أكراد سورية والروس: علاقة تصطدم بحواجز تركية

12 يوليو 2020
تحافظ "قسد" على حلفها مع الأميركيين (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

لم يتمكن أكراد سورية من بناء علاقة ذات أبعاد استراتيجية مع الجانب الروسي، مثل العلاقة التي تربطهم مع الولايات المتحدة والتي تكاد ترقى إلى مستوى التحالف، وذلك بسبب العلاقة المميزة بين روسيا وتركيا التي تنظر بقلق بالغ إلى محاولات الأكراد السوريين فرض إقليم ذي صبغة كردية في الشمال الشرقي من سورية، تعتبره أنقرة مساساً بأمنها القومي. وتُعدّ موسكو الحليف الأبرز للنظام السوري، الذي يرفض حتى الآن منح الأكراد أي حقوق سياسية أو عسكرية، ما خلا بعض الامتيازات الثقافية، علماً أن أكراداً سوريين يسيطرون عملياً على ثلث مساحة سورية، وهي منطقة شرقي الفرات، مستودع الثروات في البلاد. وفي خطوة هي الأولى من نوعها من الروس باتجاه أكراد سورية، فسّرت على أنها محاولة جديدة من موسكو لتعزيز نفوذها في المنطقة التي باتت تُعرف اصطلاحاً بشرقي نهر الفرات، زار أبرز مسؤول عسكري روسي في سورية "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وأعلن القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، على حسابه في "تويتر"، يوم الثلاثاء الماضي، أنه استقبل قائد القوات الروسية في سورية ألكسندر تشايكو، مشيراً إلى أنه جرى "بحث القضايا المشتركة، ومن ضمنها انتهاكات تركيا لاتفاقية 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، خصوصاً اغتيال الناشطات الكرديات الثلاث في كوباني (عين العرب)"، في إشارة إلى هجوم تركي بطائرة مسيرة استهدف منزلاً مدنياً في قرية حلنج بريف عين العرب، وأودى بحياة ثلاث سيدات، في 23 يونيو/ حزيران الماضي. وأضاف عبدي في تغريدته، أنه "تم الاتفاق على رفع مستوى التنسيق والعمل المشترك، وتوجهنا بالشكر لتشايكو لتجاوبه في العمل على مواجهة التحديات". واتفاق 23 أكتوبر الماضي، عبارة عن تفاهم ميداني روسي ـ تركي في الشمال السوري، من 10 بنود.


العلاقة الروسية مع الأكراد السوريين خفتت بعد عودة العلاقة بين أنقرة وموسكو إلى سابق عهدها

ومنذ التدخل الروسي المباشر في سورية في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، مرّت العلاقة بين موسكو والأكراد السوريين بمنعطفات عدة. وشكّل إسقاط طائرة روسية بصاروخ تركي أواخر عام 2015 داخل الأراضي السورية بداية علاقة معلنة بين الروس والأكراد السوريين، الذين استفادوا من الخلاف التركي الروسي بتوفير غطاء جوي روسي لهم للسيطرة على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي، أبرزها مدينة تل رفعت التي كانت تسيطر عليها فصائل مدعومة من الجانب التركي. ووصلت العلاقة بين الأكراد السوريين والروس لدرجة افتتاح مكتب تمثيل "كردستان سورية" في العاصمة الروسية موسكو، في فبراير/ شباط 2016، في خطوة كان الهدف منها مناكفة الأتراك سياسياً في سورية. وعارضت أنقرة بشدة الخطوة الروسية في ذلك الحين، باعتبارها تعزز تطلّعات الأكراد السوريين في تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية. وكان من اللافت أن الممثلية وضعت خريطة داخلها تتضمّن تصوراً جغرافياً للدولة الكردية المنشودة على مساحات كبيرة من سورية والعراق وتركيا وإيران.

غير أن العلاقة الروسية مع الأكراد السوريين خفتت بعد عودة العلاقة بين أنقرة وموسكو إلى سابق عهدها في منتصف عام 2016، إثر زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا عقب الانقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا في 15 يوليو/ تموز 2016. ومنذ ذلك الحين لم يجد الأكراد السوريون إلا الجانب الأميركي حليفاً لهم في مواجهة الأخطار التي تهددهم، فتحولوا إلى ذراع برية للتحالف الدولي في محاربة تنظيم "داعش" في الشمال الشرقي من سورية. ومنذ بداية العام الماضي، وجد الأكراد أنفسهم يسيطرون على نحو ثلث مساحة سورية، وهي منطقة شرقي نهر الفرات الغنية بالثروات، ما جعل منهم لاعباً رئيسياً في الصراع المحتدم منذ عام 2011.

وفي مطلع عام 2018، اعتبر الأكراد أن الروس تخلوا عنهم عندما منحوا الأتراك ضوءاً أخضر للدخول إلى منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في ريف حلب الشمالي الغربي، والتي كانت تعتبر معقلاً بارزاً للوحدات الكردية، الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، وكانت ضمن مناطق النفوذ الروسي. ولكن الجانب الروسي رفض تقدم الجيش التركي إلى منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي وقرى عدة في محيطها، لا يزال الأكراد يسيطرون عليها حتى اللحظة.

