أغاني الألتراس: من التشجيع الرياضي إلى الاحتجاج السياسي

القاهرة
7A068292-4EA5-4AA1-AD35-5D8A7ABAC4BB
ياسر غريب

كاتب مصري. حاصل على دكتوراه الألسن في الأدب العربي ونقده. من مؤلفاته: "استبداد التراث: قراءات صادمة في ثقافة الإلف والعادة"، و"ديوان شهاب الدين بن العليف المكي: تحقيق ودراسة"

08 فبراير 2016
9B7C339D-747F-4F35-A898-2ED63F198AB1
+ الخط -
الألتراس ظاهرة عالمية، ارتبطت بتشجيع عنيف ومنظم لبعض الفرق الرياضية. صارت لها أنماطها الخاصة ومبادئها الثابتة، وتتنوع إبداعاتها بين المنتجات الرياضية والتشكيلات الحركية والهتافات. أصبح لأغاني الألتراس جمهورٌ رياضي كبير، بل زادت الجماهيرية بعد أن تجاوزت تلك الأغاني الرياضية إلى السياسة.

بصورة غير رسيمة؛ أنشئت أول مجموعة ألتراس مصرية سنة 2007، لتشجيع النادي الأهلي، ألتراس أهلاوي، تبعه إنشاء "الوايت نايتس" لتشجيع الزمالك، تلاهما إنشاء روابط أخرى. غيرت تلك الروابط صورة ملاعب الكرة وأجواءها التقليدية، عبر الهتافات الحماسية التي لا تنقطع، وأغاني العشق للنادي. كما قدمت أغاني نقدية ولافتات تحذيرية وهتافات مسيئة للاعبين في أوقات الانتكاسات!

ويمكن تفهم نمط خاص من الإيقاعات الجديدة السريعة، التي استخدمت في تلحين تلك الأغاني لتناسب الكورال المكون من المشجعين الزاعقين بحماس شديد وفي صوت واحد، والمناسب للكلمات المباشرة الصادمة أيضاً، بحيث يعالج خلل الأوزان الشعرية الذي يتسرب إليها كثيراً. ولا يستخدم من أدوات موسيقية داخل مدرجات "الدرجة الثالثة" سوى الدفء. تحكي لنا كلمات إحدى أغاني ألتراس أهلاوي بدايات التشجيع ونوعه وأدواته: "المدرج حتة مني/ عرفت فيه طعم الحياة. المدرج حته مني/ فريقى هكون دايما معاه. معرفش كلمة: هي فرجة/ أوام بتخلص في ساعات. دى حياة هفضل عايشها/ لحد يوم.. يوم الممات. شمروخ بيولع/ جون بنفرح/ هى لحظة احتفال. حكومة تمنع/ إعلام بيشتم/ لا يوم شكينا/ عشان رجال. احبسونا وامنعونا/ البعد عن أهلي محال"



صدام الألتراس، والنظام والإعلام الموالي، له كان مبكراً، لدرجة أنهم أطلقوا على رجال الشرطة (ACAB) أي All Cops Are Bastards، أي: "كل رجال الأمن أوغاد". وهو ما دعا بعض الإعلاميين إلى شن هجوم على ظاهرة الألتراس، وتحريض الأمن ضدها. اللغة السوقية والمباشرة في هتافات الألتراس، وأغانيهم ضد النظام دعمت بقوة هذا الصدام.
وجدت روابط الألتراس 25 يناير فرصة سانحة للانضمام للثورة، وكانت مفاجأة سارة للمتظاهرين أن يجدو دخلات رياضية مميزة للألتراس إلى ميدان التحرير. أفاد أعضاء الألتراس المتظاهرين كثيراً في تنظيم الصفوف، ومواجهة الأمن والمرتزقة بصورة كبيرة.
وكان من أغانيهم الثورية: "قولنها زمان للمستبد/ الحرية جاية لابد. قالوا الشغب فى دمنا/ وازاى بنطلب حقنا. يا نظام غبى/ إفهم بقى مطلبي. حرية حرية حرية حرية. مِ الموت خلاص مبقتش اخاف/ وسط إرهابك قلبى شاف. الشمس هتطلع من جديد/ اسرق أمان خرّب بيوت. دا كان زمان وقت السكوت / الحلم خلاص مش بعيد. قال النظام: إيه العمل/ كده النهاية بتكتمل. افهم بقى/ ارحل بقى/ سقط الطاغوت. حرية حرية حرية حرية".



