أطفال ونساء السويداء يتدرّبون على استخدام السلاح

19 سبتمبر 2018
"داعش" خطف 19طفلاً في السويداء(عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -
عقب هجوم تنظيم "داعش" الإرهابي الذي خلّف عشرات القتلى في محافظة السويداء، بدأ الجميع من أطفال وشبان ونساء يتدربون على استخدام السلاح للدفاع عن أنفسهم من أي اعتداء للتنظيم، وهذا ما يحصل فعلاً

من يزور محافظة السويداء قد يظنّ أنّ الحياة عادت إلى طبيعتها. الحركة في النهار طبيعية والأسواق تكتظّ بالناس والمدارس تستقبل تلاميذها. لكن، يختلف الأمر عند منتصف الليل، ويمكن لمن يتجوّل بين شوارع المدينة والقرى أن يلاحظ استنفار الأهالي وانتشار مجموعات حماية ذاتية من السكان المحليين، بينهم أطفال من أعمار مختلفة يحملون أسلحة نارية، ويراقبون حركة السيارات والمارة، خوفاً من تسلل جديد لعناصر تنظيم "داعش" الذي ارتكب مجزرة بحق مئات المدنيين في 25 يوليو/ تموز الماضي، ما أجبر الأطفال والنساء على حمل السلاح لحماية أنفسهم.

تفيد مصادر محلية من السويداء "العربي الجديد" بأنه "عقب هجوم داعش، والذي تسبب بسقوط أكثر من 250 قتيلاً إضافة إلى عدد أكبر من الجرحى، وخطف 30 مدنياً بينهم 19 طفلاً، أصبح لدى الأهالي توجه عام لاقتناء السلاح وتعلم استخدامه بهدف حماية أنفسهم ضد أي هجوم قد يشهدونه خلال الفترة المقبلة". وتوضح أن "هذا الأمر شمل الأطفال والنساء، خصوصاً أن الرجال يكونون بعيدين عن منازلهم لساعات طويلة، ما يؤمن حماية عائلاتهم، حتى أن بعض البلدات في الريف دربت نساء بشكل منظم، وقسمتهن إلى مجموعات لحماية القرى في حال حدوث أي هجوم جديد".

يقول مازن (16 عاماً)، وهو تلميذ في الصف الأوّل الثانوي، لـ "العربي الجديد": "لم يكن أبي يسمح لي سابقاً أن أحمل البندقية أو المسدس. لكنّه علمني كيفية استخدامهما مع إخوتي ووالدتي حتى نستطيع الدفاع عن بعضنا بعضاً، فلا نموت ذبحاً أو نخطف من قبل الإرهابيين". يضيف: "بدأت أخرج مع شبان في الشارع الذي أسكنه وننظّم أنفسنا في إطار مجموعات حراسة دورية، لتأمين الحماية وعدم تسلل أي من الدواعش"، لافتاً إلى أنّ عدداً كبيراً من أصدقائه يشاركون في حراسة مناطقهم. أولئك الذين لم يكن لديهم سلاح عمدوا إلى شرائه، وأصبح لدى بعض العائلات أكثر من قطعة سلاح.

يرى مازن أنّ "البلاد لم تعد آمنة، ويجب على الرجال والنساء تعلّم كيفية استخدام السلاح كي لا نقتل غدراً". اليوم، ما زال ينزل مع الشبان إلى الشارع ويقف على الحاجز، لكن ليس لساعة متأخرة لأن عليه الذهاب إلى المدرسة.



من جهتها، تقول حنان (46 عاماً)، وهي أمّ لأربعة أولاد، لـ "العربي الجديد": "طوال السنوات الماضية، لم نشعر يوماً بأننا في حاجة إلى حماية أنفسنا. كنّا نعيش بأمان، على الرغم من أنني أقطن قرية حدودية. لم يسبق أن هاجمنا أحد، لكن اليوم، لم أعد أشعر بالأمان، خصوصاً أن زوجي مغترب خارج البلاد. في القرية، المنازل متباعدة، فقد نذبح قبل أن يصل إلينا أحد إخوتي أو أقاربي. لذلك، اشتريت قطعتَي سلاح، وصار شقيقي يدربني مع أبنائي على استخدامهما".

