أطفال فلسطينيون.. الاحتلال يرتكب مخالفة دولية ويحاكم القصّر

10 اغسطس 2016
هل يأتي حكمه مشدّداً؟ (أحمد غرابلة/ فرانس برس)
+ الخط -
في الثاني من أغسطس/ آب الجاري، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانوناً جديداً يُسمح بموجبه لسلطات الاحتلال بمحاكمة الأطفال الفلسطينيين دون الرابعة عشرة، في حال ارتكابهم ما تصنّفه "أعمالاً خطيرة"

ما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصرّ على كبح ثورة الفلسطينيين، لا سيّما في صفوف الجيل الجديد، وذلك من خلال القوانين العسكرية الجديدة التي أقرّها الكنيست الإسرائيلي أخيراً، والتي تقضي بمعاقبة هؤلاء الصغار الذين يلجؤون إلى الحجارة لمقاومة الآليات العسكرية التي تقتحم قراهم وبلداتهم.

في مخالفة فاضحة للمعاهدات والقوانين الدولية، من ضمنها اتفاقية حقوق الطفل التي ترفض محاكمة الأطفال القصّر أو حتى احتجازهم في المعتقلات، صادق الكنيست الإسرائيلي قبل ثمانية أيام (الثاني من أغسطس/ آب 2016)، على قانون يسمح للمحاكم الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة بمحاكمة الأطفال القصّر، دون الرابعة عشرة، وفرض أحكام مشدّدة عليهم ابتداءً من الثانية عشرة. ويقول القانون الجديد بمحاكمة الأطفال القصّر بعد التحقيق معهم في "تهم خطيرة" من قبيل "الشروع بالقتل" أو "محاولة القتل" بحسب ما يزعم الاحتلال الإسرائيلي، بينما كان القانون السابق ينصّ على عدم فرض حكم بالسجن على قاصر لم يبلغ الرابعة عشرة أثناء صدور الحكم عليه. يُذكر أنّ هذا النوع من التهم الجائرة ازداد بحق الفلسطينيين منذ بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015.

خطورة بالغة
يرى نائب مدير الوحدة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين الفلسطينيين، جميل سعادة، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ "الكنيست الإسرائيلي أعطى الضوء الأخضر للمحاكم العسكرية بمحاكمة الأطفال وفرض أحكام مشدّدة عليهم، من دون مراعاة اتفاقية حقوق الطفل الدولية". ويشدّد على أنّ "قانون الكنيست الإسرائيلي الأخير يشكّل خطورة على الأطفال الفلسطينيين ومستقبلهم، بعيداً عن الأخذ بعين الاعتبار الأسباب الدولية المخففة لمحاكمتهم واعتقالهم، وهي صغر سنّهم. وسلطات الاحتلال الإسرائيلي ضربت بكل المعاهدات والمواثيق الدولية التي تعنى بحقوق الطفل، عرض الحائط. وهي في الأساس لم توقّع على اتفاقية حقوق الطفل، في حين وقّعت السلطة الفلسطينية عليها".

ويقول سعادة إنّه "لا بدّ من محاربة القانون الإسرائيلي الجديد، من خلال المنظمات الدولية، وأهمّها الأمم المتحدة، ورفع الشكاوى أمام محكمة الجنايات الدولية حول الانتهاكات التي يتعرّض لها أطفال فلسطين، ومنها محاكمتهم وهم دون السنّ القانونية، وكذلك إصدار الأحكام المشدّدة بحقهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ آخر إحصائية لنادي الأسير الفلسطيني تفيد أنّ نحو 350 طفلاً في سجون الاحتلال الإسرائيلي من أصل 1800 طفل دون الثامنة عشرة، اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الهبّة الجماهيرية الفلسطينية التي اندلعت مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015. وهي تحرم هؤلاء الـ 350 من حقوقهم، أهمّها الحقّ في التعليم والزيارات والاندماج في المجتمع. وتهدف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحسب سعادة، إلى "ثني الطفل الفلسطيني عن المشاركة في النضال الوطني، من خلال تشديد العقوبات عليه ومحاكمته بأحكام مشدّدة".

