لم تتوقف الحكومة العراقية منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن إصدار قرارات إعادة عشرات آلاف المواطنين إلى وظائفهم أو ما يعرف بالعقود المفسوخة، وكذلك توظيف آخرين، ضمن إجراءات لتهدئة التظاهرات الغاضبة من تردي الظروف المعيشية وانتشار الفساد، إلا أن برلمانيين وخبراء اقتصاد حذروا من أن هذه القرارات بمثابة أعباء مؤجلة للعراقيين، إذ ستتم إضافة كلفتها إلى موازنة الدولة المثقلة بالعجز في الأساس.
وأمس الاثنين، أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في بيان، عن إعادة مئات المفصولين إلى وظائفهم. وتعتبر الحكومة أن غالبية المتظاهرين، خرجوا للمطالبة بالحصول على وظائف، ما دفعها إلى فتح باب التوظيف بدون خطة عمل وفقا لمسؤول عراقي تحدث لـ"العربي الجديد".
وتستنزف رواتب الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بمرتبات الرعاية الاجتماعية، الذين يتجاوز عددهم 10 ملايين شخص، أكثر من نصف موازنة البلاد العامة بما يعادل 49 مليار دولار سنوياً، وفق البيانات الرسمية.
وقال المسؤول إن الوظائف التي جرى الإعلان عنها، هي بالأساس لجنود وعناصر أمن بوزارتي الداخلية والدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب، اعتبروا مفصولين منذ عام 2014 بسبب انسحابهم من أمام تنظيم "داعش"، بعد اجتياحه مناطق واسعة من البلاد وإلقاء أسلحتهم، وتم استبدالهم بآخرين.
ولفت المسؤول إلى أنه تم أيضا تثبيت أصحاب عقود مؤقتة وعاملين بأجر يومي في وزارات الكهرباء والتربية والبلديات وهيئات أخرى، مؤكدا أن مجموعهم يصل إلى نحو 150 ألف وظيفة جديدة لا يقل مرتب أقلها درجة عن 450 ألف دينار (400 دولار) شهريا.
وتابع " قرارات التوظيف جاءت دون تخطيط، ما يجعل هناك تضخماً في أعداد الموظفين بالقطاعات الحكومية المترهلة بالأساس وكذلك صفوف القوات المسلحة، بينما كانت هناك توصيات سابقة بضرورة تنشيط القطاع الخاص واستقدام الشركات".
وكانت الحكومة، قد أعلنت الشهر الماضي عن إعادة نحو 108 آلاف شخص من المفسوخ عقودهم إلى وزارة الدفاع، كما أعلنت وزارة الداخلية عن إعادة نحو 38 ألف آخرين وهو الأمر ذاته لجهاز مكافحة الإرهاب وهيئة "الحشد الشعبي"، ووزارات أخرى.
لكن حسين عرب، عضو اللجنة المالية في البرلمان قال لـ"العربي الجديد"، إن "جميع الوظائف المعلنة في الأسابيع الماضية سيتم إضافة تكاليفها إلى موازنة العام المقبل 2020 وبالتالي سيكون هناك مخصصات إضافية للتشغيل".
وأضاف عرب: "سيكون هناك عبء، لكن نأمل ألا يكون كبيراً، خاصة أن الحكومة قامت في المقابل بتخفيض امتيازات الرئاسات الثلاثة والبرلمان والدرجات الخاصة وإلغاء امتيازات أخرى كانت تكلف الموازنة مبالغ كبيرة.
وحول العجز المتوقع في موازنة العام المقبل قال عضو اللجنة المالية في البرلمان " لن يقل عن 27 تريليون دينار (23 مليار دولار)".
إلا أن أحمد الكناني، عضو البرلمان، قال لـ"العربي الجديد" إن "إطلاق الدرجات بهذا الكم الهائل سيصيب الموازنة بثقل كبير، وسنشهد عجزا أكبر، مضيفا: "كان على الحكومة العمل بدراية، وألا تلجأ إلى القرارات الارتجالية التي تتسبب في أزمة مالية بالمستقبل".
بدوره، قال باسم أنطوان، الخبير الاقتصادي، إن إيرادات الدولة ثابتة ولم تتغير، بينما هناك ارتفاع كبير في المصروفات، في حين حملت الحكومة الموازنة بمبالغ ضخمة من خلال الرواتب الجديدة، مضيفا: "ستكون هناك مشاكل، والدولة عليها أن تعلم أن الخطوات الترقيعية لا تجدي".
وتابع أنطوان "الديون على العراق حاليا تبلغ نحو 130 مليار دولار والقرارات المبنية على غير دراسة أو دراسة لا جدوى منها"، مؤكدا أن اللجوء إلى القطاع الخاص هو الملاذ الوحيد من المأزق الحالي ولا سبيل آخر غيره.
ويشهد العراق، منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول، موجة احتجاجات متصاعدة مناهضة للحكومة هي الثانية من نوعها بعد أخرى سبقتها بنحو أسبوعين. وكان المحتجون قد طالبوا في بداية التظاهرات بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومكافحة الفساد المستشري في أجهزة الدولة المختلفة، قبل أن يرفعوا سقف مطالبهم إلى إسقاط الحكومة، إثر استخدام الجيش وقوات الأمن العنف المفرط بحقهم.