أعوام الانتظار المخيفة

21 ابريل 2019
+ الخط -
أكملت فنجان قهوتي الصغير، وكنت قد وعدت نفسي أن أخرج وألتقي بالحالمين والغاضبين، وأضم صوتي لحناجرهم. كان الجميع يصرخون في تلك الساحة المراقبة والكئيبة: "ليسقط الفساد، ليسقط الاستبداد"، وأشياء كثيرة جميلة وموجعة.
الموت للخونة والانتهازيين الذين تلاعبوا بالأموال العامة ونهبوها وهربوها وراء البحر. في الوقت نفسه، نحن في أمس الحاجة لسرير في مستشفى أو لمقعد لتلميذ في قرية نائية ومنسية. وأمام هول الفساد واللامبالاة وغياب المحاسبة، تعاظمت النقمة وتضخمت أعداد المغتربين داخل الغيتوهات الممتلئة والموحشة، وازداد معها حجم المنبوذين والمضطهدين، والمحرومين من ثمار حركة الاقتصاد وبرامج السياسة.
ومن هول الأزمات والمحن التي مرت علينا، أصبحنا نعيش في مجتمع منهك، مفكك، ومن دون بوصلة أو أحلام أو مثل عليا.
ها قد وصلت القواعد الاجتماعية الشعبية وقطاعات واسعة من الطبقة إلى مرحلة الاكتئاب الشامل، وقاع اليأس، من جراء جمود العقل السياسي ومؤسسات الحكومة لغياب سياسة الحقيقة والإنصاف والعدالة والمساواة. سنوات بطيئة من الأكاذيب والمسرحيات والوعود المشينة، سنوات يمكن أن نطلق عليها حقا، أعوام الانتظار المخيفة.
الأعوام المرتبطة بأوجاع المجتمع العميقة وأمراضه الاجتماعية وخيباته النفسية المروعة والفشل الاقتصادي، إنه ليس فقط عربون نهاية أو فشل "النموذج التنموي" الذي لم يكن يوما نموذجا ولا تنمويا. وهذه هي الحقيقة المفجعة التي يتفاداها نادي المتنفذين والأبناء المدللين للعهد الجديد من سياسيين حديثي النعمة والتكنوقراط الكبار المحظوظين وعرّابي السلطة وأثرياء الصفقات المشبوهة وتجار الانتخابات المزورة الملغومة وتلاميذ الافتراس المالي والاقتصادي الذين وضعوا البلاد في لائحة الفشل والعار.
إنه دليل اندثار نهاية أساطير الاستثناء والاستقرار والأمن والإجماع. نعم هناك إجماع مفروض ومزور، يقتل حس الاختلاف ويحد من الآمال الشعبية، ويجعل من السياسة لعبة مغلقة تمنح الثراء والمنافع، وكل أشكال التواطؤ والامتيازات، وتقديم رشوة لمرتزقة النشاطات المدنية وبيادق التلاعب والتضليل الإعلامي، ممن هم جاهزون للمتاجرة في كل شيء، وهم في ذلك أشبه بالجنود المأجورين وعصابات الليل التي لا تعرف الإيمان أو الرحمة.
avata
avata
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)