وإذا كانت كوريا الشمالية بحدّ ذاتها غامضة، فإن زعيمها سيكون كذلك بالطبع، فقبل 30 ديسمبر/ كانون الأول 2011، تاريخ خلافة والده كيم جونغ ـ إيل، تحوّل تاريخ كيم جونغ ـ أون إلى مزيج من "مشاهدات لشهود العيان" وبعض التقارير غير المثبتة. غير أن البعض تحدث عن وجوده في سويسرا، تحديداً في العاصمة برن.
ففي عام 2009، ذكرت بلدية كونيز، في ضواحي برن، في مؤتمر صحافي، أن "صبياً كورياً، وهو ابن أحد السفراء الكوريين، تعلّم بين عامي 1998 وخريف 2000 في مدرسة ليبلفيلد ـ شتاينهولزلي". اعتبر الإعلام السويسري أن كيم هو الفتى المعني. وفي العام عينه، التقى مراسل صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أندرو هيغينز، المدير المحلي للتربية في ليبلفيلد، أولي ستودر، الذي أسرّ له بأنه "كان هناك طالب كوري يُدعى باك ـ أون، بدأ تعليمه في برن عام 1998". وذكرت الصحيفة أن "الطالب عاش في منطقة 10 كيرشتراس في ليبلفيلد، وعاد إلى بيونغ يانغ في عام 2000".
وفي عام 2016، أجرت صحيفة "واشنطن بوست" مقابلة مع أحد الفارّين من النظام الكوري الشمالي، وادّعت بأن الشخص المعني هي كو يونغ سوك، خالة كيم. ووفقاً للخالة، فإن "كيم وصل إلى برن في عام 1996، حين كان بعمر الـ12، وعاش مع عائلتها هو وشقيقه الأكبر، وعاش حياة عادية، وتصرّفتُ كوالدة له". وأضافت أنه "في عام 1996، حين كان كيم بعمر الـ14، أُصيبت والدته بمرض سرطان الثدي وتوفّيت". خشيت الخالة على نفسها من خسارة امتيازاتها، فطلبت اللجوء إلى الولايات المتحدة، وهو ما حصل.
الأمر الأساسي هنا أن التناقضات برزت في ملف كيم، خصوصاً لناحية قول خالته إنه "وصل في عام 1996 إلى برن"، بينما تحدّث التربويون السويسريون عن "بدء دراسته في المدينة في عام 1998"، ما يعني أن المرحلة بين عامي 1996 و1998 تبقى غامضة.
في مدوّنته الخاصة، يذكر المؤرخ والسياسي السويسري، كلود لونشان، أنه قابل فيكتور شميد، الذي عاش في منطقة 10 كيرشتراس في ليبلفيلد، وأكد له أن كيم كان يعيش في برن، مشيراً إلى أنه "كان هناك أشخاص من السفارة الكورية الشمالية، بينهم 4 أولاد، محميون من رجال أمن خاصّين. كانوا يلعبون كرة السلّة، وبشكل دائم. الأصغر بينهم كان مختلفاً عنهم. أجزم أنه كان كيم جونغ ـ أون". لم يكن كيم بارعاً في اللغة الإنكليزية، لكنه كان مولعاً بالكومبيوتر والرياضيات، حتى أنه نال دكتوراه فخرية في الاقتصاد، من جامعة "هيلب" الماليزية الخاصة. كما كان يعشق كرة السلة، وحتى أنه كان يرتدي دوماً ثياب فريق شيكاغو بولز الأميركي لكرة السلة، الفريق الذي هيمن على بطولة كرة السلة الأميركية "أن. بي. آي" في أعوام 1991 و1992 و1993 و1996 و1997 و1998، بقيادة الثلاثي: مايكل جوردان وسكوتي بيبن ودنيس رودمان.
أما في شأن زوجة كيم، فكل ما يذكره الإعلام هو أنهما تزوجا في يوليو/ تموز عام 2012، بعد أن أذاعت وسائل الإعلام الكورية الشمالية النبأ. لا يعرف الكثير عن الزوجة، لكن مظهرها الراقي دفع المحللين للاعتقاد بأنها من أسرة تنتمي للطبقة العليا وهي تناسب جهود كيم جونغ أون للظهور بشكل أكثر انفتاحاً مقارنة بسلفيه. وما زالت تفاصيل هذا الزواج غير واضحة. وأشارت أغلب التقارير إلى أن ري ربما كانت مغنية لفتت انتباه الزعيم خلال عروضها.
تبدو سيرة كيم غامضة إلى حد ما، سواء في الحياة المدرسية، أو مرحلة ما قبل قيادة كوريا الشمالية، وفي العلاقة الغريبة مع رودمان، وفي الاتهامات الدولية لكيم بأنه "قتل شقيقه غير الأخ، كيم جونغ ـ نام"، في مطار كوالالمبور الماليزي، مطلع العام الحالي، فضلاً عن اتهامه بإعدام وزير دفاعه، وزوج عمته، وعمّته، ووزير الأمن العام، بوسائل متعددة، من الإعدام بصاروخ أو الإحراق أو رمي الشخص المعني للكلاب الجائعة.
لم يسافر كيم للخارج في زيارة رسمية منذ توليه السلطة، عكس والده الذي زار الصين كثيراً. كما قام بتغيير وزراء الدفاع مرات عدة، ويتحدث البعض عن تعيين ستة وزراء على الأقلّ منذ عام 2011، في أمر يعتبره الخبراء مؤشراً على ضعف ثقة كيم في ولاء الجيش.
قد يبدو الأمر عبارة عن كوميديا سوداء، في أن يكون مثل هذا الرجل في قيادة كوريا الشمالية. غموضه يساعده في إضفاء الشكوك حول إمكانية تنفيذ تهديده بقصف جزيرة غوام الأميركية، أو مهاجمة القواعد الأميركية في اليابان، أو حتى مهاجمة كوريا الجنوبية. غير أنه في الوقت عينه، فإن كيم، الذي يبلغ من العمر بين 33 و35 عاماً، وفقاً لمختلف تواريخ الميلاد، لا يريد أكثر من ترسيخ نفسه كرجل الشرق الآسيوي القوي، عبر إجراء التجارب الصاروخية والنووية، لا في استخدامها. وفي المقلب الآخر، هناك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يعتبر خصماً مشابهاً لكيم، خصوصاً في "جنونهما" وقدرتهما على الانسياق نحو أقصى حدود التطرّف، لإظهار قوتهما، وذلك على قاعدة أن "العالم يخضع للمجانين". قد يكون الثنائي على دراية بأن تشابههما سيؤدي حكماً إلى التفاوض لا الحرب، لكنهما "يستمتعان" باللحظة الحالية، كونها "فرصة تاريخية" لتأكيد وجودهما في عالم مضطرب. وبوجود ترامب، فإن كيم سيتمكن من تثبيت صورته "رجلاً غامضاً" وتطويرها إلى الحدّ الذي ينتظره الجميع في كل صباح من صباحات شرق آسيا، خشية من صاروخ بالستي يخترق أجواءهم.