أميركا وسوريا بعد "جنيف 2": نحو الخروج من "الانكفاء"

21 فبراير 2014
أوباما: جنيف2 اختبار متجدد لـ "القوة العظمى"
+ الخط -

شكّلت الجولة الثانيّة من مفاوضات مؤتمر "جنيف2" حول سوريا، اختباراً للحدود التي يمكن أن تصل إليها عموم الأطراف المنخرطة، سياسيّاً وإعلاميّاً وميدانيّاً، في المواقف والممارسة إزاء الأزمة السوريّة. وإن كانت تصريحات المبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، قد حمّلت وفد النظام السوري مسؤوليّة الفشل، فإنّ الجولة الثانية نفسها قد كشفت الحد الذي يمكن أن تذهب إليه الإدارة الأميركية في الشأن ذاته.

وبعد الخامس عشر من فبراير/شباط الجاري، موعد انتهاء الجولة الثانية التي لم تُسفر، كسابقتها، عن تقدّم جدّي في المفاوضات، دخل الموقف الأميركي من الوضع السوري في متاهات "الغموض" السياسي. غموض يُترجَم مثلاً بقيام المرشح السابق للرئاسة الأميركيّة، عضو مجلس الشيوخ، جون ماكين، بشنّ هجوم على سياسة الرئيس باراك أوباما، تجاه سوريا. كذلك باعتراف وزير الخارجيّة الأميركي، جون كيري، أمام أعضاء مجلس الشيوخ، في جلسة خاصّة، بالفشل في سوريا. ثم يعلن كيري أنّ إدارته تعتزم مراجعة سياستها حيال الملف السوري، وأنها تبحث عن بدائل "قد تجدها وقد لا تجدها"، وهو مَن قال سرّاً للسيناتور ماكين، إنّ البيت الأبيض "يعطي ديبلوماسيتنا رصاصات مفرّغة لتحارب بها"، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام أميركية. ربما لهذا السبب، اقتصرت مواقف الوزير الأميركي، عقب فشل الجولة الأخيرة لمحادثات "جنيف2"، على الهجوم على روسيا وموقفها "المزايد" في دعم النظام السوري.

أخيراً، خرج الموقف الأميركي بشعار جديد، تمّثل بما أعلنه كيري نفسه عن طلب الرئيس باراك أوباما البحث بـ"خيارات أخرى" لم تُحدَّد طبيعتها.

وقد شكّل ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أخيراً، عن اعتزام السعوديّة تقديم "دعم نوعي للمعارضة المسلحة السوريّة"، يتضمن صواريخ مضادة للدروع، وأخرى محمولة على الكتف لمواجهة طيران النظام، استفزازاً حقيقياً للإدارة الأميركيّة بما أنّ النبأ خرج إلى العلن، فردّت وزارة الخارجيّة الأميركيّة، أثناء زيارة كيري إلى تونس، بأنها "ضد هذا التسليح".

وأمام هذا "التذبذب" الأميركي، شنّت الصحف الأميركيّة حملة انتقادات لسياسة أوباما إزاء سوريا. فقد تساءلت "نيويورك تايمز"، مثلاً، عن طبيعة الخطوة التالية التي يجب على المجتمع الدولي اتخاذها بشأن الأزمة السورية، في حين كشفت "واشنطن بوست" أن أجهزة استخبارات كلّ من السعودية والإمارات وقطر وتركيا وأميركا، عقدت اجتماعاً لمدة يومين في واشنطن، الأسبوع الماضي، مما يشير إلى التوجه لدعم المعارضة التي تقاتل ضد النظام السوري بشكل أكبر، بحسب تحليل الصحيفة.

تعلم الإدارة الأميركيّة أنّ لا سبيل إلى نجاح مسار المفاوضات السياسية، بعد فشلها في جنيف 2 ـ الجولة الثانيّة، ما لم يطرأ تغيير جدي على ميزان القوى العسكري على الأرض. وهي تعلم أيضاً، أنّ الانتقادات التي تنهال عليها من المستويين الإعلامي والسياسي، داخلياً وخارجيّاً، ستؤدي إلى المزيد من القضم لرصيد أوباما، وحزبه الديموقراطي، والولايات المتحدة عموماً، لا سيّما على ضوء تحوّل الأزمة السوريّة إلى "مسألة أمن قومي" بالنسبة لأميركا ولحلفائها الأوروبيين، بحسب ما قاله، اليوم الجمعة، وزير الأمن الداخلي الأميركي، جي جونسون.

يستعيد الخطاب الأميركي، هذه الأيام، الخيارات اللفظية التي كان قد طرحها في العام 2012، كلّ من المدير السابق للاستخبارات الأميركيّة، ديفيد بترايوس، ووزيرة الخارجيّة الأميركيّة آنذاك، هيلاري كلينتون. خيارات من بينها "فرض حظر جوي" على الطيران العسكري السوري.

يرى كثيرون، داخل الولايات المتحدة وخارجها، أن المشهد السوري غير مناسب بتاتاً اليوم للمصلحة القومية الأميركية، إذ إن سياسة "الانكفاء" التي يعتمدها أوباما لم تنجح في الحفاظ على المصلحة الأميركية في الشرق الأوسط، أو في إطار الموازين الدولية، لناحية تعاظم الدور الروسي. هذا ما يبرر الاعتقاد بأن الادارة استعادت الحديث عن "خيارات عسكرية"، تتضمن دعماً تسليحياً للمعارضة السورية، و"فرض حظر جوي بأساليب غير تقليدية".

لا يتوقّع المراقبون انعطافة دراماتيكيّة في الموقف الأميركي إزاء الوضع السوري، ولكن ثمّة جديد نوعي يُترجم بمؤشرات عديدة منها: ـ التنسيق الاستخباري مع الدول التي تدعم المعارضة، لتقوم بإرسال أسلحة متطورة إليها، تشمل صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات، وهي التي ساهمت في تغيير المعادلة العسكرية في حرب أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي. ــ الحديث المتجدّد اليوم عن فرض حظر جوي "ُمقنَّن" يكبّل جزءاً من قدرة الطيران السوري.