عند توجيه النقد للأدوار النمطية التي يجري تصنيفها على أساس الجنس، وتتربى عليها المجتمعات، لا تكون البلدان النامية هي المقصودة فقط، وإنما كذلك الدول الأكثر تطوراً ونمواً في العالم. وإذا كانت كتبنا المدرسية وقوانيننا وبرامجنا التلفزيونية والإعلانات والتسويق ترسخ فكرة الربط بين النساء والمطبخ، وبأن قدرات الرجل حدودها السماء، فهذا الأمر لا يزال منظوراً في الدول الغربية وإن بحدّة أقل.
وبما أن لا خلاف حول أن الألعاب تشكل عنصراً تربوياً هاماً في حياة الأطفال. وأن الكثير من الدراسات والخبراء تحدث عن علاقة تلك الألعاب في تثبيت أدوار النساء والرجال في أذهان الأبناء، كونها أحد العوامل المساعدة على تحفيز الرغبات والأحلام بخصوص مهنهم في المستقبل، وحسب بعض الخبراء، فإن الألعاب النمطية لا تدفع الفتيات إلى اختيار مهنة الإطفاء ولا الفتيان إلى اختيار العمل في مجال التمريض.
فقد تفاعل هذا الموضوع مع وفاة هورست براندشتاتر مؤسس شركة (بلاي موبيل) إحدى كبرى الشركات المنتجة للألعاب في ألمانيا، ومبتكر شخصياتها في 3 يونيو/حزيران الجاري عن عمر 81 عاماً.
ألعاب نمطية
وأثارت صحيفة لوفيغارو الفرنسية مسألة استمرار شركة الألعاب الألمانية، المتخصصة في إنتاج الشخصيات البلاستيكية التي يبلغ طول الواحدة منها 7.5 سنتم، في طرح شخصيات نمطية خلال 40 سنة من عملها، ظلت محافظة عبرها على تحديد الأدوار للنساء والرجال، وتقسيمها بالشكل التقليدي، دون أن تلحظ التغير والتطور على أرض الواقع عبر الأجيال.
ففي العام 2013 أشارت (بلاي موبيل) إلى أن الشخصيات النسائية التي تنتجها مهيأة للرقص، وهكذا لبست الشخصية النسائية الجديدة ثوباً مناسباً للذهاب إلى الحفل الراقص، وأضيفت إلى الشخصيات السابقة مثل ربة المنزل التي تحمل المكنسة وتجر أمامها عربة المنظفات. وكانت الشركة قد أنزلت إلى السوق في العام 2012 شخصية المرأة الحامل، والتي أضيفت إلى شخصيات الممرضة ومضيفة الطيران ومربية الدواجن في المزرعة وبائعة خضار والأم التي تلاعب أطفالها في الحديقة، أو تكوي الملابس، أو تجلي الصحون وتحضر الطعام. وهكذا تغيب شخصيات نسائية أساسية في المجتمع مثل الطبيبة والمهندسة والقبطان وتلميذة المدرسة ليحل محلها النساء المتأنقات أو الجنيات.
كما تسوّق الشركة لإحدى ألعابها في متاجر الفنادق، لعبة لشخصية عاملة التنظيف مع عدّتها الكاملة وكل ما تحتاجه لإنجاز مهمتها بنجاح. مع الإشارة إلى أن الشركة باعت خلال سنوات عملها بين 1974 و2014 ما يقدر بنحو 2.7 مليار لعبة بلاستيكية صغيرة حول العالم.
أدوار يصعب تبديلها
في المقابل، إن تثبيت تلك الوظائف والأدوار للنساء في أذهان الأطفال، يجعلهم غير قادرين على القبول بعكسها. ففي واقع يُقنع الصغار بأن الأم لا تعمل في هندسة المباني والطرقات، أو رائدة فضاء أو في الإطفاء أو الشرطة، أو حتى تعزف الموسيقى أو تمارس الرياضة عندها لن يقبلوا باقتناء لعبة تمثل تلك الشخصيات، لأنها خارج سياق تفكيرهم. مثلما قد يرفضون صورة الأب الذي يطعم صغاره، أو ينظف الأطباق.
تناول رؤية هذه الشركة الألمانية في تصنيع الألعاب، لا يعني أبداً أنها الوحيدة التي تنتهج هذا المبدأ في توجيه المشترين وأطفالهم. ولكن السياسات الحكومية في بلدان العالم مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن هذا النوع من الإنتاج، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني التي تتحمل مسؤولية دفع أولياء الأمور بصفتهم المستهلكين لتلك المنتجات إلى الاعتراض على تحجيم دور النساء في مجتمعاتهن من خلال الألعاب.
فقد طالبت وزيرة المساواة البريطانية لين فيذرستون منتجي الألعاب في بلادها، في ديسمبر/كانون الأول 2014، بطرح أفكار ووضع خطط للقضاء على التفرقة بين الجنسين في الألعاب، لا سيما في مجالات الهندسة والإنشاءات. مع العلم أن أكبر متاجر الألعاب في بريطانيا لا تزال تقسم الألعاب على أساس الجنس.
عندما ندرك أن اختيار الألعاب لأطفالنا مسألة متعلقة بتأسيس أفكارهم ومفاهيمهم عن العالم المحيط بهم، قد ندقق أكثر في اختياراتنا، ولا ننساق وراء "موضة" الألعاب والعرائس التي يُنفق على تسويقها المال الكثير، والتي تأتينا من البلدان "المتقدمة" علينا.
اقرأ أيضاً:دمى الأطفال: هل نختار لصغارنا ما يشبههم؟