تعكس حالة الهلع العالمية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، تهاوي تحليلات من نمط "تحجيم دور أميركا العالمي" و"انسحاب واشنطن" من هذه المنطقة أو تلك. يمكن بسهولة قراءة حالة الارتباك العالمية، حتى قبل أن يكتمل طاقم إدارة ترامب، ويدخل المكتب البيضاوي، ويصدر أولى قراراته، يناير/ كانون الثاني المقبل.
يبدو الكيان الصهيوني، ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، أكثر المطمئنين لانتخاب ترامب وسط قرع طبول الحرب مع إيران، على وقع اختيارات ترامب شاغلي المناصب الحساسة في الأمن القومي والدفاع والاستخبارات، وأنباء عن نقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة. في السياق نفسه، يرحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بترامب، من دون إخفاء سعادته بخسارة من بدت "عدواً" أصيلاً، أي هيلاري كلينتون. أما المعسكر الذي يعاني "الهلع" فيبدو أوسع بكثير، بل ربما يصعب حصره.
فمن قلق "أوروبا القديمة"، فرنسا وألمانيا، مروراً بمخاوف حلف شمال الأطلسي، الذي يبدو في أسوأ حالاته بعد تحسن العلاقات التركية ـ الروسية وانتخاب ترامب، إلى "قلق الصين البالغ" من الاتصال الذي جرى بين ترامب والرئيسة التايوانية تساي إنغ - وين، مع رد الفعل المفاجئ من ترامب على موقف الصين، بإعلانه عدم التزام أميركا بسياسات "صين موحدة"، الخطوة التي قد تغيّر عقوداً من الاستقرار في العلاقات السياسية الصينية ـ الأميركية.
هذا الهلع والارتباك العالمي من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، والذي يأتي مدعوماً بتصريحات ترامب الشعبوية وانعدام خبرته السياسية وإعلانه خططاً سياسية رعناء أثناء حملته الانتخابية، نابع بالدرجة الأولى من معرفة الجميع بحقيقة دور أميركا العالمي، الكبير والمؤثر.
راجت خلال السنوات القليلة الماضية تحليلات مدعومة بقراءات اقتصادية وسياسية حول "عالم متعدد الأقطاب" يُحجم فيه دور الولايات المتحدة لا بسبب ضعفها، ولكن بسبب صعود فاعلين إقليميين، ونظّر لهذه الفكرة فريد زكريا في كتابه "عالم ما بعد أميركا"، متحدثاً عن دور سياسي أكبر للصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول أخرى في أقاليمها. لكن ضعف الاتحاد الأوروبي اليوم، وحاجة دول الخليج لمظلة أميركية، مع تباطؤ الاقتصاد الصيني وامتناع بكين عن لعب أدوار سياسية أوسع، كلها تشير إلى أنه من المبكر القول إن "الفاعلين الإقليميين" قادرون اليوم على أخذ زمام المبادرة من واشنطن، على الرغم مما رسخته إدارة أوباما من "انكماش" سياسي أميركي.