الأطفال، أينما وجدوا في العالم، يخشون الليل، عموماً. لكنّ صغار غزّة لهم أسبابهم الخاصة التي تدفعهم إلى الخوف منه وكرهه في آن واحد
لا يحبّ أطفال غزة لَيلهم. إلى جانب ظلمته، لا يمكنهم تصوّره إلا حاملاً معه الرعب والخوف من الطائرات الحربية الإسرائيلية ومن القصف الذي يستهدف القطاع المحاصر. ويزداد قلقهم في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي عن بيوتهم. لكنّ السواد الناجم عن انقطاع التيار، غالباً ما تشقّه ألسنة نيران يخلّفها حريق تسبّبت فيه قذيفة مثلاً. ويأتي ذلك ليزيد نفورهم من الليل.
ليل الجمعة 26 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم شهد قصفاً من الأكثر شدّة على قطاع غزة. بعد استشهاد خمسة غزيين (صاروا ستّة عندما توفي آخر متأثراً بجروحه بعد يومَين) وإصابة مئات المشاركين في مسيرات العودة على الحدود الشرقية، والردّ الثأري للمقاومة الفلسطينية عبر إطلاق صواريخ في اتجاه الأراضي المحتلة، قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع عسكرية في كل محافظات قطاع غزة، الأمر الذي أدّى إلى تضرر عدد من منازل الأهالي وكذلك أجزاء من المستشفى الإندونيسي الواقع شماليّ القطاع.
اقــرأ أيضاً
في مجمّع سكني في الشيخ زايد، شمالي القطاع، استيقظ ابن محمود حماد وابنته الصغيران مذعورَين في تلك الليلة، من جرّاء أصوات القصف الشديد الذي استهدف مواقع قريبة منهم وكذلك المستشفى الإندونيسي. وراح سعيد يردّد: "لن يقتلنا الإسرائيليون... صحيح يا بابا؟". طوال تلك الليلة، لم تغمض عيون سعيد (ستة أعوام) ونيبال (خمسة أعوام)، بعدما أفاقا وقد اهتزّ منزلهما وتحطّم زجاجه. يُذكر أنّ يد نيبال جُرحت في تلك الليلة. ويخبر محمود حماد "العربي الجديد" أنّ "أصعب شعور يواجه الآباء الفلسطينيين في غزة هو عدم قدرتهم على توفير الأمان لأطفالهم. بالنسبة إلى كل طفل، فإنّ والده هو بطل وسند له. لكن، عند بدء القصف الإسرائيلي، يشعر الأطفال عموماً بأنّهم سوف يُقتلون".
لم تدم الهدنة التي تبعت تلك الليلة والمتفق عليها بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عبر وساطة مصرية، واستهدف القصف الإسرائيلي مناطق متفرّقة من غزة، الأمر الذي أسفر عن استشهاد ثلاثة أطفال تراوحت أعمارهم ما بين 12 و14 عاماً في منطقة وادي السلقا، وسط القطاع. ولعلّ المشاهد التي نُقلت لهؤلاء الشهداء الصغار، تؤرّق أكثر أطفال غزة وتزيد كرههم لليل. في خلاله، يستعيدون مثل تلك المشاهد القاسية... مشاهد غير مخصّصة للصغار. لكنّ واقعهم يفرض عليهم مواجهتها. وعندما ينظر الأطفال إلى أقرانهم الشهداء، فإنّهم سوف يتصوّرون أنفسهم وهم يلحقون بهم.
في السياق نفسه، يروي أحمد عبيد كيف كان ابنه بهجت (سبعة أعوام) "يمعن النظر في شاشة التلفاز خلال النقل مباشر لتشييع الأطفال الثلاثة، ليسألني بعدها: لماذا لا نملك مخبأ تحت الأرض حتى لا نتعرّض إلى الموت مثل هؤلاء الأطفال؟". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ابني بهجت وابنتي سعاد (خمسة أعوام) يعانيان منذ أكثر من عام من التبوّل اللاإرادي خلال النوم. والسبب المباشر هو القصف الإسرائيلي ليلاً". ويوضح أنّ "الولدَين يعيشان في مدينة تشهد القتل والدمار، وكلّما حاولت غضّ نظريهما عن هذا الواقع بوسائل مختلفة، فإنّ الظروف المحيطة تدفعهم من جديد إلى دوامة الكوابيس الليلية".
