ألغاز صفقة الذهب السوداني: حلول روسية لأزمة سياسية اقتصادية

17 اغسطس 2015
التنقيب عن الذهب في جنوب السودان (حنا منكيش/فرانس برس)
+ الخط -
ترافق توقيع الحكومة السودانية على عقد للتنقيب عن الذهب مع شركة "سيبيريا" الروسية، أخيراً، مع ضجيج سياسي، وشكوك حول مصداقية الحكومة، خصوصاً بعد التشكيك في وجود الشركة نفسها، وسط غياب بياناتها واسمها في قائمة الشركات الروسية العاملة في مجال الذهب، إضافة إلى عدم إدراجها ضمن شركات التنقيب العالمية أو العاملة في مجال التعدين، ولا تملك، حتى، موقعاً إلكترونياً، بحسب ما يقول المعارضون للصفقة، فيما تشير الحكومة إلى صفقات سابقة في سجل الشركة، وإلى أنها تأسست في عام 1991.


اقرأ أيضاً: الحوار السوداني الشامل: مرونة حكومية لترميم شرعيتها ومهمة أمبيكي 

وجاءت استقالة مستشار وزارة المعادن، محمد أحمد صابون، عقب توقيع العقد مع الشركة، لتفاقم الأزمة، خصوصاً أن الرجل الذي درس وعاش في روسيا وهو ملم بلغاتها، أصرّ على أنّ الشركة وهمية ولا وجود لها في روسيا، وانتقد عدم استشارته بشأن الصفقة على الرغم من أنّ ذلك ضمن مهامه، بحسب العقد الذي أبرمته الوزارة معه لمتابعة الاتفاقيات مع الحكومة والشركات الروسية.

وسارعت وزارة المعادن لتؤكد أنها أنهت التعاقد مع مستشارها صابون بعد شهر فقط من التعاقد الذي تم في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. غير أن الرجل أبرز في وسائل الإعلام المحلية نسخة عن العقد، فضلاً عن آخر المراسلات بينه وبين وزارة المعادن، فيما يتصل بنشاطه ليؤكّد استمراره في العمل قبيل أيام من إعلان استقالته وتعميمها على وسائل التواصل الاجتماعي.

يرى مراقبون، أنّ الأرقام الفلكية التي أعلنت عنها الشركة بخصوص التنقيب تشكّك في وضعها، إذ قدرت احتياطي الذهب في مربعين بولاية نهر النيل والبحر الأحمر بنحو 46 ألف طن، أي ما قيمته تريليون و702 مليار دولار، الأمر الذي رأت فيه الخرطوم سبيلاً لتمويل المشاريع وحل الضائقة الاقتصادية.

كما زاد توقيع العقد مع الشركة الروسية في القصر الرئاسي، بحضور الرئيس عمر البشير، وغياب وفد من الحكومة الروسية الشكوك، فضلاً عن تناقض التصريحات بين الحكومة من جهة، ورئيس مجلس إدارة الشركة، فلاديمير جاكوف، من جهة ثانية، فيما يتصل بوجود شريك سوداني. يؤكد جاكوف أن لديه شريكاً سودانياً رفض الإفصاح عن اسمه، نافياً علاقة هذا الشريك بالسياسة، لكنه وصفه بالصديق الشخصي. وذكر في حوار نشر، أخيراً، أن الرجل ساعده في تسجيل الشركة في الخرطوم، وفي الحصول على التمويل اللازم، خصوصاً أن القانون السوداني يشترط للعمل وجود شريك سوداني.

 في المقابل نفت وزارة المعادن وجود شريك سوداني في الصفقة، وأكدت أن الحكومة الروسية تساهم في الشركة بنسبة 66 في المائة، وأكدت أن احتفالاً مماثلاً بتوقيع الصفقة أُقيم في موسكو بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

غير أن السفارة الروسية، نفت أيّ علاقة لها بالشركة الروسية مثار الجدل. كما لم يرد رئيس مجلس إدارة الشركة فلاديمير جاكوب ضمن قائمة رجال الأعمال الروسيين، لكنه ورد كمحلل عن الذهب في وكالات الأنباء العالمية كرويترز والفرنسية.

