أميركا والصين: ترامب يصعّد لأهداف انتخابية

23 يوليو 2020
تحولات في نظرة الناخبين الأميركيين للصين (جون رودوف/الأناضول)
+ الخط -

رفعت الولايات المتحدة من حدّة خطابها وإجراءاتها ضد الصين بطلبها، أمس الأربعاء، إغلاق قنصليتها في هيوستن، فيما يتصاعد التوتر بين البلدين، والذي يكاد يغطي كلّ أوجه الخلاف بينهما، من بحر الصين الجنوبي والحرب التجارية المحتدمة بين العملاقين الآسيوي والأميركي، وحتى الممر التجاري الروسي - الصيني المفترض في القطب الشمالي، مضافاً إليهم ما طرأ بسبب وباء كورونا، لتصبح قضايا مثل هونغ كونغ أو الإيغور، أو حتى تايوان، ثانوية.
وحتى تلك الإسقاطات الأميركية، والتي من الممكن اعتبارها مبالغاً فيها، كمثل تحذير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أخيراً، من خطر عالمي للحزب الشيوعي الصيني، ودعوته إلى تشكيل ائتلاف دولي لمحاربته، لن يكون من الصعب فهمها، في ظلّ تسارع الأحداث والتطورات، السياسية والاقتصادية، وحتى الصحية. ويشعر العملاقان الآسيوي والأميركي، اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، بأنهما في سباقٍ مع الزمن لاستعراض العضلات، وبأنهما في موقعي الدفاع والهجوم في آن في مواجهة بعضهما البعض، ما يطلق بامتياز حرباً باردة جديدة، لن تكون قصيرة الأمد، ولو أنها ترتبط في الوقت الحالي، بمناورات اللحظات الأخيرة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يبدو مستعداً لفعل كل ما يلزم لضمان انتخابه لولاية رئاسية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي سياق التصعيد، أعلنت الصين، أمس، أن الولايات المتحدة أمرتها بإغلاق قنصليتها في هيوستن، في قرار وصفته بـ"الاستفزاز السياسي"، والذي سيسيئ بشكل إضافي للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ونقل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين، إدانة بلاده بشدة لـ"هذا العمل الفاضح وغير المبرر"، ودعوتها الولايات المتحدة إلى "سحب قرارها الخاطئ هذا فوراً"، مهدداً واشنطن بـ"الرد". وخرجت الصحف المؤيدة للحزب الشيوعي الصيني لتطرح استطلاعاً حول ماهية الرد الصيني، وأي من القنصليات الأميركية في الصين سيتم إغلاقها. كما حذرت وزارة الخارجية الصينية في بيان، نشر أمس على مواقع التواصل الاجتماعي، طلابها في الولايات المتحدة، من توقيفات واستجوابات "تعسفية". وقالت إن "وكالات تطبيق القانون الأميركية كثفت في الآونة الأخيرة الاستجوابات التعسفية والمضايقات ومصادرة الممتلكات الشخصية والاعتقالات التي تستهدف الطلاب الدوليين الصينيين في الولايات المتحدة". وجاء ذلك عقب اتهام مسؤولين أميركيين، الصين، بدعم وتمويل شبكة "قراصنة مجرمين"، لاستهداف شركات التكنولوجيا الحيوية الأميركية العاملة على تطوير لقاحات وعلاجات لفيروس كورونا.

دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى فهم الخطر الذي يشكله الحزب الشيوعي الصيني

وسبق هذه التطورات بيوم دعوة وزير الخارجية الأميركي، أول من أمس الثلاثاء، خلال لقائه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في لندن، "كافة الدول الملتزمة بالحرية والديمقراطية، إلى فهم الخطر الذي يشكله الحزب الشيوعي الصيني". وردت وزارة الخارجية الصينية على هذا التصريح، بالقول إن محاولة واشنطن التحريض على مواجهة، ونشر الإشاعات (في إشارة إلى أزمة شبكة الجيل الخامس للاتصالات و"غزو" شركة "هواوي") من أجل اختلاق أزمة، لن تنجح.
في هذه الأثناء، كان مجلس النواب الأميركي يمرر تشريعاً، أول من أمس الثلاثاء، يدعو فيه الصين إلى تخفيف التوتر مع الهند على طول خطّ السيطرة الذي يرسم الحدود بينهما. كما سرت أنباء، عن سعي الحكومة الأميركية إلى فرض حظر دخول على جميع أعضاء الحزب الشيوعي الصيني. وكان لافتاً ما كشفته صحيفة "فاينانشال تايمز"، عن محاولة دفع كبير أعضاء مجلس الشيوخ المكلفين بملف العلاقات الخارجية، الجمهوري جيم ريتش، باتجاه منح واشنطن أسلحة جديدة لمحاصرة ممارسات الصين التجارية المثيرة للجدل، بما فيها فرض عقوبات. وقال ريتش للصحيفة إن بلاده "تفتقد إلى استراتيجية طويلة الأمد" لدفع الصين إلى الالتزام بالمعايير العالمية الاقتصادية، كما تحتاج إلى مواجهة ميزان قوة عسكرية لم يعد في صالحها في منطقة الهادئ، من خلال تعزيز الشراكة مع دول أساسية كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. واستبعد السيناتور عن إيداهو أن يمر التشريع قبل نهاية العام، لكنه قال إن الحزب الديمقراطي شارك فيه، وهو أعد ليتخطى "حقبة ترامب"، على حدّ قوله، وليس لـ"إقلاق الصينيين، بل لتأديبهم".

