أمنا الغولة

23 مايو 2015
+ الخط -
تربينا صغارا على حواديت أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة والنداهة وعروس البحر... والغولة من الأساطير المشهورة والمرعبة، وتتميز بأنياب حادة وجسم آدمي وقدميها مثل قدمي حمار... وهي مشهورة في قصصنا الشعبي بأنها الساحرة الشريرة، ذات الوجه القبيح والمخيف التي استعملت سحرها في التفريق بين الشاطر حسن وست الحسن والجمال، وكنا نقول، في بداية حدوتها "لولا سَلامك قبل كلامك لأكلتُ لحمكَ قبل عظامك"...
ويكبر الطفل، ويدلف إلى مرحلة البلوغ والشباب، ولا ينسى أمنا الغولة وأخواتها، بل تظل أمنا الغولة تترعرع وتكبر وتتضخم في جوانب نفسه، حتى تصل إلى أحجام ديناصورية رهيبة! حينما كان يخاف الطفل، فإنه يأوي إلى أمه، فهي الحضن الآمن له من أمنا الغولة ومن كل الأخطار.
والمرأة إذا خافت، فإنها تأوي إلى حضن زوجها، أما إذا خاف هو فليس أمامه سوى حضن زوجته، وربما تكون زوجته هي أمنا الغولة في حياته؛ فحينئذ، يفر منها إلى صديق أو زميل أو جار أو حتى جارة... ودائما ما يتذكر هذا الزوج التعيس، عندما يرى امرأته تلك قول جحا لتيمورلنك، حينما سأله عن اللقب الذي يجب أن يتميز به، مثل المعتصم بالله والمستنصر بالله وغيرهما من الخلفاء العباسيين، فقال له جحا:"أعوذ بالله". 
تأتي أمنا الغولة للناس في صورة الخوف من المرض، والخوف من المجهول، والخوف من المستقبل، والخوف من الشيخوخة، والخوف من الفقر، والخوف على مستقبل الأبناء.
والعجيب أنها تأتي لبعضهم للخوف من الحياة نفسها، والأعجب أنها تأتي في صورة الخوف من الخوف والصور المختلفة لأمنا الغولة تجعل الفرد لا يقدم على الحياة، ويظل متوقعاً، حتى لا يتعرض للأذى أو للفشل أو للإحباط.
الخوف من العدوى بالأمراض المختلفة شيء جيد، ولكن، حينما يتحول الخوف من الأمراض إلى مرحلة عدم مصافحة الناس، بحجة الحرص على عدم التعرض للمرض، فهذا الخوف ليس فطرياً، لكنه مرضياً يصل إلى بعضهم بغسل يديه مئات المرات، بعد السلام على مريض.
والقلق من فشل صفقة تجارة مقبول، أما ترك تشغيل الأموال والخوف والرعب من الإقدام على التجارة بسبب ذلك الفشل في الصفقة الأولى فهذا "خوف مرضي"، تتربع فيه أمنا الغولة على نفس هذا التاجر أو رجل الأعمال وعقله.
والقلق من الفشل في أول تجربة انتخابات لمجلس الشعب صحي، أما الجبن والرعب من دخول معركة الانتخابات بعد ذلك فهذا هو "الخوف المرضي" الذي لا ينبغي على الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض ليعمرها وينطلق ليشَّيد الحضارة.
طبق هذه القاعدة على من يتقدم في لجنة الامتحانات ولجنة اختيار موظفين أو فنانين أو مذيعين أو أي موقف من مواقف الحياة.
أمنا الغولة من المتوقع أن تأتي في صورة أمرض (نفسجسمية) Psychosomatic، أي أمراض بالجسم سببها نفسي، مثل متلازمة القولون العصبي وقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم وآلام أسفل الظهر والصداع المزمن، والكثير.
حقيقة أمنا الغولة أننا نصنعها بعقولنا ونغذيها وننميها في عقلنا الباطن، وعلينا مواجهة أنفسنا بذلك، حتى نستطيع أن نقضي عليها بإرادتنا. قال تعالى في سورة الرعد في الآية 11 [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ].
أنت مخلوق قوي، فتغلب على مخاوفك بإرادتك. اكسر حاجز الخوف. دمر أمنا الغولة في دياجير نفسك. توكل على الله واقتلها.
أقسم الله بالنفس البشرية في القرآن الكريم لعظم خلقها، قال تعالى في الآية 7 من سورة الشمس [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا]. لذلك، من السهل أن نتغلب على أمنا الغولة في نفوسنا بعد الاستعانة بالله عز وجل، بالتكيف من هذه المخاوف، وبالتنويم المغناطيسي مع المتخصصين، وبجلسات التأمل والاسترخاء واليوجا، وأخيراً الأدوية المهدئة.
avata
avata
محمود مرزوق (فلسطين)
محمود مرزوق (فلسطين)