ألان حكيم: لبنان يواجه مصيراً سوداوياً ولا إرادة للإصلاح

30 يونيو 2020
ألان حكيم (صورة من الإنترنت)
+ الخط -

لا يجد وزير الاقتصاد اللبناني السابق، ألان حكيم، مكاناً للتفاؤل، إذ قال في مقابلة مع "العربي الجديد" إن المشهد سوداوي ولبنان أمام أيام صعبة جداً في ظلّ غياب الإرادة الجدية لوضع برنامج إصلاحي قادر على انتشال البلاد من أزماته الكارثية. وفيما يلي نص المقابلة:

كيف تعلّقون على الاقتراح الذي تعمل عليه الحكومة من خلال وزير الاقتصاد والتجارة، راوول نعمة، بتعديل إجراءات دعم مصرف لبنان المركزي للمحروقات والقمح وتسعيرها على أساس سعر الدولار في السوق لتوجيهه لمن هم بحاجة إليه؟

دائماً ما يتجّه مجلس الوزراء اللبناني عندما يريد تحسين خزينة الدولة إلى أسهل مصادر ربحية ألا وهي جيب المواطن سواء في استهلاكه اليومي أو البنزين وما إلى ذلك، علماً أنّ هذا المشروع طرِحَ كثيراً منذ أن كنت وزيراً للاقتصاد عام 2014 وما تلاه من أعوام.

يومها حُكِيَ عن زيادة البنزين 5 آلاف ليرة لبنانية (أي حوالي 3 دولار وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة) وهذا الأمر مرفوضٌ لأنه يمسّ مباشرة بالمواطن اللبناني. للأسف الإدارة باهتة في الدولة اللبنانية وأصحاب القرار هم أصل المشكلة ولا يمكن أن نتوقع من صاحب الأزمة أن يجدَ هو نفسه الحلول لإنقاذ الوضع.

ما هي تداعيات خطوة الحكومة في حال تمّ السير بها وإقرارها؟

إن تداعيات إلغاء أو تعديل دعم المحروقات أو القمح وغيرها من المواد التي يدعمها البنك المركزي كثيرة في الوضع الراهن، وأبرزها وأكثرها خطورة إفقار الشعب اللبناني وتقليص إضافي للطبقة الوسطى، وخلق وضعٍ اقتصادي ومالي غير مسبوق في لبنان.
وأنا شخصياً، وبمنطق اقتصادي وعلمي مع أن تقوم الدولة بوقف الدعم شرط أن يصار مقابل ذلك إلى وضع برامج أخرى رديفة. وبالتالي فإن رفع الدعم في ظلّ غياب البرنامج الإصلاحي الفعلي يؤدي إلى انفجار اجتماعي.

برأيكم ما هي الخطوات الواجب القيام بها لانتشال البلد من الانهيار ووقف النزيف المالي والاقتصادي؟

إن الخطوات التي يمكن للدولة اللبنانية أن تقومَ بها لا تحتاج إلى فلسفة بل إلى إرادة ونيّة جدية وصادقة في الإصلاح، ومنها إقفال عدد من المؤسسات والصناديق الخاصة، وضبط التهرّب الضريبي والمعابر سواء الشرعية أو غير الشرعية، والتخلّص من الفائض في الإدارات العامة، وترميم العلاقات مع المحيط الطبيعي للاقتصاد اللبناني، وهذه العناوين وغيرها سبق أن وضعت خطط لها ولكن لا حلول عملية بعد.

ومن الخطوات العاجلة التي يمكن السير بها عرض برنامج واضح لإعادة الأموال المنهوبة، البدء بإعادة هيكلة الدين العام بطريقة ذكية، والموضوع الأهم استعمال أصول الدولة بإنتاجية قصوى.

لماذا تعجز الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان عن إيجاد الحلول العملية التي يمكن ترجمتها ميدانياً ولدى المواطن اللبناني؟

لا إصلاح حقيقيا وتغييرات جدية يمكن أن يلمسها الشعب اللبناني طالما أن الحكومة لم تبدأ بعد بأي خطوة جدية في هذا الإطار، أما مصرف لبنان فهو يتخذ خطوات في ظرفٍ استثنائيّ وتحت عنوان الضرورة وهذه المحاولات كلها تبقى في خانة الترقيع لا الحلّ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مصائبٍ أكبر على مستوى الاقتصاد العام والقطاع المالي وعلى صعيد وضع اللبنانيين المعيشي.
الوضع للأسف متأزّم جداً، وإلى تصاعد اقتصادي ومالي خطير، حيث إنّ نسبة التضخم ارتفعت 17 في المائة، وكذلك نسبة العجز 15.3 في المائة مقارنة مع عام 2019، في ظلّ انكماش الناتج 12 في المائة عام 2020.

