تعمل السلطات الأفغانية على الإفراج عن سجناء، في ظلّ أزمة كورونا خشية انتقال العدوى ووقوع كارثة صحية في سجون البلاد. لكنّ عمليات الإفراج تأتي بحسب معايير معيّنة تلحظ أوضاعاً مختلفة للذين يقضون محكومياتهم.
قضى نويد أحمد نحو عامين في سجن بغلان شمال أفغانستان. كان يتوقع البقاء ثلاث سنوات إضافية في السجن نفسه، ولكن حدث ما لم يكن يتوقعه. أُفرج عنه قبل الأوان ليس في مقابل رشاوى، بل خشية انتشار فيروس كورونا الجديد، الذي تحوّل إلى خبر سار لنويد وأسرته. يقول لـ "العربي الجديد": "سأعود إلى حياتي الطبيعية وأبتعد عن المحظورات. الحياة خلف القضبان أصعب إلى درجة لا يمكن وصفها في كلمات".
لم يُفرج عن نويد وحده من ذلك السجن، بل عن 70 آخرين كذلك قبل نحو أسبوعَين، من بينهم محمد نصير. الأخير شكر الرئيس الأفغاني أشرف غني لإصداره مرسوم العفو العام الذي خلّصهم من أعباء السجن وهاجس كورونا أيضاً. كان السجناء يشعرون بالقلق بسبب تفشي كورونا، على الرغم من قلّة المعلومات التي يعرفونها عن كورونا.
أهالي السجناء المفرج عنهم كانوا سعداء بدورهم. يقول محمد عمر كجوري، وهو من سكان مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار لـ "العربي الجديد": "لم أكن أتصور أنّ ابني محمد بريال، المدان بقضية سرقة، سيخرج من السجن بهذه البساطة. كان يفترض أن يبقى عاماً وشهرين في سجن مدينة جلال آباد، لكن أفرج عنه فجأة بعد صدور مرسوم من قبل الرئيس الأفغاني". يضيف كجوري: "أعمل فلاحاً في قريتي. كان ابني يعمل في محل تجاري في مدينة جلال آباد، وكانت العائلة تتكل على هذا الراتب للعيش. كان يتقاضى نحو عشرة آلاف أفغانية (نحو 130 دولاراً تقريباً). لكن وقعت سرقة في أحد المحال واتهم ابني بالضلوع فيها، علماً أنه كان بريئاً ما أدى إلى سجنه".
ليس السجناء والأهل وحدهم سعداء بهذه المناسبة، بل حتى المسؤولون في السجون أيضاً، لأنه سيخفف عنهم الأعباء خلال أزمة كورونا. ويقول مسؤول أمن إقليم بغلان نقيب الله يوسفي إنه شعر بفرح كبير بعد الإفراج عن السجناء من أجلهم من جهة، ولأن بقاءهم في السجن كان عبئاً ثقيلاً علينا، كما أنه يأتي استجابة لتوصيات وزارة الصحة. ومنذ إصدار الرئيس الأفغاني مرسوم العفو عن السجناء والإفراج عن عشرة آلاف سجين في 26 مارس/ آذار الماضي خشية تفشي كورونا، أفرج حتى الآن عن 3500 سجين في 33 إقليماً. يضيف أن عملية الإفراج مستمرة، ويُفترض أن تُستكمل خلال الفترة المقبلة.
في هذا الإطار، أعلنت إدارة السجون الأفغانية في الثاني من شهر إبريل/ نيسان الماضي أنّ السلطات المحليّة في الأقاليم، وكذلك في العاصمة، تحرص على أن يستفيد من هذا المرسوم كل من تكون مدة سجنه أقلّ من خمسة أعوام، علماً أنه يشمل النساء والأطفال والمسنين والمصابين بأمراض يصعب علاجها، على أن يستكمل الأمر خلال الأيام المقبلة. وكان الرئيس الأفغاني قد أصدر في 26 من شهر مارس/ آذار الماضي مرسوماً بإطلاق سراح عشرة آلاف سجين خلال عشرة أيام، خشية تفشي وباء كورونا. لكن على الرغم من مرور أيام على تلك المدة، لم يتم الإفراج حتى الآن إلا عن ثلث العدد، ما يشير إلى تباطؤ في عملية الإفراج، ويزيد الخوف من انتشار الفيروس بين السجناء، لا سيما وأن هناك إدعاءات بزج أعداد كبيرة في بعض السجون أكثر من قدرتها على الاستيعاب.
ويقول المتحدث باسم إدارة السجون عباد الله كريمي لـ "العربي الجديد": "يقدّر عدد السجناء بنحو 35 ألف شخص، ما يعني أنه لو أفرجت الحكومة عن عشرة آلاف، يبقى أكثر من 25 ألف سجين. وهناك تجمعات كبيرة في داخلها بسبب عدم وجود إمكانيات كافية، ما يثير المخاوف من إنتشار المرض بينهم، لا سيما وأن زيارات الأسر والأقارب ما زالت مستمرة في بعض السجون، علماً أن بعض سلطات الأقاليم منعت الزيارات.