وحاول الجانب الروسي في العامين الأخيرين تجسير الهوة ما بين الأكراد والنظام السوري، ورعى جولات حوار عدة في العاصمة السورية دمشق، وفي قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، ولكنها فشلت بسبب رفض النظام مطالب كردية في الحفاظ على الإدارة الذاتية وعلى "قسد" التي يهيمن عليها الأكراد.

ووصف عضو الائتلاف الوطني السوري عن "المجلس الوطني الكردي" شلال كدو، في حديث لـ"العربي الجديد"، الموقف الروسي من "القضية الكردية" في سورية بـ"الإيجابي"، مشيراً إلى أن الروس لا يمانعون حصول الأكراد على كامل حقوقهم في سورية. وأضاف أن "موسكو تقف إلى جانب النظام السوري، وهذا يعرقل إيجاد حل سياسي في سورية". ووصف علاقة "المجلس الوطني الكردي"، الذي يضم أحزاباً عدة، بالجانب الروسي بـ"الجيدة والمتقدمة"، لافتاً إلى أن وفوداً عدة من المجلس زارت موسكو. وأوضح أن المجلس التقى دبلوماسيين روس في موسكو وإسطنبول وأربيل، مضيفاً أن علاقة الأكراد السوريين مع موسكو تتقدم، "ونحن حريصون على تطويرها، نظراً للدور المحوري للجانب الروسي في سورية".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم يجد الأكراد السوريون بداً من اللجوء إلى الجانب الروسي في محاولة لإيقاف العملية العسكرية التركية في منطقة شرقي نهر الفرات، إثر انسحاب أميركي من غرب هذه المنطقة إلى شرقها، وهو ما سمح للجيش التركي بالتوغل بطول 100 كيلومتر من الحدود السورية التركية. وقد اضطرت "قسد" إلى ابرام "اتفاق عسكري" مع موسكو سمح للروس بالدخول للمرة الأولى بشكل معلن إلى منطقة شرقي نهر الفرات، وهي خطوة عززت حضور موسكو في المشهد السوري برمته. كما سمح الاتفاق لقوات النظام بالانتشار على خطوط تماس مع فصائل المعارضة السورية، غير بعيد عن الحدود السورية التركية التي باتت محكومة بدوريات تركية روسية مشتركة وفق تفاهمات أنقرة وموسكو.


اضطرت "قسد" إلى إبرام اتفاق عسكري مع موسكو سمح لها بالدخول إلى منطقة شرقي نهر الفرات

وكان الروس والأتراك قد أبرموا اتفاقاً تضمّن دفع "قسد" إلى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وتسيير دوريات تركية روسية على طول الحدود بعمق 5 كيلومترات، مقابل إيقاف العمليات العسكرية من قبل الجيش التركي. ولكن الاتفاق يتعرض لتحديات كبيرة من الممكن أن تطيح به، وهو ما يتخوف منه أكراد سورية الذين يحاولون المناورة ما بين علاقة مع واشنطن وأخرى مع موسكو التي تدرك حاجة الأكراد إليها في أي تسويات مقبلة يخرجون منها بأقل الخسائر، سواء مع النظام أو مع الجانب التركي.

وفي المقابل، يدرك الجانب الكردي حاجة موسكو لموطئ قدم لها في منطقة شرقي نهر الفرات التي يُنظر إليها على أنها "سورية المفيدة" بسبب تمركز الثروات النفطية والمائية والزراعية فيها، فضلا عن موقع استراتيجي يشهد تنافساً إقليمياً ودولياً للسيطرة عليه. وأقام الروس، وفق اتفاقهم مع "قسد"، قواعد عدة وتمركزوا في منطقة شرقي الفرات من منطقة عين العرب غرباً، مروراً بمنطقة عين عيسى في الوسط إلى القامشلي في محافظة الحسكة شرقاً. كما استغل الروس الاتفاق لإقامة قاعدة كبرى في مطار القامشلي مرتبطة بقاعدة حميميم، في ظل أنباء عن استئجار هذا المطار من النظام السوري لمدة 49 عاماً. وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها نقلت منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في الحسكة.

من جهته، قال أمجد عثمان، المتحدث الرسمي باسم "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قسد"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا طرف رئيسي ومهم في سورية". وأشار إلى أن "روسيا لديها القدرة على لعب دور أساسي في التوصل إلى حل سياسي تشارك فيه جميع الأطراف السياسية السورية"، مضيفاً: "نحن كسوريين بحاجة لمخرج وحل سياسي ينهي الأزمة ويقوي سيادة سورية أمام التدخلات الإقليمية واحتلال مدن وبلدات سورية، وهذا ما نفتقده حتى اليوم". ولكن الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية إبراهيم مسلم، رأى "أن علاقة موسكو بأنقرة أكثر قوة لوجود مقومات لمصالح متبادلة"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "لكن في حال قبول الأكراد شروط الروس، لا سيما المتعلقة بزيادة نفوذها وحلفائها على حساب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الشمال الشرقي من سورية، ربما المعادلة تختلف". وأدرج مسلم زيارة المسؤول الروسي إلى قيادة "قسد" في سياق محاولات الروس تعزيز نفوذهم ونفوذ الجناح المقرب من موسكو في قوات النظام في منطقة شرقي الفرات، معرباً عن اعتقاده بأن "زيارة العميد سهيل الحسن (رجل روسيا البارز في قوات النظام) إلى شرقي الفرات منذ أيام تعزز هذا الاعتقاد".

   

المساهمون