ألمانيا: هل يتسبب الضغط لتشكيل "غروكو" بنهاية "الاشتراكي" سياسياً؟

07 ديسمبر 2017
ينتظر شولتز قرار المندوبين في "الاشتراكي" (جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -

تنتظر الأوساط السياسية في ألمانيا نتائج المؤتمر العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي سيعقد اليوم الخميس، ولنتائج تصويت المندوبين على إمكانية إجراء محادثات مفتوحة مع الاتحاد المسيحي، بزعامة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حول تشكيل الحكومة، وذلك بعد نفي زعيم "الاشتراكي"، مارتن شولتز، موافقة حزبه على إطلاق المفاوضات مع الاتحاد المسيحي، من دون أن يقطع الطريق على إمكانية السير بها بعد المؤتمر الحزبي الذي سيعقد على مدى ثلاثة أيام في العاصمة برلين.

ويبدو واضحاً أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يواجه الكثير من الضغوط من أجل اعتماد سياسة مرنة، والدخول بسرعة في مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي الكبير "غروكو"، في وقت يحذر فيه قادة "الاشتراكي" من محاولة "حشره" بحجة عامل الوقت الضاغط على ألمانيا وأوروبا. مع العلم أن قيادة الحزب أبدت، الإثنين الماضي، تأييداً لمباحثات مفتوحة مع الاتحاد المسيحي حول احتمال تشكيل ائتلاف. وأعلن شولتز أن اللجنة التنفيذية للحزب صوتت بشبه إجماع، إلا أنه أكد أن القرار يبقى مبدئياً، وبحاجة إلى مزيد من النقاش خلال مؤتمر الحزب ليحصل بعدها على التفويض من المندوبين.

وفي هذا السياق، قالت رئيسة حكومة ولاية راينلاند بفالس، الاشتراكية مالو دراير، لصحيفة "دي فيلت" أخيراً، إن الاتحاد المسيحي لا يستطيع أن يطالب الحزب الاشتراكي بأن يوافق في وقت قصير على "غروكو"، فيما قال نائب رئيس الحزب، رالف ستيغنر، إنه يكفي تماماً، إذا كانت هناك مناقشات، أن تحصل في يناير/ كانون الثاني المقبل. وأعلن ستيغنر أن حزبه لا يحتاج حالياً إلى مفاوضات ائتلافية، موضحاً "نحن بحاجة إلى المعلومات والمناقشات، والاشتراكي لا يمكن استدعاؤه من قبل أي شخص لأجل الصالح العام"، مشدداً على أن حزبه سيضع شروطاً واضحة بشأن النقاط التي ستشملها المحادثات المحتملة مع الاتحاد المسيحي. وينقسم المندوبون إلى أجنحة في صفوف "الاشتراكي"، بين مؤيد، بينهم وزراء، للمشاركة مجدداً في الائتلاف الكبير، ومعارض أمثال شبيبة الحزب، بسبب الاختلاف العمودي مع الاتحاد المسيحي في العديد من الملفات الداخلية، والنتائج السلبية التي ستنعكس مستقبلاً في صناديق الاقتراع، إضافة إلى المسار المتعرج لشولتز في قيادة الحزب. وأوضح شولتز، لصحيفة "دير شبيغل"، السبت الماضي، أن كل الاضطرابات الحزبية أصبحت بحكم المنتهية حول إعادة انتخابه. ورأى أنه، بعد فشل الائتلاف "الجامايكي"، نشأت حالة جديدة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. في المقابل، عبر عضو الاتحاد المسيحي، رئيس ديوان المستشارية بيتر ألتماير، عن تفهمه لوضع "الاشتراكي"، لافتاً، في حديث لصحيفة "بيلد"، إلى أن محادثات الائتلاف الكبير في العام 2013 استمرت من سبتمبر/ أيلول حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول.


