ورغم أنّ القرار دفع الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة للتحرّك لمناهضته، إلا أنّ وقعه على الاشتراكي كان أشبه بالكارثة، وهناك انطباع عام داخل الحزب بأنّ ناليس قامت بصفقة سيئة، في حين أنّ القرار سيكون محور نقاش على طاولة اللجنة التنفيذية للحزب يوم الإثنين المقبل في برلين. ولم تُخفِ ناليس حقيقة أنّ هناك جدلاً في الحزب حول البقاء في الائتلاف من عدمه، بعدما برزت آراء ومواقف مختلفة تجاه القرار الأخير بشأن ماسن، منها ما عبّر عنه مسؤول الشبيبة في الحزب، كيفن كونيرت، الذي قال إن زعيمة حزبه "تفرّدت بالقرار"، فيما قال نائب رئيس الحزب، رالف شتيغنر، إنّ ماسن "كوفئ رغم أخطائه"، ووصف ذلك بـ"المهزلة واستمرار الاستفزازات من قبل زيهوفر".
يرى كثيرون في ألمانيا أنّ خطوة ناليس "تعبّر عن فشل استراتيجي"، بعد قبولها بمنح منصب جديد لماسن، بدليل أنّ مسؤولي حزبها لم يترددوا في مناشدة وزرائهم في الحكومة، لعدم الموافقة على تولّي ماسن لمنصبه الجديد. علماً أنّ الأمر أصبح غاية في الصعوبة، لأنّ مسألة منع الترفيع والموافقة المطلوبة من الحكومة، تنطبق فقط على موظّفي الخدمة المدنية من الدرجة 16 وما فوق، أي السفراء وأعضاء المجالس الوزارية وأمناء الدولة، في وقت أنّ وظيفة ماسن تمنحه الدرجة 11. وحتى ولو صوّت الاشتراكي بوزرائه الستّة ضدّ القرار، فإنّ هناك 10 وزراء للاتحاد المسيحي، والموضوع محسوم سلفاً، ولم يبق أمام الاشتراكي إلا التهديد بالانسحاب من الحكومة لثني زيهوفر عن موقفه. وهذا أيضاً مستبعد، مخافة من الاحتكام إلى انتخابات برلمانية عامة مبكرة، يعرف مسبقاً أنّ نتائجها ستكون مكلفة لا محال.
وتوقّف متابعون أيضاً عند واقع أنّ ناليس "ارتكبت خطأً فادحاً"، خصوصاً بعد أن رفعت من لهجتها نهاية الأسبوع الماضي لجهة ضرورة إقالة ماسن، ما أوحى بأنّ رئيس الاستخبارات الداخلية سيحال إلى التقاعد، وهو القرار الذي لم يتخذ بعد اجتماع الثلاثاء الماضي بين القادة الثلاثة، وتمّ منحه وظيفة جديدة وبمرتب أعلى.
في المقابل، دافعت ناليس عن موقفها بالقول إنّ هذا الحلّ التوفيقي "كان ضرورياً"، وأعربت عن قناعتها بأنّه "لا ينبغي على الاشتراكي أن يضحّي بهذه الحكومة الائتلافية"، رغم اعتبارها إصرار زيهوفر على الاستعانة بخدمات ماسن "خطأ". وكتبت ناليس لأعضاء الحزب تشرح لهم موقفها أخيراً، أنها "لم تكن مستعدة لإنهاء الائتلاف بسبب موظف، وأوروبا تواجه اختباراً حاسماً، ومهددة بحرب تجارية من الولايات المتحدة"، مضيفةً "نحن بحاجة إلى حكومة فعّالة، وعلينا أن نتحمّل". وهو التبرير الذي رفضه وزير الدولة السابق، ميشائيل غروشيك، في حديث مع صحيفة "كولنر شتات انتسايغر"، قائلاً إنّ "فقدان الثقة التي نشأت الآن تثقل كاهلنا بشدة".
وفي السياق، رأى متابعون أنّ ناليس لم تكن تتوقّع هذه النبرة العالية من ردود الفعل، وأنه كان الأجدر أن يُدفع ماسن نحو تقديم استقالته طواعية، لتفادي الأزمة وحفظ ماء وجه أحزاب الائتلاف الحاكم أمام الناخبين وأحزاب المعارضة، أو أقله أن تضغط على شريكيها وتهدّد بكسر الائتلاف، بهدف التوصّل إلى مخرج يرضي قاعدة الاشتراكي ويعزز من مصداقيته ويعفيها من المساءلة، بدلاً من أن تقدم على خطوة يبدو أنه سيكون لها عواقب مدمرة، وكلها على حساب الاشتراكي الديمقراطي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ سفين كروغر، عمدة مدينة فرايبورغ، المدينة الصغيرة الواقعة في ولاية سكسونيا، أعلن استقالته الثلاثاء الماضي من الحزب الاشتراكي، عازياً السبب إلى أنّ حزبه لم يقدّم شيئاً جديداً رغم الوعود التي أطلقت عن بداية جديدة للحزب بعد النتيجة السيئة للانتخابات العامة الخريف الماضي. ويخشى أن يؤدي أي تراجع للاشتراكي إلى تعزيز شعبية اليمين الشعبوي، خصوصاً أنّ الحزب اليساري يعاني من معضلة حقيقية، تتمثّل في أنّه بات معرّضاً لانتقادات واسعة وهجوم من أحزاب اليسار والخضر أيضاً، على قاعدة أنّه "من دون مسار واضح، لا مجال للاشتراكي للعودة لتعزيز حضوره على مستوى البلاد". وهذا ما يدعمه استطلاع لشركة "إنفراتيست ديماب" للإحصاء، نشرته شبكة "أي آر دي"، أمس الجمعة، أظهر أنّ "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، أصبح ثاني أقوى حزب للمرة الأولى بنسبة 18 في المائة، فيما حلّ الاشتراكي ثالثاً بنسبة 17 في المائة. وحافظ الاتحاد المسيحي على المركز الأول بنسبة 28 في مائة. وأفاد الاستطلاع أنّ الاشتراكي فقد نقطة واحدة خلال أسبوعين، بينما تقدّم "البديل" نقطتين.
ويتبيّن راهناً أنّ شبيبة الاشتراكي تعاني من الإحباط من السياسات الحالية للحزب مع تراجع ثقة الجمهور ببرنامجه، على عكس حزب ميركل، "المسيحي الديمقراطي" المستقرّ نسبياً، والمحافظ على حضوره، رغم كل الخضات التي تتلقفها المستشارة بكثير من الحنكة، والتي كان آخرها مسايرة وزير الداخلية في طلبه الحفاظ على ماسن في الداخلية كسكرتير دولة، بدلاً من مواجهته وعزله من منصبه الوزاري. فللاحتمال الأخير تأثير سلبي على الحزب الأصغر (الاجتماعي) في الاتحاد المسيحي، وهو ما يصعّب عليه انتخابات ولاية بافاريا المقرّرة في 14 أكتوبر/تشرين الأوّل المقبل لصالح "البديل".