من جهته يقول المتحدث باسم وزارة الصحة وحيد الله مايار إنه في الثاني من أبريل/ الجاري، اتخذت الحكومة إجراءات للحد من تفشي فيروس كورونا الجديد داخل السجون، موضحاً أن الوزارة، وبالتنسيق مع إدارة السجون، أطلقت حملة لفحص جميع عناصر الشرطة، إضافة إلى فحص السجناء. كما فرضت قيوداً على زيارة الأقارب للسجناء، إضافة إلى تعقيم السجون. ويذكر مايار أنّه في كل من العاصمة كابول وسجن باغرام الواقع في إقليم بروان، وفي إقليمي هرات وقندهار، خُصّص 100 سرير في كل إقليم للسجناء في المستشفيات التي تستقبل مرضى فيروس كورونا الجديد.
لكنّ احتجاجات السجناء الأخيرة في سجن بوليجرخي في كابول، وهو من أكبر السجون الأفغانية، وإضرابهم عن الطعام يشيران إلى ضعف في الإجراءات. وقد رصدت "العربي الجديد" في وقت سابق مشاهدها من داخل السجن، عندما وضع السجناء قطع الحديد في أفواههم احتجاجاً على تفشّي الفيروس والتباطؤ في تطبيق مرسوم الرئيس الأفغاني القاضي بالإفراج عن السجناء وضعف الإجراءات عموماً. ومع أنّ الاحتجاجات انتهت بتدخّل مسؤولين، فإنّ الوضع في داخل السجن متوتّر وقد يؤدّي من جديد إلى احتجاج وإضراب عن الطعام.
وقال أحدهم لـ "العربي الجديد" من داخل سجن بوليجرخي مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إنّ "السجناء في القسم الخاص لمكافحة المخدّرات بدأوا الاحتجاج والإضراب عن الطعام بسبب تفشّي كورونا وإصابة بعضهم، وقد امتدّ الاحتجاج والإضراب لاحقاً إلى جميع الموجودين في السجن". وأشار إلى "وفاة سجين بسبب كورونا لكنّ السلطات تخفي الأمر، فينا أخرجت عدداً من السجناء وهم مرضى تظهر عليهم أعراض الإصابة بالفيروس"، مؤكداً أنّ "ذلك يحصل في ظلّ عدم توفّر أدنى مستوى من الإجراءات لمكافحة كورونا". أضاف أنّ "ثمّة اكتظاظاً كبيراً داخل السجن، حيث يتجمّع في كل غرفة عشرة أو اثنا عشر من السجناء. كذلك فإنّ السلطات منعت أقارب السجناء من زيارتهم منذ شهرَين بذريعة إجراءات مكافحة كورونا، وهو ما ضاعف معاناة هؤلاء". وتحدّث السجين كذلك عن "عدم تطبيق مرسوم الرئيس الأفغاني بالإفراج عن السجناء بسبب تفشّي كورونا، باستثناء الإفراج عن البعض. وهو السبب الأساسي وراء الإضراب والاحتجاج، علاوة على سوء حالة الغذاء التي يُقدّم للسجناء".
أمّا عن أسرى حركة طالبان، فالجدال بشأنهم ما زال مستمراً. ورغم فشل عملية الحوار بين هيئة طالبان المخوّلة متابعة قضية الأسرى وبين الحكومة الأفغانية، فإنّ الأخيرة بدأت بإطلاق سراح أسرى الحركة وأفرجت حتى الآن في مراحل مختلفة عن 550 أسيراً بحسب أعمارهم ووضعهم الصحي وقضاياهم. لكنّ ذلك لم يرضِ الحركة التي اتهمت الحكومة بتعريض الأسرى إلى خطر كورونا من خلال العقبات الموضوعة في وجه عملية تبادل الأسرى. كذلك تشكو الحركة من أنّ السلطات مارست أنواعاً من العنف بحقّ أسرى الحركة في سجن باغرام. في المقابل تصرّ الحكومة على أنّ الإفراج عن جميع الأسرى مرّة واحدة أمر غير ممكن وغير واقعي، بالتالي لا بدّ من أن تقبل طالبان الآلية التي وضعتها بهذا الخصوص. ولا يبدو أن في الأفق بوادر للإفراج حالياً عن العدد الذي وافقت طالبان وواشنطن على الإفراج عنه وهو 5 آلاف سجين، في مقابل إفراج طالبان عن ألف سجين للحركة. يُذكر أنّ عدد أسرى طالبان في السجون الأفغانية يُقدَّر بنحو 13 ألف سجين.