أكتوبر روسيا الدموي المنسي

28 أكتوبر 2018
البيت الأبيض بعد القصف (لاسكي ديفيوجن/ Getty)
+ الخط -
بعد مرور ربع قرن على أحداث قصف البرلمان الروسي بالدبابات في أكتوبر/ تشرين الأول 1993، بأوامر من الرئيس الراحل، بوريس يلتسين، ومقتل نحو 150 شخصاً، لم تعد هذه الأحداث المأساوية تشكل موضع اهتمام الروس، لا سيما الأجيال الجديدة، وباتت غائبة عن ذاكرتهم التاريخية.

بحسب استطلاع حديث أجراه "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" فإنّ 90 في المائة من سكان روسيا لديهم العلم بأحداث قصف البيت الأبيض (البرلمان آنذاك)، كما أنّ ثلثيهم يعتبرون أنّ استخدام القوة لبسط السيطرة على الوضع كان غير مبرر. إلّا أنّ الاستطلاع ذاته أظهر أنّ 35 في المائة فقط لديهم علم جيد بهذه الأحداث، بينما تقتصر معلومات 55 في المائة على "سمعنا شيئاً عنها".




رأى 34 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أنّ تلك الأحداث كانت ناجمة عن الانقسام في النخبة الحاكمة وتشبثها بالسلطة، بينما ربطها 21 في المائة آخرون بتباين رؤى الرئيس والبرلمان لقضايا الإصلاحات والتنمية الاقتصادية للبلاد.

وفي هذا الإطار، يعتبر كبير الباحثين في معهد علم الاجتماع التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أندريه أندرييف، أنّ أحداث عام 1993 تغيب شيئاً فشيئاً عن ذاكرة الروس، شأنها في ذلك شأن أيّ أحداث سلبية، كما ينشأ جيل جديد ليس على علم بها من أساسها.

يقول أندرييف، لـ"العربي الجديد": "وفقاً لنظريات سيغموند فرويد، فإنّ الوعي يتخلّص تدريجياً من الذكريات السلبية، وهذا ينطبق على عامة الشعب في ما يخص أحداث قصف البرلمان، وحتى مكانة الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) تتراجع في الذاكرة. أما الشباب، فلا يتصوّرون تلك الأحداث، لأنّ الحياة في روسيا اليوم تختلف كثيراً عنها في التسعينيات".

ولما كانت الأزمة الدستورية في روسيا في التسعينيات ناجمة عن الخلافات حول الإصلاحات وأساليب بناء الدولة الجديدة ما بعد السوفييتية، بين السلطة التنفيذية بقيادة يلتسين، والبرلمان برئاسة روسلان حسبولاتوف، يصف أندرييف قصف البرلمان بأنّه "عمل شنيع وغير قانوني"، من دون أن يعفي الجانب الآخر من المسؤولية لعدم طرحه أيّ برامج إيجابية من شأنها نيل دعم السكان، على غرار ما حدث خلال محاولة الانقلاب في تركيا في منتصف عام 2016. مع ذلك، يوضح أنّ الاستجابة المحدودة من القوات الخاصة لأوامر يلتسين سمحت بالحد من عدد الضحايا.

بالرغم من مرور 25 عاماً على تلك الأحداث، أسرار كثيرة ما زالت تخيم على "أكتوبر الأسود"، منها انتشار القناصة في محيط البيت الأبيض وسط نفي قادة الأجهزة الأمنية انتماءهم إليها. يتساءل أندرييف هنا: "لماذا يظهر قناصة مجهولون مثل هؤلاء في كلّ مكان تحدث فيه اضطرابات؟ ظهروا في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) عام 1991، وفي موسكو عام 1993، وفي سورية ومصر عام 2011".

تطورات دراماتيكية كثيرة شهدتها روسيا في أعقاب أحداث عام 1993، منها الحرب الشيشانية الأولى (1994 - 1996)، وتنامي نفوذ الأوليغارشية (أباطرة المال) بعد تركز رؤوس الأموال بين أيديها، وتعثر روسيا عن سداد التزاماتها المالية في أغسطس/ آب 1998، وصولاً إلى انسحاب يلتسين من المشهد السياسي وتسليمه السلطة ليلة رأس سنة 2000 للرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس الوزراء.

يصف أندرييف دور أحداث 1993 في المسيرة التاريخية لروسيا التسعينيات: "أطلقت تلك الأحداث أيدي من كانوا يوزعون الأملاك وسط تحول الدولة إلى أداة لتوزيع الثروات بين الأوليغارشية. لم تستعد الدولة دورها كحكم إلّا بعد انتخاب بوتين رئيساً عام 2000، وهي انتخابات تشكل نقطة انطلاق لإقامة النظام السياسي الحالي".




بدأت الأزمة الدستورية في روسيا في سبتمبر/ أيلول 1993، حين أصدر يلتسين المرسوم رقم 1400 "حول الإصلاح التدريجي للدستور" الذي كان من شأنه حلّ مجلس النواب والمجلس الأعلى لروسيا الاتحادية. وبعد تفاقم الأزمة وإعلان حالة الطوارئ في موسكو، جرى تفريق أنصار البرلمان وسط العاصمة الروسية باستخدام القوة في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1993، قبل أن تبدأ قوات الجيش بقصف مبنى البرلمان بالدبابات واقتحامه. وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل نحو 150 شخصا وإصابة أكثر من 300 آخرين بجروح، وفق البيانات الرسمية.

اعتقالات
على خلفية أحداث قصف البرلمان الروسي (البيت الأبيض)، في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 1993، جرى اعتقال رئيس البرلمان، روسلان حسبولاتوف، ونائب الرئيس الروسي، ألكسندر روتسكوي، بتهمة تنظيم أعمال الشغب، إلّا أنّ ملاحقتهما توقفت في فبراير/ شباط 1994 مع العفو الذي أقره مجلس النواب (الدوما) الوليد.