لم تكن الدعوة التي أطلقها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، لحسم قيمة الأضرار التي تكبدها مزارعون إسرائيليون جراء إطلاق الطائرات الورقية الحارقة على حدود قطاع غزة، من أموال المقاصة الفلسطينية، المحاولة الأولى لابتزاز الفلسطينيين باستخدام عائداتهم الضريبية.
وتشكل أموال المقاصة النصيب الأكبر من الإيرادات العامة الفلسطينية، وتصل قيمتها الشهرية إلى 180 مليون دولار، هي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من إسرائيل أو عبر الموانئ والمعابر الخاضعة لسيطرتها.
ومنذ توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، قبل 15 عاماً، حرص الاحتلال على إبقاء كل أركان السيادة الفلسطينية بأيديه بذريعة أن الاتفاق مرحلي، مدته 4 سنوات، وسينتهي بقيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة، وهو السيناريو الذي تكرر في "بروتوكول باريس" المنظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين.
ولم يلتزم الاحتلال بما ورد في نص البرتوكول من بنود في صالح الفلسطينيين، وفي المقابل تمسك بالبند المتعلق بأموال المقاصة، لأسباب تتعدى الجوانب الفنية في الجباية، وصولا لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية باستخدامها سيفا مسلطا على رقاب الفلسطينيين، وابتزازهم من خلال التهديد باحتجازها، أو الاقتطاع منها.
وبحسب ما نشرت الصحافة العبرية أخيراً، فقد أصدر نتنياهو تعليمات لرئيس ما يسمى "مجلس الأمن القومي" مئير بن شبات، طالبه فيها بوضع إجراءات تتيح حسم مبالغ التعويضات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية لمالكي الحقول الزراعية المتضررة جراء الطائرات الورقية الحارقة من أموال المقاصة.
ولم يجر الحديث عن مبالغ محددة ستحسم من الأموال الفلسطينية، وتتحدث مصادر إسرائيلية عن نجاح ناشطين في غزة في إطلاق 600 طائرة ورقية باتجاه إسرائيل، منذ انطلاق فعاليات مسيرة العودة الكبرى في الثلاثين من شهر مارس/ آذار الماضي بالقرب من السياج الحدودي، تسببت باندلاع 198 حريقا أتت على نحو 9 آلاف دونم، منها 5 آلاف دونم كانت مزروعة بالقمح على أنظمة ري حديثة، ويقدر اجمالي الخسائر ببضعة ملايين من الدولارات.
وحصل المزراعون الإسرائيليون على تعويضات من حكومتهم بقيمة 50% من الخسائر، على أن يتم استكمالها بعد الانتهاء من أعمال الحصر الرسمية للأضرار الناجمة عن الحرائق، التي طاولت أحراشا قريبة من حدود قطاع غزة وتسببت بإرباك حركة القطارات في جنوب إسرائيل عدة مرات.
من جانبها، حذرت الحكومة الفلسطينية من مغبة تنفيذ حكومة الاحتلال تهديداتها بالمساس بأموال الشعب الفلسطيني، واعتبرت أن أي حسم خارج نطاق الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، التي كان العالم شاهداً عليها، يعتبر "لصوصية" و"عدوانا جبانا".
وجاء في بيان صدر عن المتحدث باسم الحكومة يوسف المحمود، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن "حكومة الاحتلال ترتكب جرائم مركبة تسرق خلالها أرضنا، وتقيم عليها المستوطنات وتقتل أبناء شعبنا، وتسرق أمواله".
ورأى الخبير في الاقتصاد الفلسطيني نصر عبد الكريم، أن تهديد نتنياهو يأتي للاستهلاك الداخلي في إسرائيل، والتغطية على الفشل في التعامل مع ظاهرة الطائرات الورقية أكثر منه للتنفيذ، وخصوصا أنه لا يملك أي مسوغ (قانوني) للحسم من الأموال الفلسطينية.
وأشار عبد الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى ضرورة استثمار التعسف الإسرائيلي، وذلك من خلال فتح ملف التعويضات التي يجب أن تقدمها إسرائيل للفلسطينيين بعد عدوانها المستمر عليهم منذ 70 عاما، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات سنويا.
وتجبي الحكومة الإسرائيلية الضرائب للسلطة الفلسطينية مقابل عمولة نسبتها 3% من إجمالي ما تتم جبايته، وهي تقوم من جانب واحد بحسم ملايين الدولارات شهرياً من أموال المقاصة الفلسطينية، بدعوى تراكم الديون لصالح شركة كهرباء إسرائيل على جهات فلسطينية ثمنا للتيار المزوّد للمحافظات الفلسطينية، وكلفة علاج المرضى الفلسطينيين في المشافي الإسرائيلية.
وسبق أن احتجز الاحتلال العائدات الضريبية الفلسطيينة، وهو ما جعل الحكومة الفلسطينية عاجزة عن الإيفاء بواجباتها، خصوصا دفع المعاشات الشهرية للفلسطينيين.
وضمن مسلسل الابتزاز تسعى الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي لسن تشريع يتيح لها حسم قيمة المستحقات التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء من أموال المقاصة، بزعم أن هذه الأموال تشجع على ما تسميه إسرائيل "الإرهاب"، وقد حظي هذه التشريع بالمصادقة الأولية عليه في شهر فبراير/ شباط الماضي، وينتظر التصويت عليه في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لإقراره.
ويبلغ إجمالي مخصصات عائلات الأسرى والشهداء قرابة 400 مليون دولار سنوياً، وفي حال إقرار القانون الإسرائيلي، فإن ذلك سيمثل ضربة قاسية لموازنة الحكومة الفلسطينية، التي تواجه نقصا متزايداً في الأموال المقدمة من المانحين الدوليين.
وأكد رئيس هيئة شؤون الأسرى (حكومية)، عيسى قراقع، أن السلطة ستواصل دفع مخصصات عائلات الأسرى والشهداء " تحت أي ظرف.