بعد نحو عام على عمليات التهجير وطرد العرب والتضييق على التركمان في كركوك العراقية، التي أخلت بالتركيبة القومية للمحافظة، صوّت مجلس محافظة كركوك على شمول المحافظة بالاستفتاء المقرر في 25 سبتمبر/أيلول المقبل، على الانفصال عن بغداد، وسط مقاطعة عربية تركمانية لجلسة التصويت. وسعى الأكراد المهيمنون على إدارة المحافظة وحكومتها المحلية إلى استغلال الظرف السياسي من خلال استغلال مجلس المحافظة "غير المنتخب"، بغية إضفاء الصبغة القانونية على قرار الاستفتاء، متجاوزين كل التحذيرات من مغبّة جرّ المحافظة إلى صراع قومي بين المكونات. تصويت مجلس المحافظة بهذا الشكل كان أمراً متوقعاً نظراً لهيمنة المكون الكردي عليه، وللإصرار الكبير من حكام إقليم كردستان على ضم كركوك، المتنازع عليها بموجب المادة 140 من الدستور العراقي الحالي، إلى مشروع الدولة الكردية المستقلة. ويخشى أن يزيد التصويت المذكور من حدة التوتر بين المكونات الكردية والعربية والتركمانية للمحافظة الغنية بالنفط والمتنازع عليها قومياً.
في هذا السياق، عقد مجلس كركوك، أمس الثلاثاء، جلسته وسط مقاطعة من قبل الكتلتين العربية والتركمانية، وتمكن من التصويت على قرار شمول المحافظة بإجراء الاستفتاء، بحضور 22 عضواً من مجلس المحافظة. وحضر الجلسة محافظ كركوك نجم الدين كريم، ورئيس المجلس ريبوار طالباني (وهما كرديان). وأكد كريم في كلمة له، أنّ "كركوك كردستانية ويجب أن تشترك بالاستفتاء"، مشدّداً على أنه "ليس من حق الحكومة الاتحادية في بغداد أن تقرّر مصير المحافظة". كما أكد طالباني أنّ "من حق المحافظة الاشتراك بالاستفتاء".
وأضاف توران، في تصريح صحافي، أنّ "كركوك تقع خارج حدود إقليم كردستان"، مستغرباً "إجراء الاستفتاء فيها وما زال تنظيم داعش يسيطر على 40 في المائة من مساحتها". وأشار إلى أنّ "الاستفتاء سيخلق أزمة جديدة، كما خلق موضوع رفع علم كردستان أزمة في المحافظة"، مؤكداً أنّ "إشراك المناطق المتنازع عليها في استفتاء إقليم كردستان يحمل أبعاداً خطيرة، وهو مؤشر لصراعات بين المكونات، التي هي بحاجة إلى توحيد الجهود لمواجهة تنظيم داعش الذي يشكل تهديداً عليها بسبب احتلال بلدة الحويجة". ودعا توران مجلس كركوك إلى "الاهتمام بتقديم الخدمات للمواطنين، بدلاً من الانشغال بالمشاكل السياسية والتي ليست من اختصاصه".
من جهتها، عدّت الكتلة العربية في مجلس كركوك التصويت "خطوة غير دستورية". في هذا الصدد، قال عضو الكتلة برهان العاصي، إنّ "تصويت مجلس كركوك (أمس)، لأجل إجراء الاستفتاء في المحافظة، خطوة مخالفة للدستور وتحديداً المادة 23 منه"، معتبراً أنّ "اتخاذ هكذا قرارات ليس من اختصاص مجلس المحافظة، وعلى المجلس ألا يخطو هكذا خطوات". وأشار إلى أنّ "المكوّن العربي في كركوك، همه الوحيد هو تحرير المناطق التي ما زالت تحت سيطرة تنظيم داعش فيها، بدلاً من الصراعات والخلافات السياسية".
وفتح التصويت على شمول كركوك بالاستفتاء الباب على مصراعيه أمام خلافات قومية في المحافظة ذات التركيبة المعقدة، إذ رأى الخبير السياسي علي اللهيبي، أنّ "مجلس كركوك فتح النار بوجه المحافظة من أوسع أبوابه، بعدما جرّ المحافظة إلى التصويت على الانفصال".
وقال اللهيبي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إنّ "مجلس محافظة كركوك هو بالأساس مجلس غير منتخب من قبل الأهالي، إذ تم تشكيله من قبل قوات الاحتلال التي دخلت العراق عام 2003"، مبيّناً أنّه "وفقاً لذلك، فإنّ المجلس لا يمثل أهالي كركوك، وهذا بحد ذاته لا يمنحه سلطة التحكم وإصدار هكذا قرارات سياسية".
ولفت إلى أنّ "ممثلي الأكراد من السياسيين اليوم لا ينظرون لمصلحة البلاد ولا للتعايش السلمي، بقدر ما يريدون تحقيق غاياتهم وأهدافهم بالانفصال"، مشيراً إلى أنّ "هذه الخطوة خطيرة للغاية وأنها ستجرّ تداعيات وصراعات قومية بين مكونات كركوك". ودعا اللهيبي حكومة بغداد إلى "التحرك السريع والعاجل لوقف هذا الإجراءات الخطيرة، التي ستفتح أزمة تكون لها تداعيات وخيمة على البلاد".
وفي غياب أي ردّ رسمي من حكومة بغداد على قرار مجلس كركوك، توالت تصريحات حكومية سابقة للحكومة، أكدت فيها رفض إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان، واعتبرته "خطوة غير دستورية". وكانت الكتلتان العربية والتركمانية قد قاطعتا جلسة التصويت على إجراء الاستفتاء في محافظة كركوك، محذرتين من مغبة إصدار قرار كهذا.