أطلقوا "عاصفة حزم" ضد إسرائيل
تغفل مثل هذه الردود، والتعليقات، لو افترضنا حُسن النية، عن أن المقالة التي تعالج، في المعتاد، حدثاً، أو شأنا معيناً، ليست كتاباً بحثياً مرجعياً شاملاً، ينبغي أن يتناول، أيضاً، كل الشؤون المحيطة به. وفي المقالة التي أثارت الجدل، كان محور التحليل يدور، أساساً، حول ما خلّفته المتغيّرات السعودية من أجواء تفاؤل بعاصفة حزم تقتلع نظام بشار الأسد، لا حول موقف الكاتب من الاحتلال الإسرائيلي، وما إذا كان يتمنى حرباً عربية، لاقتلاعه، أو لا. واستطراداً قد يقفز، إلى واجهة النقاش، سؤال بسيط، هل ينبغي على الكاتب السياسي الفلسطيني أن لا يكتب سوى عن فلسطين، وأن يعود، في كل مرة يكتب فيها عن أزمة عربية أخرى، إلى تبرئة ذمته، وإعلان موقفه ضد إسرائيل واحتلالها؟
في الجواب البديهي، يكفي أن تقول هنا، إن "لكل مقام مقالاً"، لكي يفهم أصحاب النيات الحسنة، ويدركوا متأخرين، ما لم ينتبهوا إليه ابتداءً، بينما لن تنكفئ الردود والتعليقات التي تطفح بسوء النية، بل بـ"التشبيح"، والتي يتلطى أصحابها خلف يافطة فلسطين، ليعارضوا أي موقف ضد طاغية، مثل بشار الأسد، بعدما قتل نحو ربع مليون مواطن من شعبه، فضلاً عن تشريده ملايين في أصقاع الأرض. ومن ذلك، مثلاً، قول أحدهم: "لماذا هذا الحقد على سورية؟ العدو الصهيوني هو عدوكم، أيها الفلسطينيون. ما بالكم تنسون هذا؟ لماذا تتدخلون في شؤون دول أخرى، وانتم لاجئون مشردون بلا وطن؟". على أي حال، لو كان الأمر بيد العبد الفقير إلى رحمة الله، لقلت من فوري: هيا، أطلقوا عاصفة حزم ضد إسرائيل. اقتلعوها، مع الطغاة ومجرمي الحرب في اليمن وسورية. اضربوا، أيضاً، نظام عبد الفتاح السيسي الذي ينكّل بشعبه، كما يشارك الإسرائيليون حصار غزة، ولا تنسوا العراق من عاصفة مماثلة، تضع حداً لمعاناته من تكالب العصابات الحاكمة والقوى المتطرفة عليه، ثم التفتوا، من غير تأخير، إلى ليبيا، لكي تفرضوا فيها الأمن والاستقرار، لكن الأماني شيء، والواقع شيء آخر. لا أمل، الآن، ولا أفق، في المدى المرئي، لنهوض عربي قادر على مواجهة إسرائيل، حرباً، وإذا كان هناك ما يمكن الحلم به، بعد التغيير في السعودية، فليس أكثر من عاصفة حزم سياسية، تلغي "مبادرة السلام" العربية التي ثبت عقمها، وتربط المصالح الخليجية مع دول الغرب، بمواقف هذه الأخيرة من العدوان الإسرائيلي، وترفع مستوى دعمها لصمود الفلسطينيين على أرض وطنهم. مع ذلك، وإلى جانبه، يظل الأمل قائماً بركلات حزم، تساعد على انتصار الثورة في سورية، وتُكفّر فيها السعودية، ربما، عن أخطاء الماضي حيال الربيع العربي، وتُقدم، وإن بصورة غير مباشرة تماماً، خدمة لا تخطئها البصيرة، لقضية فلسطين.