دخلت سميرة إلى متجر الألعاب لتشتري لعبة لصغيرتها. وحين طلبت من الموظفة أن تعطيها لعبة لطفل يبلغ من العمر أربع سنوات، سألتها عن جنس الطفل. حينها ما كان من سميرة إلا أن أجابتها: ماذا يتغيّر في الموضوع إذا كانت بنتاً أو صبياً؟ هل يتم تشغيل اللعبة بحسب جنس الطفل؟
تشكّل صناعة الألعاب مجالاً خصباً لأدلجة الأطفال اجتماعياً وجندرياً. تكبر الطفلات ليصبحن مستعدات لدور "الأمومة" والاهتمام بالمنزل بشكل "عفوي"، كون معظم الألعاب التي تستهدفهن مخصصة لهذا الدور تحديداً. وبالمقابل، يعتاد الصبيان اللعب بالألعاب التي تكسبهم من صغرهم مفهوم المساحة والقوة وتحفيز القدرات البدنية والذهنية.
في هذا السياق، أقيمت أخيراً تجربة اجتماعية حيث وُضعت مجموعة من الراشدين مع طفلين يبلغان التسعة أشهر، أحدهما صبي والآخر بنت وذلك في مساحة مليئة بالألعاب المختلفة. قبل البدء بالتجربة تم تبديل الثياب بين الصبي والبنت. فما كان من جميع الراشدين المشاركين بالتجربة إلا أن اختاروا الألعاب "البنّاتية" للعب مع الطفلة (التي هي الصبي أساساً)، والتي تضمنت الدببة ذات اللون الزهري من ضمن ألعاب أخرى. ومع الصبي، تم اللعب بالزحلقة والحصان والألعاب الموسيقية المختلفة. وحين علم المشاركون في التجربة بمسألة تبديل الصبي بالبنت، ما كان منهم سوى الارتباك ومؤاخذة الذات على التصرفات اللاواعية التي قاموا بها باختيار الألعاب.
لا يختلف اثنان على أهمية الألعاب في سن الأطفال المبكرة كونها وسيلة أساسية للتعلم وللتعرف على العالم المحيط بهم. وحين يبدأ الفرز الجندري بين الصبيان والبنات في سن مبكرة، فإن أحد الحلول غير المباشرة ربما للبدء بتعريف الأطفال وتعليمهم على مفاهيم المساواة، هي في هذا المجال تحديداً وفي هذه السن أيضاً.
يأتي هذا المقال بالتزامن مع إصدار شركة "ليغو" للعبة عن نساء في الناسا، حيث تقدّم أهم باحثات الفلك والعالمات النساء في الناسا عبر اللعبة التي سيتم إصدارها أوائل الشهر المقبل. لنتخيّل أن صبياناً وبناتاً يلعبون بهذه اللعبة دون دراية بما تتضمنه من رسائل جندرية تربوية. سيكبر هذا الجيل من الأطفال معتاداً على رؤية النساء في هذه المواقع التي لطالما كانت حكراً على الرجال. كما سيخلق عند الفتيات الرغبة بالتماهي ربما مع تلك النماذج، ما قد يؤدي بشكل طبيعي إلى كسر حصرية بعض المواقع والمهن عند الرجال.
تبقى المشكلة بالتأكيد في محدودية وصول جميع الأطفال إلى لعبة "ليغو"، حيث إنها تقتصر على فئة معينة من الأطفال نظراً لكلفتها. وهكذا، فإن الشرخ الاقتصادي يعد عاملاً أساسياً في إعاقة الوصول إلى العدالة الاجتماعية، فكيف بالحال إلى المساواة الجندرية؟
*ناشطة نسوية