ويلفت سعادة إلى أنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تميّز بين الأطفال الفلسطينيين وبين الأطفال الإسرائيليين لجهة السنّ القانونية. الطفل الفلسطيني هو دون السادسة عشرة، فيما الطفل الإسرائيلي هو دون الثامنة عشرة".

خطوة استباقيّة
تأتي مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون محاكمة الأطفال القصّر، بحسب الوحدة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين الفلسطينيين، كخطوة استباقية قبل محاكمة عدد من الأطفال الفلسطينيين المتهمين بالشروع بعمليات قتل، في مقدّمتهم الطفل أحمد مناصرة المتّهم بمحاولة طعن في 12 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015.

من جهتها، تقول أماني السراحنة من الدائرة الإعلامية في نادي الأسير الفلسطيني، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ "القانون الجديد الصادر عن الكنيست الإسرائيلي، يسري على الأطفال الفلسطينيين من سكّان مدينة القدس المحتلة والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، إذ إنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعدّهم من مواطنيها".

لكنّ الأمر يبقى بيد قائد المنطقة العسكري في الضفة الغربية المحتلة، لتمرير قوانين تسري على الأطفال الفلسطينيين توازي تلك التي يفرضها الكنيست الإسرائيلي على المقدسيين البالغين هناك. تجدر الإشارة إلى أنّه قبل إصدار قانون الكنيست الإسرائيلي الأخير، صدرت أحكام مشدّدة على خمسة فتيان، وصلت إلى السجن لمدّة 15 عاماً. والفتيان هم من قرية حارس في شمال الضفة الغربية المحتلة، وقد اتهموا قبل ثلاث سنوات بالتسبّب في مقتل مستوطنة إسرائيلية بعد رشق مركبتها بالحجارة على مقربة من مستوطنة "أرئيل" المشيّدة على أراضي الفلسطينيين في مدينة سلفيت.

بعد صدور هذا القرار، تنوي سلطات الاحتلال الإسرائيلي محاكمة عدد من الأطفال الفلسطينيين الذين تحتجزهم في مراكز الإصلاح التي تُعرف أيضاً بمراكز الأحداث، وإصدار أحكام مشدّدة بالسجن مثلما فعلت مع الطفل معاوية علقم البلغ من العمر 14 عاماً. يُذكر أنّها كانت قد أصدرت بحقّه حكماً بالسجن لمدّة ست سنوات ونصف السنة بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 30 ألف شيكل إسرائيلي (أكثر من 7800 دولار أميركي)، بعد اتهامه بمحاولة طعن في مدينة القدس المحتلة في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2015.

وتشير السراحنة إلى أنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تُصدر أحاكماً بصورة شبه يومية، على الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقانون الكنيست الإسرائيلي الذي أصبح نافذاً، من شأنه أن يشرّع الحكم على الأطفال المقدسيين". تضيف أنّ "محاكمة الأطفال ممنوعة ضمن القوانين والأعراف الدولية، كذلك هي عملية احتجازهم المرفوضة بحسب الاتفاقيات التي تعنى بحقوق الطفل". وتتابع أنّ "عدداً كبيراً من المعاهدات ينصّ على أنّه في حال احتُجز طفل ما، يتوجّب على السلطات المعنيّة التي تحتجزه للتقيّد بعدد كبير من الشروط والحقوق ومراعاة السنّ الصغيرة للطفل المعنيّ". لكنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي وفق السراحنة، "تتجاوز كلّ المواثيق الدولية. وخلال العام الماضي، تزايدت عمليات الاعتقال في صفوف الأطفال. وثمّة محاكمات كثيرة تطاول أطفال فلسطين، ويُزجّون في السجون على أثرها ويُحرمون من طفولتهم". وتلفت إلى أنّ "آخر هؤلاء، الطفلة استبرق نور البالغة من العمر 14 عاماً. فقد حُكم عليها بالسجن لمدّة عشرين شهراً بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها ثلاثة آلاف شيكل (أكثر من 780 دولاراً)، أمّا تهمتها فمحاولة طعن في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015 بالقرب من نابلس".

