يضيق الخناق أكثر فأكثر على فلول تنظيم "داعش" في ريف دير الزور الشرقي، مع استعداد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الرئيسي، لشن هجوم واسع النطاق للقضاء على التنظيم في جيب يسيطر عليه شمال نهر الفرات يضم عدة بلدات وقرى، بعد أكثر من شهرين من بدء عملية أعلنت هذه القوات منذ أيام استمرارها في مسعى لتعجيل الحسم في معركة طال أمدها. وفي الوقت الذي يخوض فيه التنظيم ما يُعتقد أنها معركته الأخيرة شمال النهر، فقد هاجم عناصره قوات النظام السوري ومليشيات إيرانية جنوب النهر على تخوم البادية السورية مترامية الأطراف، فيما جددت أميركا التأكيد على أن قواتها ستظل موجودة في سورية بعد انتصار قوات التحالف على التنظيم لضمان ألا "يجدد نفسه"، في نيّة واضحة لبقاء عسكري أميركي طويل الأمد في شرقي الفرات.
وأكدت الإدارة الأميركية مجدداً نيتها البقاء طويلاً في منطقة شرقي الفرات التي تسيطر عليها "قسد" وتشكل ربع مساحة سورية، بعد القضاء على "داعش". وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، أول من أمس، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تأمل أن ينتهي القتال ضد "داعش" في آخر معاقله بشمال شرقي سورية خلال أشهر، مؤكداً أن القوات الأميركية ستبقى في سورية لضمان "هزيمة دائمة" للتنظيم. وأضاف جيفري أن الولايات المتحدة تعتقد أن المرحلة المقبلة في سورية ستشهد هزيمة "داعش" وتفعيل العملية السياسية، وإنهاء الحرب المتواصلة منذ فترة طويلة. وتابع أن "الولايات المتحدة، سعياً لتحقيق هذا الهدف، تتمنى تشكيل لجنة قبل نهاية العام لوضع دستور جديد لسورية، تنفيذاً للاتفاق الذي توصل إليه زعماء روسيا وألمانيا وفرنسا وتركيا خلال اجتماعهم في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول" الماضي. وشدد على أن القوات الأميركية ستظل موجودة بعد انتصار قوات التحالف على التنظيم لضمان ألا "يجدد نفسه".
وقال جيفري إن "الهزيمة الدائمة لا تعني مجرد سحق آخر وحدات داعش العسكرية التقليدية التي تسيطر على أراضٍ، لكن ضمان ألا يعاود داعش الظهور من خلال خلايا نائمة في صورة حركة متمردة"، مؤكداً أن المعركة البرية النهائية تدور على امتداد نهر الفرات، وتقودها "قوات سورية الديمقراطية" بمساعدة عناصر من الجيش الأميركي. وكان تقرير لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أكد، في بيان صدر منذ أيام، حول عملية "التحالف الدولي ضد تنظيم داعش"، للفترة الممتدة بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول الماضيين، أنّ "هدف الولايات المتحدة الأول في سورية محدد بالقضاء على تنظيم داعش"، مشيراً إلى "ظهور 3 أهداف أخرى للإدارة الأميركية في سورية، تتمثّل في إخراج إيران وامتداداتها من البلاد، والتأثير على نتائج الحرب السورية في عامها الثامن، وتحقيق الاستقرار في مناطق شمال شرقي سورية التي تم استردادها من داعش".
وأوضح التقرير أنّ مقاتلي التنظيم يمكن أن يكونوا قد لجأوا للاختباء في العراق وسورية، مضيفاً أنّ "مهمة وزارة الدفاع الأميركية هي التغلّب على داعش بشكل دائم، ومن الضروري إنشاء قوات أمن محلية قادرة على ضمان الأمن في العراق وسورية". وباتت منطقة شرقي الفرات السورية مجال نفوذ أميركي بلا منازع، إذ أقامت الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية في ريف حلب الشمالي الشرقي بالقرب من مدينة عين العرب، وفي أرياف الرقة ودير الزور والحسكة. ووفق التقديرات، فإن هناك نحو 2000 عسكري أميركي في سورية، منهم من هو موجود في قاعدة التنف، مع عسكريين من دول التحالف الدولي، خصوصاً من بريطانيا وفرنسا.