وأكدت مصادر فضلت عدم نشر اسمها لـ"العربي الجديد" أن الشريك السوداني هو أحد أشقاء الرئيس عمر البشير، وأن الحكومة رأت عدم الإفصاح عنه باتفاق مع المستثمر الروسي جاكوف لحساسية الموقف، كي يتصدى الأخير وحده لحملة الشكوك.

ورأى محللون، أن الحكومة السودانية أرادت من خلال تضخيم أرقام الاحتياطي والإعلان عن بدء الإنتاج التجريبي، خلال ستة شهور، بإنتاج 33 ألف طن في العام الأول، وصولاً الى 50 ألف طن بحلول 2016، فضلاً عن توزيع نسب الأرباح بين 75 في المائة للحكومة، و25 في المائة للشركة، أن تمتص حالة الاحتقان والاضطراب وسط الشارع السوداني، الذي بدا واضحاً بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية.

وقال المحلل السياسي، عبدالمعطي إدريس، لـ"العربي الجديد" إن  "ما يفسر خطوة الحكومة، على الرغم من علمها التام باستحالة تحقق تلك الأرقام، أنها شعرت بالاهتزاز في ظل الأزمات المتلاحقة، بدءاً من غازولين مروراً بالكهرباء والمياه والخبز، وهو ما دفعها نحو العمل من أجل امتصاص حالة الاضطراب في الشارع السوداني، عبر تعليق آمالهم على إنتاج الذهب، لاسيما أن الشركة أعلنت أن الإنتاج الحقيقي يبدأ بعد ستة أشهر".

 وأضاف "وهي بذلك تحاول أن تكسب زمناً لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية. ولعلها تراهن على إحداث اختراق سياسي فيما يتصل بقضية الحوار، يضمن على الأقل إبقاءها في السلطة"، مشيراً إلى أن "النظام لديه أجهزة تنشط في تجميع المعلومات عن حالة الشارع السوداني".

في المقابل، يجد مراقبون أن الخطوة تضر بالحكومة ولا تنفعها، وتعرقل خطواتها المرتبطة بإعفاء الديون، باعتبار أنها لن تجد مبرراً للإعفاء في ظل الاحتياطي الهائل من الذهب.

من جهته، قال وزير المعادن السابق، عبدالباقي، "لا يوجد شركة في العالم سبق أن حددت كمية المعادن داخل الأرض، فكيف لتلك الشركة أن تفعل؟ ومن سمح لها بزيارة المربعات؟" قبل أن يضيف "ولو حدث وسمح لها، فذلك وحده يستحق المحاسبة".

وعند ضرب محركة البحث "غوغل" على اسم الشركة، لوحظ عدم وجود موقع إلكتروني خاص بها. وكل ما توافر من معلومات عنها كان فقط أسماء مشابهة لشركتين أحدها في هونغ كونغ والأخرى في بريطانيا.

وقد أقرّت كل من وزارة المعادن والشركة الروسية بغياب المعلومات عن "شركة سيبريا" في الشبكة العنكبوتية. وبرّرتا ذلك باختلاف اسم العمل الذي سجّلت فيه، إذ إنه يختلف عن الاسم الحقيقي الذي تعرف به في روسيا، باعتبار أنّ المتعارف عليه بالمعادن أن يتم تغيير اسم العمل في كل مرحلة جديدة.

وفي خطاب إلى البرلمان الذي استوضحها حول القضية، أكدت وزارة المعادن أنّ الحكومة الروسية تمتلك 66 في المائة من أسهم شركة "سيبيريا"، وأن اسمها الحقيقي بروسيا "فاسي ليفسكي رودنيك قولد" واسم العمل السوداني "سيبيريا". لكن جاكوف، أكد أن شركة "فاسي ليفسكي" تم تخصيصها عام 1993، وأنه امتلك 99 في المائة من أسهمها، الأمر الذي أظهر تناقضاً واضحاً بين الإفادتين.

دلالات