ألمانيا: ميركل في معركة إرضاء "الشقيق" قبل الحكومة

30 سبتمبر 2017
زيهوفر وميركل خلال لقاء أخير بينهما (فلوريان غارتنر/Getty)
+ الخط -

منذ اللحظة الأولى لإعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فوز الاتحاد المسيحي، وجدت نفسها أمام تحدٍّ فرضه عليها شريكها في "الاتحاد" زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي، رئيس ولاية بافاريا هورست زيهوفر، الذي أعلن عن مطالب لا تقلّ أهمية عن تلك التي تريدها الأحزاب المتوقعة دخول التحالف الحكومي المقبل كالليبرالي الحر والخضر. وهو الأمر الذي من شأنه أن يهدد كيان الاتحاد المسيحي برمته. ويبدو أن تمسّك زيهوفر بمطالبه قد يكون محقاً، خصوصاً أن حزبه تعرض لخسائر كبيرة وفقد أكثر من 10 في المائة من الأصوات، وبالتالي إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فإنه سيكون مضطراً، بعد الانتخابات البرلمانية في ولاية بافاريا خريف العام المقبل، للتحالف مع أحزاب أخرى، كي يتمكن من تشكيل حكومة الولاية. أما الحزب الاجتماعي المسيحي فأمامه جملة من الأمور قبل الركون إلى أي توافق مع المستشارة، منها تحديد السقف الأعلى للاجئين الذين سيُسمح لهم بدخول البلاد سنوياً (200 ألف لاجئ)، وسياسة الترحيل الجماعية، ولمّ الشمل. وهي المطالب التي كان قد تراجع عنها قبيل إعلان البرنامج الانتخابي للاتحاد المسيحي مطلع الصيف الماضي.

واعتبر مراقبون أن "المشكلة مع الحزب البافاري الشقيق لحزب ميركل، لا تكمن في هذه المطالب الأساسية فقط، بل في موقع حزبه في المشهد العام للاتحاد المسيحي. بالتالي فإن الأمر هو أكثر من مجرد صراع على تحديد أعداد اللاجئين، إنما في البعد الاستراتيجي الذي حققه كل حزب على مدى العقود الثلاثة الماضية، انطلاقاً من أن التطور الذي حققه الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل بات يعطيه القدرة على التحالف في كل الاتجاهات، فيما الاجتماعي المسيحي بزعامة زيهوفر يُحسب على يمين الوسط، وموقعه يزداد صعوبة في ظل التغيرات والتبدلات والمستجدات على الواقع السياسي بين الأحزاب في البلاد". وأضافوا بأن "زيهوفر نفسه وبعد النتيجة السيئة التي حققها حزبه في انتخابات البوندستاغ، بات مطالباً بالاستقالة".

كما أبدى ألكسندر كونيغ، النائب عن حزب زيهوفر في حديث لراديو "بافاريا"، اعتقاده بأننا "نحتاج إلى مرشح آخر للانتخابات البرلمانية الإقليمية". وأوضح أن "زيهوفر فعل الكثير لبافاريا، لكن الآن حان الوقت لشخص جديد".

بدوره كتب رئيس جمعية الحزب في نورنبرغ الغربية، التابعة لولاية بافاريا يوكن كوهلر على صفحته على موقع "فيسبوك"، أنه "إذا لم نبدأ بداية جديدة الآن فمتى ستكون؟"، فيما طالبه حزبيون آخرون بـ"التخفيف من الاضطرابات، على أن يستتبع ذلك بتغييرات على مستوى المسؤولين والدفع بالقادة الأصغر سناً إلى الأمام لتحمّل المسؤولية".



وطالب مسؤولون آخرون بـ"عدم الخوض في الأخطاء على الأقلّ في العلن أو في حرب مفتوحة ضده، لأن ذلك سيضعف موقفه أمام ميركل في برلين، والمطلوب الآن تحقيق مفاوضات ناجحة لتكوين الائتلاف. وهذا ما سيعزز من مكانة الحزب مجدداً في بافاريا، قبل الانتخابات البرلمانية المحلية عام 2018، وحيث همُّ الاجتماعي المسيحي الإبقاء على أغلبيته المطلقة في برلمان الولاية".

في المحصلة، بات المطلوب من المستشارة إرضاء حليفها في الاتحاد المسيحي أولاً، الذي يبدو أنه لن يهادنها كما في السابق. وهذا ما ستكون له عواقب على برلين، لمحاولته الدفع بمصالحه بكل ما وسعه، في ظلّ تشدّده في أزمة اللاجئين، على اعتبار أنه لا يستطيع وحزبه تحمل حل وسط في هذا الملف. إلا أن خبراء، اعتبروا بأنه "من الممكن الوصول إلى حلول وسط، ومنها أن يكون هناك توافق بين الائتلاف المستقبلي على قانون للهجرة يؤكد على حق اللجوء السياسي ومن بينهم اللاجئون المشمولون باتفاقية جنيف، والذين من الممكن أن يكونوا من العمال المهرة، وعندها يمكن الحديث عن إمكانية تحالف مجدية. أما إذا قابلته ميركل بالرفض فعندها لا نفع للتفاوض مع الليبيرالي الحر والخضر".

وهذا ما دفع مراقبين إلى القول إن "ألمانيا ستكون أمام معضلة أخرى وهي أن الاتحاد المسيحي نفسه بزعامة ميركل، والذي تقلّص عدد أعضائه في البوندستاغ من 309 نواب إلى 246، أصبح في خطر وائتلاف "جامايكا" (يُشار إليه بهذا الاسم بسبب ألوان الأحزاب الثلاثة الأسود والأصفر والأخضر) في مهب الريح". وهو الأمر الذي تخوّفت منه قطاعات الصناعات الألمانية، التي أعلنت عن دعمها لتشكيل ائتلاف "جامايكا" في أسرع وقت ممكن كون الاستقرار السياسي عامل أساسي للدورة الاقتصادية وضروري لضمان القدرة التنافسية وتعزيز موقع ألمانيا التجاري. وهذا ما عبّر عنه رئيس غرف التجارة الألمانية إريك شفايتسر، عندما اقترح عدة نقاط لخلق أرضية تسمح بتطوير الاستثمارات، ومنها في مجالات التعليم والتطوير والابتكار والبنية التحتية وفضاءات للأنشطة التجارية الريادية".