أقلام للإيجار ..

09 مايو 2014
+ الخط -
لو كان الكاتب والصحافي البريطاني الشهير، باتريك سيل، على قيد الحياة، ربما، بدأت، الآن، باستئذانه، أو بالاعتذار منه، لتحوير عنوان كتابه "بندقية للإيجار .. المناضلون في خدمة الموساد"، وهو كتاب مثير، صدر قبل أكثر من عشرين عاماً، وأرخ لسيرة صبري البنا (أبو نضال)، مؤسس وزعيم منظمة "فتح-المجلس الثوري" الذي عاش قاتلاً متخفياً، وتنقل بين عواصم عربية عدة، ثم مات مقتولاً متهماً بالانتحار، في بغداد عام 2003، من دون أن تنجلي الشبهات المحيطة بحياته، أو بموته.

لكن سيل مات هو الآخر، منذ نحو شهر، عن 83 عاماً، وترك وراءه رفوفاً من الكتب، جلها يحكي عن الشرق الأوسط، بشكل عام، وعن سورية إبان عهد حافظ الأسد، على نحو خاص، وفيها قصص ومعلومات، صارت مرجعاً للباحثين الغربيين في شؤون ما يُسمى الصراع بين العرب وإسرائيل. وفيها مواقف وآراء، جعلت صاحبها موضع تشكيك، في نظر نخب سياسية عربية معارضة، وظلت تغري بالحديث، أيضاً، عن "أقلام للإيجار".

مع ذلك، وللحق، فإن مؤلف "بندقية للإيجار"، قد لا يتبوأ، إن تبوأ، سوى موقع ثانوي في لائحة الكتاب والصحفيين العرب والأجانب الذين يقال إنهم وضعوا، في السبعينيات والثمانينيات، أولى اللبنات، في صرح علاقة، غير نزيهة، بين وسائل إعلام كثيرة خاصة وأنظمة الحكم في العالم العربي.

ومما يُروى، عن أولى إرهاصات هذه الظاهرة، أن صحافياً عربياً مرموقاً، كرس مجلته الأسبوعية، المهاجرة في عاصمة غربية، للهجوم المستمر على دولة خليجية، فما كان من قيادتها، إلا أن دعته لزيارة بلادها، وفيها أبرمت معه، صفقةً بمبلغ ضخم، ثم ترقبت مقالاته، ففوجئت بأنه لم يكتب شيئاً في مدحها، وحين أرسلت إليه، من يسأله، عن السبب، قال: دفعتم لي ما دفعتم، لأكُفَ عن انتقادكم، وإن أردتم مدحاً، عليكم أن تدفعوا مجدداً.

"بطل" تلك الحكاية، المعروفة في الأوساط السياسية والإعلامية، صار منذ زمن أيضاً في ذمة الله، وكذا معظم أقرانه من آباء المهنة القابضين، والذين سهلوا تدجين صحافةٍ، كانت تهاجر إلى لندن وباريس، بحثاً عن الحرية، غير أن ما فعله هؤلاء، لم يمت بموتهم، وإنما كبر وتضخم، مع تطور وسائل الاتصال، واختراع الإنترنت، وظهور التلفزة الفضائية.

في زمانه، كان صاحب القلم المؤجر للسلطة، يكتب مقالة، تشيد بمناقب الرئيس وحكمته، أو الأمير، أو الملك، فيتصفحها ألوف، أو حتى مئات قليلة، من القراء، بين مُصدقين ومُكذبين، ما يقول، ثم صار ورثة طريقته، في زماننا، يحتلون مساحاتٍ شاسعةً من الفضاء، ويتسللون عبره إلى ملايين البيوت، بخطابات سياسية، تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً.

لا يسألن أحد، هنا، عن الثمن الذي يتقاضاه هؤلاء، فهم ما عادوا اليوم مجرد أُجَرَاء، أو فرق إسناد ودعاية في حرب الحكام على شعوبهم، بل أمسوا جزءاً أصيلاً من بنية الاستبداد.. وإلا ما الذي يفسر تحالف قنوات فضائية، يملكها رجال أعمال، في مصر، مع ما يسمى الدولة العميقة، لإجهاض ثورة يناير، وما الذي يفسر، كذلك، مسارعة النظام السوري، فور اندلاع ثورة آذار، إلى الاستعانة بإيران، لتضخ الأموال الكفيلة بتحويل صحفيين موالين له، إلى رجال أعمال، يؤسسون قنوات فضائية وإذاعات ومواقع إنترنت ومراكز أبحاث ودراسات، لتشارك كلها في الدفاع عنه، ضد فتية، اختاروا أن يفتدوا حريتهم، وكرامتهم، بأرواحهم.

نجوم الإعلام الجدد، بات كثيرون منهم، إذن، في خدمة الحذاء العسكري، أو "البيادة"، كما يسميها إخوتنا المصريون. وليجلس من يود التيقن من ذلك أمام الشاشة، ويتنقل بين قنوات التلفزة الفضائية، ليرى ويسمع مذيعين، يتحدثون بلسانها، أي بلسان "البيادة" إياها، فيقترحون خططاً عسكرية، لفض الاعتصامات السلمية، ويتنادمون، مع نجوم فن، وممثلين، لا يتورع بعضهم عن المناداة بتكرار تجربة استخدام السلاح الكيماوي ضد المتظاهرين، ومن دون أن ينسى هؤلاء، وأولئك، اتهام من يخالفهم الرأي، ويقف مع البسطاء المسحوقين، بأنه يبيع وطنه بحفنة دولارات، ويشارك في المؤامرة الكونية ضد "القائد الضرورة". 
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني