صار أطفال ألمانيا يسألون عن معنى الاندماج. ماذا تحمّلهم هذه الكلمة؟ هذه مسؤوليتهم تجاه الأطفال السوريّين، الذين يحتاجون إلى من يمسك بأيديهم
تؤثّر الأحداث العالمية على أطفال ألمانيا، وتطرح على أهلهم ومدرّسيهم أسئلة صعبة. كيف يشرحون مصطلح الاندماج أو الحرب؟ وهل يمكن أن تشهد ألمانيا هجوماً إرهابياً؟
في هذا الإطار، يعربُ بعض الأهالي عن قلقهم بسبب ما يدور في أذهان أطفالهم من أسئلة لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة. فيما يرى آخرون أن هذا أمر طبيعي، وخصوصاً أن الطفل غير معزول عن العالم، ولا يجب أن يكون كذلك. لكنه يشغل الأطفال زملاءهم الجدد. في السياق، يقول شتيفتان، الذي يعمل في قسم الشرطة، إن طفله الوحيد يسأله أسئلة يكون عاجزاً عن الإجابة عليها في بعض الأحيان. يقول: "في إحدى المرات، كنت وزوجتي نتحدث عن اللاجئين السوريين، فسألني ابني عن معنى كلمة الاندماج، التي تتكرر في المدرسة. يقولون لنا إنه علينا أن نندمج مع الأطفال السوريين الجدد".
من جهته، يشير آخر إلى أن "أطفالي يسألونني دائماً عن الحرب. هل حقيقة أن ما يحدث في سورية حرب؟ أو يسألون عن معنى الحرب الدينية". وتجدر الإشارة إلى أن قناة "كيكا" الألمانية المخصّصة للأطفال تسعى إلى تقديم الأخبار السياسية بطريقة مبسطة، من دون أن تنجح دائماً، وخصوصاً حين تكون الأمور معقدة.
إلى ذلك، يتمنى بعض الأهالي أن يترك الأطفال الصغار على سجيتهم، وخصوصاً أنهم قادرون على الاندماج من دون الحاجة إلى وضع خطط واستراتيجيات، لافتين إلى أن كثرة التوجيهات قد تزيد الأمور تعقيداً ولا تسهّل المهمة. في السياق، يلفت أحد مدراء المدارس في تورنغن، لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية توضيح الصعوبات التي تواجه المدرسة والمدرسين للأطفال الألمان، في ظل وجود أطفال سوريين لا يتقنون اللغة الألمانية. ويقول: "على أطفالنا التحلي بالصبر في حال كرر المدرس أمراً واضحاً بالنسبة إليهم. وعلينا ألّا ننسى أن كثيرين من الأطفال السوريين كانوا قد انقطعوا عن الدراسة".
يلفت خبراء إلى وجود تفاوت في تفاعل الأطفال الألمان مع السوريين. هناك أطفال فضوليين يرغبون في التعرف على السوريين والتقرّب منهم وبناء صداقات معهم. في السياق، توضح المعالجة النفسية كراتس مولر، لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من أن الاندماج بين الأطفال يعد الأسهل بسبب مرونة عقولهم وقدرتهم على تعلّم اللغة بسرعة، لكن علينا ألا ننسى أن الأطفال السوريين قدموا من حرب. بالتالي يجب أن نولي عملية إعادة تأهليهم أهمية كبرى. من جهة أخرى، لا يعرف الألمان ما عاشه أقرانهم. بالتالي، نتحدث هنا عن مستويين مختلفين من التجارب والمعاناة. هؤلاء ليسوا أطفالاً من ثقافتين ولغتين مختلفتين فقط، بل مختلفتين جداً. علينا ألا نطالب الطفل السوري بالاندماج مع الألماني، وهو ما زال يحلم بالصواريخ والقذائف".