ومع سقوط نظام مبارك، وبداية حكم المجلس العسكري، لم يفوت الألتراس فرصة النيل من جهاز الشرطة، الخصم القديم، وكان انضمامهم للموجة الثورية الثانية في شارع محمد محمود حدثاً مهماً. أما في مباريات كرة القدم فكانت هتافاتهم ضد فساد الشرطة موجعة، ولا تخلو أغانيهم من ألفاظ جارحة، يصفها خصومهم بأنها "مبتذلة"، ومن أشهر أغانيهم التي ملأت المدرجات: "كان دايما فاشل في الثانوية/ يا دوب جاب 50 في المية. بالرشوة خلاص الباشا اتعلم/ وخد شهادة بـ100 كلية. يا غراب ومعشش جوا بيتنا/ بتدمر ليه متعة حياتنا. مش هنمشي على مزاجك/ ارحمنا من طلة جنابك".



ويتهم الألتراس المجلس العسكري الذي حكم البلاد بعد تنحي مبارك بتدبير مجزرة بورسعيد في أول فبراير/شباط 2012، انتقاماً من مشاركة الألتراس في ثورة يناير، وموقفه من الدولة العميقة ممثلة في الشرطة. وكانت المجزرة، التي راح ضحيتها 74 شاباً، وضرورة محاكمة المجلس العسكري محور بعض أغانيهم: "في بور سعيد ضحايا شافوا الغدر قبل الممات. شافوا نظام خير ما بين حكمه والفوضى في البلاد. كان فاكر حكمه يوم هيخليه في أعلى مكان. والشعب الثوري يركع للعسكر زي زمان. اطلق فى كلابك كمان/ والفوضى في كل مكان. عمري ماهديك الأمان/ ولا تحكمني يوم كمان. اه يا مجلس يا ابن الحرام/ بعت دم الشهيد بكام. لجل ما تحمى فى النظام/ اللي أنت منه كمان".

"الوايت نايتس" لم يسلم هو الآخر من مجزرة بشعة في 2015، حين دخلت مجموعة الوايت نايتس في صدام مع الداخلية ووقع من ضحاياه 22 مشجعاً وإصابة العشرات. وهو الذي قدم أغنية "حكاية ثورة" وفيها تأريخ لكل ما ألم بالثورة من أحداث، بدءاً من الانبهار بالثورة التونسية والتجمع في التحرير ثم جمعة الغضب ومعركة كوبري قصر النيل وهروب الشرطة وفرم مستندات أمن الدولة وأحداث محمد محمود، وغيرها. وفي ختام الأغنية : "والثوره مستمره/ فكره تطارد الطغاه. النضال هو عقيدتى/ هو ده طوق النجاه. أنا صوت الحق العالى/ اللى ما يعرف يوم خضوع. علم الحريه مرفوع/ والظلم ف وطنى ممنوع".



وفي فوضى الأحكام القضائية صدر في 2014 قانون يقضي باعتبار الألتراس جماعات إرهابية محظورة. متزامناً مع قرار بمنع الجماهير كافة من حضور المباريات، لكن صوت الألتراس كان أعلى من صوت القضاء المسيس والسلطة التنفيذية. فهم يشاركون في المظاهرات، ويتجمعون أمام الاستادات، ويتواصلون عبر الإنترنت. وكان الصوت المدوي لأغانيهم الأخيرة، حين سمح لهم بحضور تدريبات النادي الأهلي، مزعجاً للدولة العميقة، لدرجة مطالبة السيسي لقاء وفد من الألتراس للحوار بعد أن غنّوا في إستاد مختار التتش: "خافي منا يا حكومة/ جايين الليلة ناويين. شباب الثورة ولّعوها /... أم الظابط ع الأمين".



جميع أغاني الألتراس يتمُّ جمعها في أسطوانات مدمجة لكسب المزيد من الأعضاء، كما يعاد توزيعها موسيقياً بصورة أكثر فنية، حتى تتناقلها المواقع الإلكترونية والمنتديات. تفتقر ظاهرة الألتراس في مصر، حتى وقتنا هذا، إلى الدراسات المتخصصة التي تكشف عن أسرار الصدام المبكر لروابط المشجعين مع النظام، وتحوّلها بكل ثقلها من المسار الرياضي إلى المسار الثوري. كما تفتقر إبداعاتها إلى الاهتمام بالتحليل الفني والتوجيه النقدي.




اقرأ أيضاً: عام على مذبحة الدفاع الجوي: "#صرخة_العشرين... احنا مكمّلين"
المساهمون