تضرب موجة برد شديدة أنحاء مختلفة من باكستان، بينما تنتشر الأمراض الموسمية ذات الصلة، تحديداً في إقليم السند (جنوب شرق) ومناطقه الساحلية القريبة من البحر. يأتي ذلك بالتزامن مع انقطاع الغاز الذي تؤمّنه الحكومة ومع رفع أسعار البدائل بطريقة غير مسبوقة في الأسواق، بسبب ارتفاع نسبة الاستهلاك من جهة وعدم توفّر رقابة من جهة أخرى.
تفيد السلطات الباكستانية بأنّ الأمراض الناجمة عن البرد، مثل الإنفلونزا والتهابات الحنجرة والجهاز التنفسي العلوي والرئتَين وكذلك الربو، تُسجّل في مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند ومعظم مناطق الإقليم، علماً أنّ نسباً أقلّ سُجّلت في إقليم خيبر بختونخوا (شمال غرب). وتوضح الجهات المعنية في الحكومة المحلية بإقليم السند أنّ فيروس الإنفلونزا أدخل مئات المواطنين إلى المستشفيات، مع تبدّل المناخ في المنطقة، لا سيّما على الساحل، بشكل غير مسبوق، مشيرة إلى أنّ الأمطار المتساقطة أخيراً ترافقت مع برد قارس بخلاف التوقّعات.
يقول الطبيب المتخصص في الأمراض الصدرية، الدكتور محمد بابر بت، لـ"العربي الجديد"، إنّ "فيروس الإنفلونزا موجود طوال العام في المنطقة، لكنّ انتشاره يزداد مع البرد الشديد، لا سيّما بين الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، بغضّ النظر عن سنّهم"، موضحاً أنّ "المصابين هم من الأطفال وكبار السنّ خصوصاً من دون استثناء الشباب. كذلك ثمّة عدد كبير من الطبقة الفقيرة التي يفتقر أبناؤها إلى الغذاء المناسب ووسائل التدفئة التي تقيهم شدّة البرد". يضيف بابر بت أنّ "علاج الإنفلونزا يستلزم عادة ما بين أربعة أيام وخمسة، لكنّ ثمّة مرضى يحتاجون أحياناً إلى المكوث لوقت أطول في المستشفى للحصول على جرعات المضادات الحيوية المطلوبة. وهؤلاء يكونون في الأغلب أطفالاً صغاراً وكباراً في السنّ، خصوصاً في المناطق الفقيرة حيث لا تتوفّر وسائل الوقاية من الأمراض الموسمية، منها الغذاء والدفء".
ويوصي بابر بت "المواطنين في الجنوب الباكستاني بأخذ الحيطة والحذر، لا سيّما أنّ توقعات الأرصاد الجوية تشير إلى اشتداد حدّة البرد في الأيام المقبلة"، مشدداً على "ضرورة الاهتمام بنوعية غذائهم وتناول المشروبات الساخنة، بالإضافة إلى تفادي الاحتكاك بالمصابين، لأنّ تلك الأمراض معدية وتنتقل بسهولة من شخص إلى آخر. بالتالي، فإنّ الاحتياط خطوة أساسية للتصدي لمثل هذه الأمراض". ويطالب "الجهات الرسمية بأداء دورها الأساسي في حماية المواطنين من تلك الأمراض الموسمية"، متّهماً إياها بـ"عدم الاهتمام بقطاع الصحة الذي يعاني من فساد كبير". ويردف أنّ "الميزانية الخاصة بالصحة تضيع نتيجة الفساد، فيصير تلقي العلاج بالتالي عبئاً ثقيلاً على المواطنين، خصوصاً هؤلاء الذين يعرفون أوضاعاً معيشية صعبة".
في السياق، يُعدّ الغاز الذي تؤمّنه الحكومة للمواطنين ضرورة لتشغيل وسائل التدفئة وكذلك الطهي. لذا، فإنّ انقطاعه لساعات طويلة في الأرياف يمنع الدفء عن السكان، لا سيّما الذين لا يستطيعون الاستفادة من وسائل تدفئة أخرى. يُذكر أنّ ثمّة باكستانيين يلجأون إلى مدافئ تعمل بالكهرباء، غير أنّ التيار الكهربائي ينقطع كذلك في تلك المناطق. وانقطاع الغاز والكهرباء يكون لأسباب مختلفة كذلك، فكثيرون يجدون أنفسهم عاجزين عن سداد الفواتير الشهرية الباهظة، بالتالي تُقدم الإدارات المعنيّة على قطع الغاز والكهرباء عنهم.
يقول غلام سخي، وهو من سكان مدينة بيشاور (عاصمة إقليم خيبر بختونخوا) لـ"العربي الجديد"، إنّ "فاتورة الغاز لشهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي بلغت 35 ألف روبية باكستانية (نحو 250 دولاراً أميركياً) ونحن في المنزل أربعة أشخاص فقط، بينما دخلي الشهري لا يتجاوز 12 ألف روبية (نحو 90 دولاراً أميركياً)". يضيف سخي أنّ "المشكلة الأساسية هي أنّنا لا نستفيد من الغاز بسبب انقطاعه المتكرر، ومع ذلك جاءت الفاتورة لتساوي ما لا أتوقّع دفعه طوال عام كامل. وهذا أمر مستجدّ، ولا أعرف ماذا أفعل. فالسلطات سوف تعمد إلى قطع الغاز عن المنزل".
أمّا الغاز المتوفّر في الأسواق، فقد ارتفعت تكلفته كذلك، بالتالي بات من الصعب على فقراء البلاد أن يقتنوه. ويقول شاه محمود، وهو إسكافي من سكان تاج أباد في مدينة بيشاور، لـ"العربي الجديد": "كنّا نتوقّع أن تحمل حكومة عمران خان معها الرفاهية والرخاء، لكنّ ذلك لم يحصل. الأمور تسير نحو الأسوأ، والأسعار ترتفع فنعجز مثلاً عن تأمين التدفئة في برد الشتاء، وهو ما يؤثّر على حياتنا كمواطنين".