أطفال في مطاحن "الجهاد"

13 اغسطس 2015
مخيمات أشبال "الخلافة" (مواقع التواصل)
+ الخط -
مشاهد فيديو لعمليات إعدام ينفذها أطفال، اﻹعدام بإطلاق الرصاص على الرقبة والرأس أو النحر..! مشاهد تبعث اﻷسى والحزن على أولئك اﻷطفال الذين تم اختطاف برآءتهم، وصهرهم في جنون أطلق عليه الكثير من المصطلحات من ضمنها "الجهاد".


حينما تفجرت الصراعات وتهادى كل صاحب نظرة مشفقة وهادف لإقامة العدالة، أو كل صاحب أفكار موبوءة، أو جندي في قوى ذات مصالح اختلطت الأوراق وكل ما فيها من مبادئ وقيم إنسانية، وباتت الغاية تبرر الوسيلة، فكان الأطفال من ضمن الوسائل المستخدمة في غايات التمدد على الأرض والقتال ضد الأطراف الأخرى.

وهنا أيضاً يتم استحضار التاريخ، واستحضار قصص بطولات خاضها صغار الصحابة للاحتماء بالنصوص المقدسة في نظرة انتقائية لها دوافعها التي لا تخفى على أحد، في غياب تام للسياق، أو زوايا النصوص وصورتها الكاملة، وهذا أمر يطول الحديث فيه، لذا سيتم الاقتصار على بعض الإشارات.

وفي البدء يجب التأكيد على أن الإسلام حرم قتل الأطفال حتى في ظروف الحرب والقتال، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " .. ولا تقْتُلُوا ولِيدًا.."، وقد شنع الرسول عليه الصلاة والسلام على من قام بذلك، ومثال ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريّةً يوم حنين فقاتلوا المشركين، فأفضى بهم القتل إلى الذُّرِّيّة فلمّا جاءوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما حملكُمْ على قتْلِ الذُّرِّيّةِ؟" قالوا: يا رسول الله، إنّما كانوا أولاد المشركين. قال: "أوهلْ خِيارُكُمْ إِلا أوْلادُ الْمُشْرِكِين؟! والّذِي نفْسُ مُحمّدٍ بِيدِهِ ما مِنْ نسمةٍ تُولدُ إِلا على الْفِطْرةِ حتّى يُعْرِب عنْها لِسانُها".

أما عن طريق التربية التي كانوا يتلقونها فلم تكن كما تفعل "داعش" في ما تسميه مخيمات أشبال الخلافة، بل كانت تربية من نوع آخر حيث قامت على تعزيز القيم والمبادئ والارتباط بالله كما في حديث معاذ "احفظ الله يحفظك"، أو حديث ابن عباس "يا غلام إني أعلمك كلمات"، كما عُرف عنه صلى الله عليه وسلم سماحه للأطفال باللعب في المسجد، أي إنهم كانوا يمارسون طفولتهم في اللعب حتى في المؤسسة المقدسة.

وحين ننتقل إلى موضوع الجهاد فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمح لصغار الصحابة بالقتال، إلا في حالات نادرة وفق عدد من الضوابط مثل النضوج، أو القدرة على سد ثغرات غير ممكن أن يسدها أحد كما في سلاح الرماية عندما أذن لرافع بن خديج، ونلاحظ هنا أن سلاح الرماية بعيد عن الالتحام المباشر مما يجعل الرامي بعيداً عن مخاطر جندي المشاة، وهذا أمر متعذر اليوم. ولإتمام القصة فإن الغلام سمرة بن جندب احتج لدى زوج أمه على قبول الرسول لرافع ورده رغم أنه يصرعه، فأذن له الرسول فيما بعد. ولم يرد أن الرسول أذن لطفل أن ينحر مشركاً أو يقتل أسيراً أو يوصل رسائل القتال عبر الأطفال كما يُفعل اليوم.

هذا بخلاف أن السياق التاريخي له ظروفه ومحدداته الواجب مراعاتها لتحقيق مقاصد الشرع التي من ضمنها حفظ الذرية، ومراعاة أن ما كان يقبل في السابق لم يعد كذلك اليوم ولا نتحدث هنا عن الثوابت الشرعية وإنما عن المتشابهات.

لذا وجبت اليوم إعادة النظر في العديد من التفسيرات التاريخية وتمعنها خصوصاً في دعوى مشاركة الأطفال في المجهودات القتالية، بسبب حداثة سنهم، وعدم وعيهم لمآلات الأمور وتفاعلاتها، وما يمكن أن يحدث لهم من اضطرابات نفسية قد تتفاقم إلى مرحلة يصعب معها الاحتواء، ونحن في الأساس نعاني من نقص المختصين في هذا النوع من المجالات النفسية.

(البحرين)
المساهمون