من جهتها، تخبر إيمان مشتهى "العربي الجديد" أنّ "أطفالي يذعرون كلّما سمعوا أصوات طائرات الاستطلاع، المعروفة لدينا نحن الغزيين باسم زنانة. تلك الأصوات تشير إلى احتمال حدوث قصف إسرائيلي، بالنسبة إليهم". تضيف: "أسكن في منطقة المقوسي، غربي مدينة غزة، وهي منطقة قريبة من مواقع عسكرية. وأطفالي صاروا يكرهون المنطقة ويكرهون غزة. وما زلت أذكر كيف أنّ ابني مجد (سبعة أعوام) راح يبكي ويتمنى الموت... وليس الموت بواسطة قصف الطائرات الإسرائيلية".
وكان تقرير حول الحالة النفسية العامة في غزة قد صدر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، أشار إلى ارتفاع نسبة المرضى الذي جرى تحويلهم إلى مستشفى الطب النفسي 21 في المائة بالمقارنة مع عام 2017. كذلك ارتفع عدد المرضى المترددين على مراكز الصحة النفسية الحكومية بنسبة 69 في المائة بالمقارنة مع عام 2017.
اقــرأ أيضاً
في السياق، يقول المدير العام لبرنامج غزة للصحة النفسية، ياسر أبو جامع، إنّ "الأوضاع المعيشية تزيد من العبء الاجتماعي والاقتصادي على الأسرة الفلسطينية، إلى جانب الظروف النفسية التي تتأزم بسبب الاحتلال والقصف الإسرائيليَين، مع ما يترتّب على ذلك من ضغوط نفسية على المجتمع الفلسطيني وتأثّر الأطفال تحديداً". ويشير إلى أنّه "بحسب إحصاءات برنامج غزة للصحة النفسية المبدئية للعام الجاري، فإنّ الاضطراب الأكثر شيوعاً بين الأطفال المترددين حديثاً على المراكز التابعة للبرنامج، هو التبوّل اللاإرادي بنسبة 20 في المائة، يليه اضطراب كرب ما بعد الصدمة بنسبة 13 في المائة".
لا يحبّ أطفال غزة لَيلهم. إلى جانب ظلمته، لا يمكنهم تصوّره إلا حاملاً معه الرعب والخوف من الطائرات الحربية الإسرائيلية ومن القصف الذي يستهدف القطاع المحاصر. ويزداد قلقهم في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي عن بيوتهم. لكنّ السواد الناجم عن انقطاع التيار، غالباً ما تشقّه ألسنة نيران يخلّفها حريق تسبّبت فيه قذيفة مثلاً. ويأتي ذلك ليزيد نفورهم من الليل.
ليل الجمعة 26 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم شهد قصفاً من الأكثر شدّة على قطاع غزة. بعد استشهاد خمسة غزيين (صاروا ستّة عندما توفي آخر متأثراً بجروحه بعد يومَين) وإصابة مئات المشاركين في مسيرات العودة على الحدود الشرقية، والردّ الثأري للمقاومة الفلسطينية عبر إطلاق صواريخ في اتجاه الأراضي المحتلة، قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع عسكرية في كل محافظات قطاع غزة، الأمر الذي أدّى إلى تضرر عدد من منازل الأهالي وكذلك أجزاء من المستشفى الإندونيسي الواقع شماليّ القطاع.
في مجمّع سكني في الشيخ زايد، شمالي القطاع، استيقظ ابن محمود حماد وابنته الصغيران مذعورَين في تلك الليلة، من جرّاء أصوات القصف الشديد الذي استهدف مواقع قريبة منهم وكذلك المستشفى الإندونيسي. وراح سعيد يردّد: "لن يقتلنا الإسرائيليون... صحيح يا بابا؟". طوال تلك الليلة، لم تغمض عيون سعيد (ستة أعوام) ونيبال (خمسة أعوام)، بعدما أفاقا وقد اهتزّ منزلهما وتحطّم زجاجه. يُذكر أنّ يد نيبال جُرحت في تلك الليلة. ويخبر محمود حماد "العربي الجديد" أنّ "أصعب شعور يواجه الآباء الفلسطينيين في غزة هو عدم قدرتهم على توفير الأمان لأطفالهم. بالنسبة إلى كل طفل، فإنّ والده هو بطل وسند له. لكن، عند بدء القصف الإسرائيلي، يشعر الأطفال عموماً بأنّهم سوف يُقتلون".