وهذه الأرقام لا توحي صراحة بأي إيجابية. والأخطر من ذلك أن لا خطوة حسية وملموسة واضحة في هذا الإطار والحل غير مجد طالما أن التهريب مستمرّ، فهناك أكثر من 140 معبرا غير شرعي، ما يرتّب على خزينة الدولة اللبنانية خسائر مباشرة وفادحة ويجعلنا على يقين بأن التوجه سوداويٌّ.

يتخوّف اللبنانيون من ارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار في ظل استمرار تفلت السوق السوداء، لماذا برأيكم فشلت محاولات الحكومة ومصرف لبنان في ضبط الوضع رغم ضخّ العملة الخضراء في سوق الصرافين؟

بدايةً، أنا ضدّ ضخ الدولار في سوق الصرافين، لكنها الوسيلة الوحيدة المتاحة اليوم بهدف الاستمرارية في ظلّ غياب الإصلاحات الجدية، والنقص الحاد في السيولة، حيث إن المشكلة اليوم أن حاكمية مصرف لبنان تلعب دور الطبيب الذي يعطي الأوكسجين لمريض على فراشِ الموتِ، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر النتائج الكارثية لكنه ليس العلاج الشافي، فالدواء بيد الدولة اللبنانية لا البنك المركزي.

أما السوق السوداء فيصعب ضبطها طالما أن لا رقابة فعلية على الصرافين غير الشرعيين، ولا سيولة في السوق اللبناني وهنا المشكلة الأساسية. علماً أنّ اللبنانيين يملكون ما يتراوح بين 4 و5 مليارات دولار في منازلهم لكن ما يمنعهم من ضخها في السوق انعدام الثقة بالمسؤولين.

كيف تقيّمون المفاوضات التي تجريها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، ومتى يمكن بلورة موقف الأخير من تقديم المساعدات المالية للبنان؟

لن تصل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أو أي جهة مانحة إلى نتيجة إيجابية في ظلّ غياب الإصلاحات الفعلية والنية الإيجابية بالتقدم لإيجاد حلول عملية، من بينها خطة مكافحة التهريب، حتى أن الفرق الشاسع في ارقام الخسائر بين الحكومة ووفد مصرف لبنان يدعو إلى القلق، ويضع مصداقية الدولة اللبنانية على المحك.

أما صندوق النقد الدولي، فقد يساعد لبنان على صعيد القطاع الصحي، لكن المساعدات المالية لن تكون على قدر المشكلة التي تعاني منها البلاد.

ماذا عن مستقبل المصارف اللبنانية في ظل انعدام ثقة اللبنانيين بالقطاع المصرفي؟

المشكلة تكمن في السيولة التي ترتبط بالبنك المركزي الذي بدوره مرتبط بالدولة اللبنانية. والمسؤوليات تتوزع في هذا الإطار، علماً أنّ المسؤولية الأكبر يتحمّلها من أهدر المال العام ونهب أموال اللبنانيين من دون أن ننسى أن فتح الاعتمادات لأي برنامج حكومي يأتي من خلال مصرف لبنان.
أما استعادة ثقة اللبنانيين والمودعين بالمصارف فهذا عمل طويل الأمد حيث إن القطاع المصرفي تعرّض لضربة قوية والحل يكمن في إعادة تكوين وهيكلة القطاع، وهذا أمر سبق أن نادينا به لأكثر من خمسة عشرة عاماً.

هل أنتم متفائلون بإمكان الوصول إلى حلّ ولا سيما في ظلّ تعويل المسؤولين أيضاً على القطاع السياحي مع إعادة فتح المطار الشهر المقبل؟

لست متفائلاً ونحن أمام أيام صعبة جداً، والسبب في ذلك لا يعود إلى عدم ثقتي بمقدرات الدولة بل لأن لا ثقة لدي بمن يدير هذه الدولة وفق سياسة تقوم على الأكاذيب والفساد، فمن أوصل البلد إلى الانهيار لن يجد العلاج.

ومن الضرورة القول، إنّ أفضل خطة اقتصادية بوجود وصاية وانعدام الإرادة والنية للإصلاح مصيرها الفشل، حتى السياحة التي يعوّل عليها المسؤولون لن تشكل أي استثمار ولن تدخل الأموال والدولارات إلى لبنان طالما أن لا حلّ جذريا للأزمة، فأنقذوا الناس.
المساهمون