إلى ذلك، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى حدوث اشتباكات بين "قسد"، مدعومة من التحالف الدولي من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، مساء الأربعاء الماضي، على عدة محاور ضمن الجيب الأخير للتنظيم في القطاع الشرقي من ريف دير الزور، إثر عملية تسلل لعناصر "داعش"، في محاولة منه للتوسع في المنطقة، مؤكداً أن عناصر "قسد" أفشلوا الهجمات بدعم من القصف الجوي والصاروخي. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" أعلنت، الأحد الماضي، استئناف عملياتها العسكرية البرية ضدّ تنظيم "داعش" في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، بعدما كانت أعلنت وقفها في وقت سابق في خضم التحذيرات التركية من شنّ عملية عسكرية في شرق الفرات، مع قصف مدفعي استهدف مواقع لهذه القوات على الحدود السورية التركية أخيراً. ويسيطر تنظيم "داعش" على شريط يمتد على طول نهر الفرات شمالاً بطول نحو 40 كيلومتراً وعمق نحو 10 كيلومترات، يضم بلدات وقرى هجين، والشعفة، والمراشدة، والبوخاطر، والبوبدران، والسوسة، والشجلة، والباغوز فوقاني، والباغوز تحتاني.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "قوات سورية الديمقراطية تواصل تحضيراتها واستعداداتها العسكرية تمهيداً للبدء بالعملية العسكرية الكبرى، التي من المنتظر أن تبدأ في أي لحظة، على الجيب الأخير المتبقي تحت سيطرة داعش" في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات. وأشار إلى أن القصف الجوي والمدفعي ضد المناطق التي يسيطر عليها التنظيم لم تتوقف طيلة الأيام الماضية، خصوصاً في هجين والسوسة وشرق حقل التنك النفطي، الأمر الذي تسبب بمزيد من الخسائر البشرية في صفوف التنظيم، مؤكداً ارتفاع عدد قتلى "داعش" إلى 21، بينهم قيادي محلي، جراء ضربات التحالف الجوية خلال يومي الثلاثاء والأربعاء في كل من هجين والسوسة. وأكد "المرصد" مقتل 343 من مسلحي تنظيم "داعش" في القصف والاشتباكات والتفجيرات والغارات ضمن الجيب الأخير للتنظيم، بينهم 357 قتلوا في الشهر الثاني من العمليات العسكرية التي بدأت في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، فيما قتل 347 من عناصر "قوات سورية الديمقراطية"، بينهم 208 على الأقل قتلوا في الشهر الثاني من العمليات العسكرية.
ولا تقتصر العمليات العسكرية شمال نهر الفرات على ريف دير الزور، إذ شن التنظيم هجوماً، أول من أمس، على مواقع تابعة لقوات النظام ومليشيات إيرانية في بادية قرية الدوير جنوب نهر الفرات. وذكرت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قوات الأخير والمليشيات الإيرانية تصدت للهجوم. وتولي طهران أهمية كبيرة للشرق السوري، إذ ترمي إلى فتح طريق بري يبدأ من إيران مروراً بالعراق وسورية وصولاً إلى لبنان، وهو ما يصطدم حتى اللحظة برفض أميركي. إلى ذلك، نفت وزارة الدفاع العراقية، أول من أمس، ما تداولته وسائل إعلام بشأن سيطرة القوات العراقية على 25 مخفراً داخل الأراضي السورية ضمن الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور المقابلة لمحافظة الأنبار غربي العراق، مؤكدة، في بيان، أنها تسيطر على الحدود لمنع أي حالة تسلل من قبل تنظيم "داعش".