"تحديث" في القوانين
على مدى السنوات الثماني والستين الماضية، أدخلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من التعديلات على قوانينها. هكذا، تلجأ اليوم إلى استخدام كلّ أنواع وأساليب التنكيل بحقّ الأطفال الفلسطينيين، وتعمد إلى تشديد العقوبات العسكرية عليهم، لا سيما تلك التي تُنقل إلى المحاكم العسكرية في الضفة الغربية المحتلة.

في هذا الإطار، يقول مدير برنامج المساءلة القانونية في الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال، عاهد أبو قطيش، لـ "العربي الجديد" إنّ "القانون الإسرائيلي الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي ما هو إلا جزء من القانون المدني الإسرائيلي الذين يطبّق على الإسرائيليين والفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، وعلى العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948". ويعدّ القانون المدني أفضل من القوانين العسكرية، إذ إنّه يُطبّق على المقدسيين والإسرائيليين على حدّ سواء، ويمنحهم حقوقاً أفضل لا تُعطى للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

أمّا من الناحية العملية، فقد بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خلال العام الماضي، وفق أبو قطيش، "تعامل الأطفال المعتقلين من مدينة القدس المحتلة بالطريقة نفسها التي تعامل بها الأطفال الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة. كذلك تمارس بحقهم كل أنواع الاعتداء والتنكيل والعنف، تحديداً خلال عملية الاعتقال والتحقيق معهم، في حين تغيب معايير المحاكمة العادلة".

ويوضح أبو قطيش أنّ "ثمّة مجموعة من الحقوق التي من المفترض أن يتمتّع بها الطفل المقدسي المعتقل، وفق القانون الإسرائيلي. من ضمن تلك الحقوق، حقّ الطفل في مرافقة من قبل أحد أفراد العائلة البالغين خلال عملية التحقيق والاستجواب. لكنّ حالات الاعتقال التي سُجلّت في العام الماضي، بمعظمها، حُرم الأطفال فيها من مرافقة البالغين لهم خلال عملية الاستجواب".

تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي كانت تلجأ في السابق إلى الحبس المنزلي، كبديل للاعتقال في السجون. أمّا اليوم، فإنّها بحسب أبو قطيش "تعتمد الحبس المنزلي كنوع من أنواع الأحكام. وبعد انتهاء محكوميّة الطفل، يعود ليُعاقب مرّة جديدة بعقوبات عديدة".

قانون عنصريّ
في سياق متّصل، يؤكّد أبو قطيش على أنّ "القانون المدني الإسرائيلي الجديد الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي، ليس عادلاً بل هو عنصريّ بامتياز، إذ إنّه يستهدف الأطفال الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة دون غيرهم، على الرغم من أنّه جزء من الضمان الإسرائيلي".

ويوضح أبو قطيش أنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تراجعت من خلال القانون عن منظومة حماية الأطفال الذي يكفله القانون الخاص بهم. هو يتضارب مع مصلحة الأطفال التي تُعَدّ مبدأ أساسياً من مبادئ اتفاقية حقوق الطفل". ويأسف إذ إنّه "من الصعب اليوم القيام بأيّ خطوة في وجه هذا القانون، بعدما أصبح سارياً. كذلك فإنّ الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل غير قادرة على تغيير أيّ من القوانين المدنية". يضيف أنّ "هذا القانون ليس الأوّل من نوعه. سلطات الاحتلال الإسرائيلي كانت قد سنّت في السابق قوانين أخرى، منها تشديد العقوبة على الأطفال الذين يرشقون الحجارة، وكذلك حرمان الأطفال المتّهمين بمخالفات قانونية من مخصصات التأمين الوطني".

ويلفت أبو قطيش إلى أنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعمد في الضفة الغربية المحتلة إلى محاكمة أطفال فلسطينيين بصورة دورية. لكنّها في السابق، كانت تراعي اعتبارات عدّة. وكان الحدّ الأقصى للحكم على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، ستة أشهر فقط. أمّا اليوم، فيحقّ للقائد العسكري في المنطقة تعديل القوانين وفقاً للحادثة".

دلالات