وفيما خصّ توترات بحر الصين الجنوبي، كان لافتاً أيضاً، خلال الأيام الماضية، نجاح الولايات المتحدة في إعادة إحياء "رمزية" لمفهوم الحوار الرباعي الأمني المعروف بـ"كواد"، مع بدء البحرية الأميركية، التي تتمركز ثلث قوتها في المنطقة، مناورات ثلاثية في مياه الفيليبين مع اليابان وأستراليا، في خطوة من المؤكد أنها أثارت حفيظة الصين، كما بدأت مناورات ثنائية في الوقت ذاته مع الهند في المحيط الهندي، ليبقى التركيز ما إذا كانت الهند ستدعو أستراليا إلى مناورات "مالابار" السنوية مع اليابان والولايات المتحدة، والتي كانت حرمتها منها قبل عامين، خشية النظر إليها من الصين كـ"ناتو" آسيوي.

دفع كبير أعضاء مجلس الشيوخ المكلفين بملف العلاقات الخارجية، جيم ريتش، باتجاه منح واشنطن أسلحة جديدة لمحاصرة الصين

وفيما تواصل إدارة دونالد ترامب سياسة الضغوط القصوى على إيران، خرجت كبريات الصحف الأميركية، وبافتتاحيات لإدارات تحريرها، ناهيك عن تلك الإسرائيلية، للتحذير من محور إيران - الصين، بعد ورود أنباء عن موافقة طهران مبدئياً على مسودة صفقة تمتد لـ25 عاماً، للتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي مع بكين، قد يصل حجم الاستثمارات الصينية فيها إلى 400 مليار دولار. ومع أن هذه الصفقة كان قد طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الجمهورية الإيرانية في عام 2016، أي بعد عام من توقيع الاتفاق النووي، إلا أن التوقيت اليوم لإعلان إعادة إحيائها، ليس بريئاً، بالنسبة إلى خصوم إيران، وهو أيضاً أثار حفيظة عددٍ كبير من الدول، منها من يتملكه "فوبيا" الصين، كالهند، أو من يخشى على مصالحه في "طريق الحرير".
وفيما تعلو كذلك صرخة دول العالم من التداعيات الاقتصادية عليها جرّاء فيروس كورونا، أعلنت الصين أخيراً تسجيلها نمواً نسبته 3.2 في المائة خلال الربع الثاني من العام الحالي، ما يعني دخول أكبر اقتصاد في العالم مرحلة التعافي السريع. 
ولا يبدو أنه يوجد أي ملف جديد في التوتر المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة بإمكانه شجب الأضواء عن التصعيد المرتبط بأزمة "كوفيد 19". هذا المحور تحديداً، والذي تحول إلى صراع جيواستراتيجي، بالإمكان تقسيمه إلى شقين، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى توظيفهما داخلياً في السباق الانتخابي المرتقب في الخريف المقبل. ويرتبط الشق الأول، باللهجة الأميركية التصعيدية منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، ضد الصين، واتهامها بالوقوف وراء انتشار الوباء، ومحاولة إدارته بناء ملف متكامل في هذا الإطار، لتسويقه داخلياً. أما الشق الثاني، فيتعلق بالسباق العالمي على إنتاج لقاح كورونا، والذي ستحظى الدولة الرائدة فيه بلقب المطلقة لإعادة عجلة الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد "كوفيد 19".  
وفي هذا الإطار، تحدثت مجلة "بوليتيكو" أمس، عن حملةٍ مدروسة لإدارة ترامب، تمّ تسعيرها خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لإعلاء الخطاب المناوئ للصين، مدفوعةً بسلسلة إجراءات وتصريحات ومشاريع قوانين في الكونغرس، شملت حتى حرمان طلاب صينيين من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، وذلك تماشياً مع ما تعكسه استطلاعات الرأي من تحول في النظرة الشعبية لدى الأميركيين بالنسبة للصين وانتقالها من مجرد "خصم اقتصادي يسرق الوظائف" إلى "تهديد أمني". ورأى دان بلومنتال، مدير الدراسات الآسيوية في معهد "أميركان انتربرايز" المحافظ، في حديث للمجلة، إن "الكثير من السياسات التي يروج لها الصقور في واشنطن ضد الصين، قد وجدت فجأة طريقها للتنفيذ، من ملاحقة هواوي إلى بحر الصين".
يبقى أن سلوك ترامب المتقلب، وتصريحات بومبيو، وحتى إعلان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، المعروف أيضاً بتملكه "فوبيا" الصين، عن رغبته بزيارة قريبة لبكين، جميعها معطيات تثير تساؤلات حول ما إذا كانت أميركا اليوم تملك خطة طويلة الأمد ومحكمة للتصدي للتصعيد الصيني.