أفغانستان: حرب "الفساد" تحسم صراع الرئيس وكرزاي

30 يناير 2016
كرزاي يسعى لإسقاط حكومة غني (getty)
+ الخط -

اتخذ الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني في الفترة الأخيرة، مجموعة قرارات ومشاريع قوانين مُررت بالفعل، أثارت حفيظة الكثير من رموز الحكومة السابقة وأمراء الحرب و"الجهاديين" السابقين ضدّ السوفييت، ما أتاح الفرصة للرئيس السابق حامد كرزاي، الذي فشل في إقناع الحكومة بالرضوخ إلى مطالبه، بأن يفتح جبهة ضدّ الرئيس غني لإسقاط حكومته عبر الدفع نحو عقد الاجتماع القبلي الموسّع "لويا جرغه" ثم تشكيل "جبهة وطنية".

اقرأ أيضاً: أفغانستان: الأحزاب "الجهادية" حصان حرب كرزاي على الرئيس

قضت القرارات والقوانين التي أقرّها غني، إلى حدّ ما، على سلطة هذه الشخصيات داخل الحكومة السابقة، وأدت إلى تجفيف منابع دخلها، فيما جرى فتح قضايا فساد واختلاس في حق بعضها. ومعظم القوانين تتمحور حول عناوين مكافحة الفساد وتعزيز صلاحياته على حساب الحكومة.

في المقابل، سعت الحكومة "بصمت" لتفكيك الجبهة المعارضة لها، وقد نجحت بذلك إلى حد ما، إذ استطاعت أن تحوّل البعض ممن وقفوا ضدها في البداية، إلى صف المدافعين عنها وعن سياساتها، وهذا ما أقلق الجبهة المعارضة التي يديرها كرزاي من الخلف.

واستغرق الرئيس السابق وأنصاره عدّة أشهر لتشكيل جبهة شاملة، تكون نواة لحركة شعبية تدعو لاجتماع "لويا جرغه"، بغرض تشكيل حكومة مؤقتة بدلاً من الحكومة الحالية، ثم الدعوة إلى انتخابات مبكرة. 

لكن قبيل الإعلان عن تشكيل الجبهة المعارضة، جرى خطف القائد الجهادي الشهير وزعيم جماعة الدعوة عبدالرب رسول سياف، فانقلبت خطط كرزاي رأساً على عقب، وأعلن الأول عن تشكيل الجبهة بهدف الوقوف إلى جانب الحكومة في مشروعها للمصالحة الوطنية، بدلاً من محاولة إسقاطها.

لم يحضر جلسة انطلاق جبهة "الحراسة والثبات" بقيادة سياف في الـ 18 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كرزاي ورموز حكومته والكثير من القادة المقرّبين إليه.

وأثار قلق معكسر كرزاي استراتيجية تلك الجبهة، التي تؤكّد على توجيه الحكومة إلى أخطائها والوقوف إلى جانبها لاسيما بخصوص المصلحة العامة للدولة.

وبما أن مصالح كرزاي ووزراء حكومته السابقة، باتت مهددة بالقوانين الجديدة وبسبب فتح ملفات تمت إدانة بعضهم فيها، بدأت مجدداً مساع لتشكيل تيار جديد ضدّ الحكومة، وانتهت إلى تشكيل جبهة جديدة مسماة باسم "الجبهة الوطنية". أُعلن عن تشكيل الأخيرة في 14 من الشهر الجاري بزعامة وزير المالية في الحكومة السابقة أنور الحق أحدي، وهو أحد أبرز قادة القوميين البشتون، والمقربين إلى الولايات المتحدة الأميركية.

ومن الملفات التي أُعيد فتحها، بنك كابول، الذي دين فيه أعضاء من أسرة كرزاي وبعض وزرائه بنهب مئات ملايين الدولارات وتهريبها إلى الخارج. إضافة إلى قضية ألاف المدارس التي كانت تصرف رواتب مدرسيها ومصاريفها في حكومة كرزاي ولم يكن لها وجود أصلاً. 