يتبادلون تجاربهم
تقول مدرّسة الرسم في إحدى المدارس الألمانية كاترين هيوشل، إن "الأطفال السوريين منفتحون على الألمان، ولديهم رغبة حقيقية في التواصل معهم. كذلك، لديهم ميل للضحك والثرثرة، ما قد يعيق العملية التعليمية أحياناً، إلا أنهم مهذبون". وإلى الأطفال أنفسهم، يبدو أن ديما وكارول نجحتا في أن تصيرا صديقتين. تقول ديما إن كارول أمسكت بيدها منذ يومها الأول في المدرسة، وجلست إلى جانبها وضحكت لها عندما تكلمت باللغة العربية.
من جهتها، توضح كارول أن المدرّسة طلبت منها الجلوس إلى جانب ديما، والتحدث معها بروية. ومع الوقت، شعرت بمسؤولية ومحبة تجاه ديما". هكذا، صارت كلمات مثل المسؤولية والواجب والمحبة والتعاطف تتكرر بين الأطفال الألمان. أيضاً، بادرت طفلة ألمانية إلى إهداء صديقتها السورية كيس السكر المشهور في ألمانيا. وتقول لـ"العربي الجديد": "التحقت ربى بالمدرسة بعد مرور بعض الوقت، وفاتها الحصول على كيس السكر. أخبرت أمي واتفقنا على أن نشتري لها كيساً خاصاً". تجدر الإشارة إلى أن كيس السكر يوزع في ألمانيا في بداية كل عام دراسي. من جهته، يقول مايك: "كنت ألاحظ أن مازن يجلس وحيداً لوقت طويل. أردت أن أقترب منه، وكان لديّ فضول لأعرف ما حدث معه في سورية، فدعوته إلى منزلنا".
يبدو أن العلاقات التي تنشأ بين الأطفال تشجّع الأهل على التعارف. وتوضح كلوديا، وهي أم لفتاتين: "في الحقيقة، تجد ابنتي صعوبة في حل وظائفها لوحدها. وبعدما صادقت طفلاً سورياً، صرت أدعوه إلى المنزل لتشجيع ابنتي على الدراسة. ومع الوقت، نشأت صداقة بيني وبين والدته".
في هذا السياق، توضح سوريات أن الألمانيات كثيراً ما يدعون أطفالهم إلى منازلهم، ويحرصون على معرفة جميع التفاصيل الخاصة بطعامهم وغيرها. رسوم متحرّكة يرى بعض الأطفال أن الاندماج مع أقرانهم السوريين قد يتحقق من خلال معرفة السوريين لشخصيات الرسوم المتحركة الأشهر. على الأقل، هذا ما تلاحظه إحدى المدرسات. تضيف: "عندما قدِمت مجموعة من الأطفال السوريين إلى صف الروضة، وبدأوا بالبكاء، قدّمت ساندي، التي لم تتجاور السنتين من العمر، لعبتها ساند مان إليهم ليتوقفوا عن البكاء". وتلفت إلى أن "مشاهدة الرسوم المتحركة نفسها، أو اللعب بالألعاب نفسها يساهم في تعزيز الاندماج".
من جهة أخرى، أثارت هجمات باريس الأخيرة حالة من الخوف الحقيقي لدى الأطفال، وخصوصاً بعد تهديدات عن إمكانية حدوث ذلك في ميونخ. في هذا السياق، تقول المدرسة كريستين باوخ، لـ"العربي الجديد": "بذلنا جهداً كبيراً بعد هجمات باريس لطمئنة الأطفال في المدارس بأن شيئاً من هذا القبيل لن يحدث في ألمانيا. لكننا في الوقت نفسه، نريد أن نعطي الأطفال الحرية للتعبير عن مخاوفهم ومحاولة علاجها وبالتالي مساعدتهم. إلا أن الأمر سيزداد تعقيداً في حال كان هناك مشتبهاً به على غرار ما حدث في باريس". وتتطرق إلى مشكلة أخرى، وهي أن بعض المواطنين ذوي الميول النازية يشاركون أطفالهم آراءهم وأفكارهم، ما يزيد من صعوبة التقريب بين الأطفال.
اقرأ أيضاً: كيس السكّر.. سرُّ تعلُّق الألمان بالمدرسة