أميركا تفتح أبوابها وعينها على عاصفة "كورونية" جديدة

17 مايو 2020
بدأت أميركا بالخروج المحدود من العزلة(Getty)
+ الخط -

 

بدأت أميركا بالخروج المحدود من العزلة، تقريباً كل الولايات فتحت أبوابها ولو مواربة، ما عدا أمكنة ومدنا قليلة مثل نيويورك والعاصمة واشنطن. بهذا عاد شيء من الحركة والنشاط لدورة الحياة العادية. لكن سيف فيروس كورونا ما زال مسلطاً وخط الرجعة مفتوحاً لو تجددت موجاته.

الأرقام تراجعت نسبياً وإن ما زالت عالية، هبطت في أواخر الأسبوع بمعدل ألف حالة وفاة و25 ألف إصابة، يومياً. مجموع الضحايا صار حوالي 88 ألفاً وعدد الإصابات يقترب من مليون ونصف. أكثر ما شجّع ان وفيات مدينة نيويورك التي كانت في عين العاصفة نزلت أمس الجمعة ولأول مرة إلى 159.

غير أن هذه العودة يدور حولها خلاف وجدل حادان، ما زاد من تشويش الصورة وأشاع الفوضى في بداية عملية انتقال مصحوبة بالخوف من أن تنتهي إلى الانتكاس.

الهيئات الطبية – الصحية بكل تشكيلاتها ــ ترى وبشبه إجماع أن الخروج الآن أقرب إلى المقامرة. مضاعفاته الخطيرة ستقود إلى زيادة الخسائر وإطالة أمد الأزمة وعواقبها وبالذات الاقتصادية، فالفيروس لم يغادر الساحة بعد. كبح انتشاره جاء نتيجة للإجراءات الوقائية وعلى رأسها الحجر المنزلي.

ثم إن كسر هذا الحجر الآن ولو جزئياً من أجل العودة إلى العمل قبل استكمال شروط محاصرة الوباء، محكوم بعواقب وخيمة. من أهم هذه الشروط عملية المسح الصحي الشامل التي ما زالت بطيئة ودون النسبة المطلوبة، فهي شرط يصر عليه أهل العلم لأنه يكفل تحقيق عملية عزل المصابين لمنع اختلاطهم مع الآخرين في أماكن العمل، بحيث تتوفر البيئة الآمنة آنذاك لاستئناف الأنماط اليومية المألوفة.

لكن الرئيس دونالد ترامب لا يطيق سماع هذه المعزوفة، المسح كما يقول "مبالغ" في أهميته، رغم أن التجربة الكورية الجنوبية أكدت فعاليته. من البداية لم ير في الجائحة أكثر من سحابة صيف عابرة بشر بانقشاعها قريباً. وحتى عندما بدا أن المسالة جدية وأخذت ارقامها تتراكم، لم يتردد في معاندة الحقائق ومناقضة الفريق الطبي الرسمي المشهود له بخبرته وصدقيته.

بالنهاية جمع الرئيس فريقاً بديلاً قبل يومين لتهميش الطبيب الموثوق انطوني فاوشي، كما فرض تعديل لائحة إرشادات مركز مراقبة الأوبئة والأمراض الذي صدر بستين صفحة وأكثر ليتم تلخيصها بست صفحات واستبدال بنودها الصارمة بأخرى مبسّطة تهدف إلى تهوين المحنة وبما يعزز دعوة الرئيس وإلحاحه إلى العودة السريعة إلى واقع الحال السابق، "سواء بلقاح أو بدون لقاح".

وزيادة في إشاعة التطمين، وعد بأن فريقه الطبي الجديد سيعمل على توفير اللقاح المطلوب "مع أواخر العام الجاري". فترة يقول العارفون والمعنيون بعلم الصيدلة واللقاحات أنه من شبه المستحيل بل من المستحيل تحقيق مثل هذا الوعد الذي بدا أقرب إلى ورقة شراء وقت انتخابي لا أكثر.

تسخير العلم لخدمة السياسة هذه الأيام في واشنطن ليس معزولاً، حالة تخريب متزايد تتوسع دائرته وتتعدد ظواهره على أكثر من مستوى وصعيد في واشنطن. وضع يثير مخاوف جدية في أوساط أرباب المؤسسة ومن بينهم جمهوريون وإن قلة. فقد تنامت ظواهر خارجة عن الموروث الساري، مثل إقالة الخصوم من مواقع حساسة كان آخرها أمس الجمعة بإنهاء خدمة المفتش العام في وزارة الخارجية وقبله مدير الأبحاث البيوكيميائية الطبيب ريتشارد برايت.

ويحصل ذلك وسط مناخ سياسي عرقي متأزم وتفاقم ظاهرة المحسوبيات والالتفاف على القانون (قضية الجنرال مايك فلين) ولعبة رمي الملامة على الآخر للتنصل من المسؤولية (الصين في كورونا وأوباما في قضية التدخل الروسي). وطبعاً مع غياب المحاسبة.

يرافق ذلك على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، اتساع الهوة الطبقية (40% من الأميركيين تبين أنهم لا يملكون مبلغ 400 دولار في حساب التوفير لاستخدامه عند الحاجة) وتزايد المحتاجين وبالألوف للوجبات المجانية خلال الأزمة. آلاف الشركات والأعمال الصغيرة أقفلت أو مهددة بالإقفال إلى غير رجعة وتزايد حالات الإفلاس، فضلاً عن تردي العلاقات مع الخارج والصيني بشكل خاص واضطرابها مع الحلفاء.

وسط هذا الخلل المتعدد الجوانب، يستبعد المراقبون أن تنجح سياسة طمر الرأس بالرمل والقفز فوق العلم، في مواجهة تحدٍّ من عيار كورونا.

 

 

المساهمون