لم تدم الهدنة التي تبعت تلك الليلة والمتفق عليها بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عبر وساطة مصرية، واستهدف القصف الإسرائيلي مناطق متفرّقة من غزة، الأمر الذي أسفر عن استشهاد ثلاثة أطفال تراوحت أعمارهم ما بين 12 و14 عاماً في منطقة وادي السلقا، وسط القطاع. ولعلّ المشاهد التي نُقلت لهؤلاء الشهداء الصغار، تؤرّق أكثر أطفال غزة وتزيد كرههم لليل. في خلاله، يستعيدون مثل تلك المشاهد القاسية... مشاهد غير مخصّصة للصغار. لكنّ واقعهم يفرض عليهم مواجهتها. وعندما ينظر الأطفال إلى أقرانهم الشهداء، فإنّهم سوف يتصوّرون أنفسهم وهم يلحقون بهم.
في السياق نفسه، يروي أحمد عبيد كيف كان ابنه بهجت (سبعة أعوام) "يمعن النظر في شاشة التلفاز خلال النقل مباشر لتشييع الأطفال الثلاثة، ليسألني بعدها: لماذا لا نملك مخبأ تحت الأرض حتى لا نتعرّض إلى الموت مثل هؤلاء الأطفال؟". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "ابني بهجت وابنتي سعاد (خمسة أعوام) يعانيان منذ أكثر من عام من التبوّل اللاإرادي خلال النوم. والسبب المباشر هو القصف الإسرائيلي ليلاً". ويوضح أنّ "الولدَين يعيشان في مدينة تشهد القتل والدمار، وكلّما حاولت غضّ نظريهما عن هذا الواقع بوسائل مختلفة، فإنّ الظروف المحيطة تدفعهم من جديد إلى دوامة الكوابيس الليلية".
من جهتها، تخبر إيمان مشتهى "العربي الجديد" أنّ "أطفالي يذعرون كلّما سمعوا أصوات طائرات الاستطلاع، المعروفة لدينا نحن الغزيين باسم زنانة. تلك الأصوات تشير إلى احتمال حدوث قصف إسرائيلي، بالنسبة إليهم". تضيف: "أسكن في منطقة المقوسي، غربي مدينة غزة، وهي منطقة قريبة من مواقع عسكرية. وأطفالي صاروا يكرهون المنطقة ويكرهون غزة. وما زلت أذكر كيف أنّ ابني مجد (سبعة أعوام) راح يبكي ويتمنى الموت... وليس الموت بواسطة قصف الطائرات الإسرائيلية".
وكان تقرير حول الحالة النفسية العامة في غزة قد صدر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، أشار إلى ارتفاع نسبة المرضى الذي جرى تحويلهم إلى مستشفى الطب النفسي 21 في المائة بالمقارنة مع عام 2017. كذلك ارتفع عدد المرضى المترددين على مراكز الصحة النفسية الحكومية بنسبة 69 في المائة بالمقارنة مع عام 2017.
في السياق، يقول المدير العام لبرنامج غزة للصحة النفسية، ياسر أبو جامع، إنّ "الأوضاع المعيشية تزيد من العبء الاجتماعي والاقتصادي على الأسرة الفلسطينية، إلى جانب الظروف النفسية التي تتأزم بسبب الاحتلال والقصف الإسرائيليَين، مع ما يترتّب على ذلك من ضغوط نفسية على المجتمع الفلسطيني وتأثّر الأطفال تحديداً". ويشير إلى أنّه "بحسب إحصاءات برنامج غزة للصحة النفسية المبدئية للعام الجاري، فإنّ الاضطراب الأكثر شيوعاً بين الأطفال المترددين حديثاً على المراكز التابعة للبرنامج، هو التبوّل اللاإرادي بنسبة 20 في المائة، يليه اضطراب كرب ما بعد الصدمة بنسبة 13 في المائة".