عنف يومي في العراق: محاولات ضبط الحدود والسيطرة على المليشيات ترتد على الأمن

29 يوليو 2020
أعمال عنف يومية في العراق(محمود صالح/فرانس برس)
+ الخط -

تسجّل المحافظات العراقية تصعيداً واضحاً بأعمال العنف، أخذ يقترب من قلب العاصمة بغداد، التي تعيش حالياً وضعا مربكاً في ظل تزايد الهجمات المسلحة وأعمال القتل والخطف وعودة التفجيرات، فضلاً عن استمرار استهداف المقار الأميركية بالصواريخ من قبل الفصائل المسلّحة المرتبطة بإيران.
ويشير مراقبون إلى سرعة تصعيد العنف بعد العملية التي نفذتها قوة خاصة بأمر مباشر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، باعتقال 14 عنصراً من مليشيات "حزب الله" العراقي المرتبط بإيران، ومن ثم خطواته لضبط الحدود، الأمر الذي تسبب بردة فعل من تلك الجهات والأحزاب المرتبطة بها، لإرغام الكاظمي على التراجع.
وأقدم رئيس الوزراء أخيراً على خطوات للسيطرة على أمن البلاد وثرواتها، وقد أجرى تغييرات شملت عدداً من القيادات الأمنية، لكن التراجع الأمني بات محرجاً له.

وعقد الكاظمي، اليوم الأربعاء، اجتماعاً هاماً مع رئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق أول الركن عبد الوهاب الساعدي. ووفقاً لبيان صدر عن مكتبه، فإن "الاجتماع بحث الأوضاع الأمنية في البلاد ومضاعفة الجهود المبذولة لبسط الأمن والاستقرار، وملاحقة العصابات الإجرامية التي تنفذ جرائم الخطف والقتل وكذلك تعقب خلايا داعش الإرهابية".
من جهته، حذّر المتحدث باسم مكتب القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في تصريح صحافي، الأجهزة الأمنية من خطورة الوضع، قائلاً إن "بقايا تنظيم داعش موجودة، وتمثل خطراً، وإن هذا الخطر دفعنا لتنفيذ عمليات نوعية واستباقية". 
وأكد أنّ "القوات الأمنية والاستخبارية تعمل على متابعة وملاحقة بقايا التنظيم"، مستدركاً "لكن على القوات الأمنية أن تتعامل بحذر وبشكل دقيق، وأن تستمر بفرض الأمن وعدم منح الإرهاب أي فرصة لتنفيذ خططه".
في السياق، رأت قوى سياسية أن التصعيد الأمني ناتج بجزء منه عن الخلافات السياسية، وأن بعض الأطراف تسعى لإسقاط حكومة الكاظمي من خلال تصعيد العنف.

رأت قوى سياسية أن التصعيد الأمني ناتج بجزء منه عن الخلافات السياسية وأن بعض الأطراف تسعى لإسقاط حكومة الكاظمي

وقال النائب علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن "التصعيد الأمني واضح، ويقابله ضعف بالإجراءات الأمنية"، مبينا أن "جهات سياسية تعمل بجهد من أجل إسقاط حكومة الكاظمي، من خلال تصعيد العنف وإظهار ضعف الحكومة بالتصدي له والحد منه، ساعية لتأجيج الوضع في البلاد".
وأشار إلى أن "بغداد باتت في دائرة خطر أعمال العنف المتصاعدة، كما أن المحافظات أيضاً ضمن دائرة الخطر"، داعياً رئيس الوزراء إلى "اتخاذ قرارات باستبعاد المسؤولين الأمنيين المشكوك بتبعيتهم وارتباطهم بجهات سياسية وحزبية، لأن هؤلاء يعملون لصالح أحزابهم وتنفيذاً لأجنداتها". وأكّد أن "الكاظمي شخّص هذه الحالات، لكن عليه الإسراع بتطهير المؤسسة العسكرية من هؤلاء".
أما حاكم الزاملي، وهو رئيس لجنة في البرلمان السابق، فقد حذّر من خطورة الوضع الأمني الذي يتجه نحو التدهور، داعياً إلى اتخاذ إجراءات حازمة للسيطرة عليه.
وقال الزاملي، لـ"العربي الجديد": "هناك ارتفاع بأعمال العنف والجريمة المنظمة، ونشهد هجمات نوعية تنفذ في عدد من مناطق البلاد، وقد خسرنا قائدين كبيرين، يقابلها عدم وجود رادع من قبل القوات الأمنية أو خطط تحد من هذا العنف الخطير، وذلك يؤشر إلى خلل في الجهد الاستخباري، بشكل عام، فضلاً عن عدم الاهتمام وعدم الجدية باعتماد خطط وإجراءات للحد من تلك الأعمال المتزايد".
وأشار إلى أن "الوضع يعود إلى مرحلة ما قبل عام 2014، وأن البلاد تحتاج إلى قائد عسكري يستطيع أن يشخص الخلل ويعالجه"، مشدداً على أنه "لا يمكن فصل الملف الأمني عن السياسي، فالعراق ساحة صراعات، وهناك أحزاب متصارعة في ما بينها، والكل يحاول أن يكون له نفوذ ووجود وأجندات خاصة".
وطالب الحكومة بـ"مراجعة خططها الأمنية والعمل على فرض هيبة الدولة داخل العاصمة والمحافظات، واستخدام القوة بملاحقة خلايا داعش وعدم تركها تتفاقم"، محذراً من أنه "إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فسنواجه وضعاً أمنياً سيئاً في مناطق البلاد".

وتسجّل المحافظات العراقية أعمال عنف يومية، تصاعدت أخيراً، كما أن العنف بات يهدد بغداد بشكل واضح، من خلال تنفيذ الهجمات وتفجير العبوات وغيرها.
مراقبون اعتبروا أن التصعيد هو ارتداد عكسي لإجراءات الكاظمي ببسط نفوذ الدولة على المليشيات والحدود. وقال الخبير بالشأن الأمني عدنان العلكاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "تصعيد أعمال العنف تزامن مع خطوات اتخذها الكاظمي من خلال محاولة فرض سلطة الدولة على بعض الفصائل المسلحة، ومنها حزب الله، وخطواته بالسيطرة على المنافذ الحدودية، ما انعكس على الملف الأمني". وأشار إلى أن "تلك الفصائل التي تنشط بالعراق والتي ترتبط بها أحزاب متنفذة، مرتبط أغلبها بإيران، حركت الملف الأمني، من خلال أعمال العنف".
ولفت إلى أنّ "الوضع خطير، ولا سيما أن تلك الجهات أسست خلال سنوات لها نفوذاً قوياً ينافس قوة الدولة، ما يعني أنها ستدفع باتجاه التصعيد لإفشال خطط الكاظمي"، معتبراً أن "ضغوطاً أمنية كبيرة سيواجهها الكاظمي، وأن تلك الجهات تعمل حالياً لإرغامه على التراجع عن أي خطة نفذها أو يفكر بها".