ويرى مراقبون أن على الحزب الاشتراكي أن يبقى في المعارضة، وأن تؤلف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، حكومة أقلية مع حزب الخضر، كما الحال في السويد والدنمارك. وهذا ما عبرت عنه رئيسة كتلة "الاشتراكي" في البوندستاغ، أندريا ناهليس، في مقابلة مع "تاغس شبيغل"، موضحة أن "هناك الكثير من حكومات الأقلية في الدول الإسكندنافية، وهي مستقرة تماماً"، نافية مسؤولية حزبها عن فشل "جامايكا" أو وجود أزمة سيادية، موضحة "ليس علينا أن نتعامل مع الموضوع عبر ضغط الوقت المفرط، ولدى الاشتراكي أسباب وجيهة للانتقال إلى المعارضة، إلا أننا سنتحدث خلال مؤتمر الحزب ونناقش ذلك بصراحة لاتخاذ القرار المناسب بشأن الحكومة". وعبرت عن امتنانها لثقة الدول الأوروبية بالحزب الاشتراكي، معتبرة أن حزبها يدرك تماماً أن ألمانيا لاعب رئيسي في الاتحاد الأوروبي.

لكن خبراء الشأن السياسي في ألمانيا يتوقفون حول المصير السياسي للحزب الاشتراكي، مؤكدين حقه في تقرير سياسته المستقبلية الخاصة، بعدما امتثل لدعوة الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، لأن فشل هذه الجهود قد يتسبب بوفاة الحزب الأعرق في ألمانيا سياسياً، مشددين على دور المفاوضين الذين عليهم إظهار حنكتهم في التفاوض والتحقق من جميع الخيارات وفرض الحد الأقصى من المطالب قبل أي محادثات، لأن بعض النقاط ضرورية للمضمون الجوهري لبرنامج الحزب. وأبرز هذه الأمور هي عدم إفساد المودة مع قاعدته الشعبية، التي تعبت من الائتلاف الكبير، على الرغم من الأخبار التي تتحدث عن نية "الاشتراكي" إجراء محادثات جدية ووضعه لخطوط حمراء، بينها التأمين الصحي الشامل ولم شمل أسر اللاجئين وأهداف طموحة، بينها ما يتعلق بتغير المناخ. وتوقفوا عند أهمية إشراك الماكر، وزير الخارجية زيغمار غابرييل، في المفاوضات، وهو الذي عايش ميركل خلال الحكومات السابقة. علماً أن عودة "الاشتراكي" إلى الحكومة قد تبقي غابرييل على رأس الدبلوماسية الألمانية.

وتكاد تكون هناك قناعة لدى الكثيرين بأهمية تركيز الحزب الاشتراكي على إعادة هيكلة وترتيب صفوفه أولاً، لأن ما يعرف بالائتلاف الكبير بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي بات بحكم المنتهي، والدليل أن طرفيه لا يستحوذان في البوندستاغ الحالي إلا على 53 في المائة فقط من العدد الكلي للنواب، وعلى "الاشتراكي" العمل لاسترداد منصب المستشار، وربما إعلان الائتلاف "البوليفي" (علم بوليفيا)، أي تحالف الاشتراكي (الأحمر) مع الليبرالي الحر والخضر بعد الانتخابات التشريعية المقبلة. ولا يقتصر الأمر على الاستعجال من قبل الاتحاد المسيحي الألماني، بزعامة ميركل، إنما من قبل القادة الأوروبيين، إذ ذكرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ"، أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هاتف زعيم الحزب الاشتراكي، مارتن شولتز، مرات عدة، وحثه على المشاركة في الائتلاف الكبير، فيما وجه رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، رسالة نصية إلى شولتز، دعاه فيها إلى عدم التخلي عن هذه المرحلة الحاسمة بالنسبة إلى أوروبا، لأن المشاركة في الحكومة شرط أساسي للإصلاحات التدريجية اللازمة والديمقراطية في القارة العجوز، والآن هناك فرصة لوضع جدول أعمال تقدمي على طاولة الاتحاد الأوروبي.

المساهمون