وتعمل "الجبهة الوطنية" من أجل هدف واحد هو إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة، بحجة أن حكومة غني غير شرعية وغير مجدية، لذا لا بد  من القضاء عليها.

وتضم الجبهة وزراء الحكومة السابقة وأمراء الحرب، وبعض رموز القبائل، وهي شخصيات ليس لها شعبية، بحسب مراقبين، خصوصاً أنها كانت في السلطة منذ 2001 وتحوم حولها شكوك بالفساد، ما يُضعف هذه الجبهة.

إضافة إلى ذلك، فإن فكرة تشكيل حكومة مؤقتة التي تطرحها الجبهة تفتح أزمة جديدة لا تتحملها البلاد، لاسيما أن أزمة الانتخابات بين غني ومنافسه في الانتخابات الرئاسية عبدالله عبدالله لا تزال ماثلة أمام الأفغان. فضلاً عن أنّ فكرة إجراء الانتخابات المبكرة غير واقعية في ظل ظروف أمنية صعبة، تثير التساؤلات حاول مستقبل البلاد.

في هذه الأثناء، أعربت قبائل أفغانية وأطياف سياسية عن خيبة أملها إزاء التحركات المضادة للحكومة عموماً، وإزاء ما تدعو إليه الجبهة الوطنية على وجه الخصوص، والتي رأوا أنّ مطالبها وأهدافها مبنية على مصالح شخصية.

في اليومين التاليين لإعلان الجبهة، رفضت منظمات اجتماعية وأطياف سياسية من خلال مؤتمرات وندوات فكرة تشكيل حكومة مؤقتة، وكل ما تدعو إليه الجبهة. كما نشطت الحركات القبلية ضدّ هذه التحركات.

وبهذا الخصوص، عُقدت اجتماعات قبلية في مناطق مخلتفة، منها اجتماع خوست المنعقد في الـ 16 من الشهر الجاري، والذي شارك فيه المئات من وجهاء القبائل وعلماء الدين. ولم يرفض الاجتماع فكرة إسقاط الحكومة فحسب، بل اتهم كل من يدعو إلى تشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات مبكرة بالعمل وفق أجندات أجنبية، واعتبر أنّ استخبارات أجنبية تموّل تلك الجبهات التي تعمل من أجل مصالح شخصية، على حساب مصالح البلاد.

وقال أحد شيوخ القبائل المولوي محمد سردار زدران، "إننا ندرك جيداً أن مثل هذه التحركات تمول من قبل استخبارات أجنبية، وأنها مؤامرة ضد بلادنا، لذا لن نؤيدها بل نقف في وجهها".

لكن ما خيب أمل الجبهة فعلياً هو بروز أصوات من داخلها تطالب بعكس ما تطمح إليه. ففي 18 من الشهر الجاري، أعلنت الحركة القومية البشتونية التي ينتمي إليها أحد زعماء الجبهة، براءتها من الأخيرة، وقال المتحدث باسمها عبد القيوم عارف، إن الحركة لا تدعم أي حركة مضادة للمصالح الوطنية، وإنها تقف مع الحكومة الأفغانية. 

كما دعا قيادي آخر في الجبهة هو المولوي قلم الدين، الحكومة إلى إجراء إصلاحات والاهتمام بالملفات الاجتماعية، بدون أن يلمح إلى فكرة الانتخابات المبكرة والحكومة المؤقتة. 

من جهة ثانية، يرى مراقبون أن تحركات الجبهة المعارضة للحكومة، تأتي بغرض إحباط مساعي المصالحة بين حركة "طالبان" والحكومة الأفغانية، إذ إن إفشال الحوار بحسبهم، يعبر عن رغبة قوى عالمية ومحلية. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى بروز معارضين للحكومة كلما لاحت في الأفق مساعٍ للمصالحة.

اقرأ أيضاً: حوار رباعي في باكستان لمعاودة المفاوضات الأفغانية وغياب "طالبان"