وتلفت إلى أنها "واحدة من بين كثيرات تعلّمن استعمال الأسلحة، حتى أن بعضهن تعلّمن رمي القنابل اليدوية". تضيف: "أصبح امتلاك السلاح الهمّ الأكبر لدى شريحة واسعة من المجتمع، وقد باعت عائلات بعضاً من أثاث منازلها لشراء السلاح. هناك شعور كبير بفقدان الأمان".
تتباين ردود الفعل المتعلّقة بانتشار السلاح بيد المدنيين بشكل عشوائي، وظاهرة لجان الحماية الذاتية في المدن والبلدات. يقول قصي (24 عاماً)، وهو طالب جامعي وناشط مدني، لـ "العربي الجديد": "المحافظة تعاني قبل هجوم داعش بسبب انتشار السلاح العشوائي. واليوم، تفاقم الوضع، في ظل حمل السلاح من قبل الأطفال والشباب غير الخاضع لدورات عسكرية، الأمر الذي قد يشكّل خطراً في المستقبل على الأمن داخل المحافظة. ويستخدم السلاح في أي شجار قد يقع بين مسلحين". يضيف: "لا ينقص المجتمع المزيد من العنف، خصوصاً الأطفال الذين أعتقد أنهم الأكثر تأثراً. أصبحنا نجد أطفالاً دون الثامنة من العمر يحملون أسلحة بلاستيكية، ويتحدثون عن قتال داعش والقتل والذبح. كل ما أخشاه أن يتحول الأمر إلى ثقافة لدى الجيل المقبل"، لافتاً إلى أنّه "ما من مشكلة في تدريب النساء البالغات، لكن تدريب الأطفال سيكون له تأثير سلبي في تكوينهم النفسي".

أما عامر (32 عاماً)، الذي يعمل في مجال التجارة، فيقول لـ "العربي الجديد": "أثبتت التجربة أنّه علينا جميعاً إتقان استخدام السلاح، صغاراً وكباراً، وحتى النساء لكي نحمي أنفسنا، طالما هناك إرهابي واحد في سورية". الطفل دانيال مقلد (14 عاماً) استطاع حماية عائلته وتأمين هروبهم من منزلهم في قرية رامي يوم هاجمها تنظيم داعش، وقد قتل من عناصره ثلاثة مقاتلين، قبل أن تفرغ ذخيرته ويحرق التنظيم المنزل".



كما يحكي قصّة الجدّة السبعينية البطلة "أم محفوظ جمال الجباعي"، والتي قتلت اثنين من عناصر "داعش" حين حاولا اقتحام منزلها، مستخدمة بندقية ابنها التي يتركها في المنزل، ما جعلها تحمي أحفادها الأربعة وأصغرهم بعمر سبعة أشهر. وليد صعب من قرية الشريحي، الذي حوصر مع زوجته وبناته من قبل عناصر "داعش"، اختار تفجير نفسه وعائلته حتى لا يأسره التنظيم. ويرى أنّه "طالما ليس هناك أمان، يتوجب علينا التسلح وحماية أنفسنا. أقبل أن يخسر ابني شيئاً من طفولته على أن يخسر حياته من دون أي مقاومة. إنها الحرب التي تفرض شروطها علينا".

يشار إلى أنّ تجنيد الأطفال محظور في القانون الدولي الإنساني، في إطار بروتوكول جنيف لعام 1977. وينص البروتوكول في النزاعات المسلحة الداخلية على أنه "لا يجوز تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة، ولا يجوز السماح بإشراكهم في العمليات العدائية، في وقت تعرف المفوضية الأوروبية مصطلح الجنود الأطفال بأنهم الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، وسبق أن شاركوا في صراع عسكري مسلح.