرفة نومها.

وسخر المنسق الحقوقي أليكسي بريانيشنيكوف، في حديث لصحيفة "نوفايا غازيتا" الليبرالية المعارضة، من موقع زرع الكاميرا فوق السرير. ويقول "أشتبه في أنه لم يكن هناك أصلاً هدف جمع أدلة في القضية. يشير موقع الكاميرا إلى أنه تم زرعها بهدف تسجيل ثم متابعة مشاهد طريفة ما". ويضيف "أعتقد أن ذلك يشكل مسوغات لاتخاذ إجراءات تأديبية بحق أفراد مركز مكافحة التطرف في روستوف، لأن فعاليتهم لم تكن عديمة الجدوى فحسب، وإنما كشفت أيضاً أساليب عملهم للجمهور الواسع".

وحظيت شيفتشينكو بدعم دولي واسع، إذ صنفتها منظمة العفو الدولية "سجينة ضمير"، داعية السلطات الروسية للإفراج الفوري عنها. كما وقع نحو 3 آلاف شخص على عريضة في موقع "Change.org"، تطالب بوقف ملاحقتها بسبب توجيهها انتقادات إلى المحافظ وغيره من المسؤولين، وتحدثها صراحة عن مشكلات محلية وفدرالية، وفق العريضة. ومنذ العام 2015، شاركت شيفتشينكو في الاعتصامات والتظاهرات المصرح وغير المصرح بها. كما أنها شاركت في تنظيم ورشة عمل تعريفية بالقانون الانتخابي الروسي، إلى أن بدأت التحقيقات بحقها بعد تقدم عضو في إحدى الحركات القومية ببلاغ ضدها. وخلال فترة حبسها، تحولت ابنتها فلادا، البالغة من العمر 16 سنة، من تلميذة عادية إلى صوت هاشتاغ "وقائع الإقامة الجبرية"، إذ ظلت على مدى عام تروي، عبر صفحتها على "فيسبوك"، عن حياة أمها وعلى ساقها سوار، واستعداداتها للاستجوابات.

المساهمون