يَدفعُ الأطفالُ السوريّون ثمناً باهظاً بسبب الحرب الدائرة في بلادهم. وكلّما تأخّر العالم في إنهاء النزاع، يتسرّب المزيد من الأطفال من المدارس، ويضطرون إلى العمل في عالمٍ لا يرحم. يعانون من القسوة والاستغلال ويتعرّضون إلى مخاطر كثيرة. وتتفشّى ظاهرة عمالة الأطفال السوريين في سورية ودول الجوار كلبنان والعراق وتركيا، فيما تعجز المنظمات الدولية والحكومات المحلية عن إنقاذ الأطفال.
في هذا الإطار، أصدرت منظمتا الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و"سايف ذا تشيلدرن"، في الثاني من يوليو/تموز الجاري، تقريراً بعنوان "أيادي صغيرة وعبء ثقيل"، أظهر أن النزاع والأزمة الإنسانية في سورية يدفعان أعداداً متزايدة من الأطفال إلى الوقوع فريسة الاستغلال في سوق العمل، محذراً من تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال. وأشار إلى أن أكثر الأطفال هشاشةً وعرضة للمخاطر، هم أولئك الذين ينخرطون في النزاع المسلح والاستغلال الجنسي والأعمال غير المشروعة مثل التسوّل المُنظّم والاتجار بالأطفال.
ويعدّ الفقر، الذي طاول نسبة كبيرة من العائلات السورية، السبب الأساسي لاضطرار الأطفال إلى العمل. وبحسب الأمم المتحدة، يعاني 4 من كل 5 أطفال من الفقر.
في السياق ذاته، يقول أحمد (13عاماً) الذي يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية: "في اليوم الذي لا أعمل فيه لا نأكل. أعيش وأخي في غرفة مع عائلة عمي وجدي وجدتي، بعدما مات أبي وأمي جراء قصف بيتنا في حلب. أحياناً، نعود إلى المنزل مساء ولا نجد ما نأكله. نشتري بعض الطعام بما نجنيه من جمع المخلّفات البلاستكية وغيرها من القمامة". يتابع: "صحيح أن عمي فقير ولا يملك المال، لكنه يخبئ الطعام عنّا أيضاً. أحياناً، لا نجني الكثير، فنشتري شطائر بالدين من المطاعم".
أما عبدالله (15 عاماً)، فيعمل في أحد محال الحلويات التركية. يقول: "أبيع الحلويات للسوريين لأنني أتكلم التركية وأعمل مدة 12 ساعة يومياً. على الرغم من قبولي في مدرسة تركية، إلا أنني لا أستطيع الذهاب إليها بسبب العمل. أعود إلى البيت وقد أنهكني التعب. أما شقيقي الأصغر، فيعمل في محل آخر".
يضيف أن "أصحاب المحال يفضلون توظيف الصغار الذين يتكلمون التركية كونهم يحصلون على أجور زهيدة. شقيقتاي تذهبان إلى المدرسة. لا يمكن أن تعيش العائلة من دوننا، وخصوصاً أن والدي أصيب في سورية وبات مشلولاً لا يستطيع الحراك".
عبدالله هو واحد من بين 2.7 مليون طفل سوري خارج المدرسة وفقاً للتقرير، الذي يؤكد، أيضاً، أن عمالة الأطفال منتشرة في جميع الدول التي يتواجد فيها السوريون، اليوم، كلبنان التي سجل حالات عمالة أطفال تحت سن السادسة، والعراق الذي تصل فيه نسبة عمالة الأطفال السوريين إلى 75%.
يشير الباحث الاجتماعي، عمر خيري، إلى خطورة هذه الأرقام على الأمد البعيد، في ظل تحول ملايين الأطفال الذين لا يرتادون المدرسة اليوم إلى آباء وأمهات أميّين في المستقبل، ما سيؤخر إعادة بناء سورية وتطورها اقتصادياً، عدا عن الانعكاسات الاجتماعية الكثيرة.
إلى ذلك، يتعرض كثير من الأطفال لإصابات أثناء عملهم، وبنسبة أكبر غير الراشدين كونهم لا يدركون المخاطر جيداً. وأشار التقرير إلى أن 75 في المائة من الأطفال العاملين في مخيم الزعتري للاجئين السوريين (شمال الأردن) يعانون من مشاكل صحية، فيما تعرض 22 في المائة من الأطفال العاملين في الزراعة لإصابات.
حكيم (10 سنوات) هو أحد هؤلاء، وها هو، اليوم، يذهب إلى أحد مراكز العلاج الفيزيائي في الأردن. من جهته، يقول المعالج الفيزيائي، عماد خلف، إن حكيم هو أصغر مريض في المركز، وقد أُصيب، قبل أشهر أثناء العمل، حين سقطت عليه معدات بناء ثقيلة. نجا من الموت بأعجوبة. لكنّ الحادثةَ تسببت بأضرار في قدميه وعموده الفقري، ولم يعد قادراً على المشي جيداً. وقد تبرعت إحدى الجمعيات الخيرية بتغطية كلفة علاجه. يضيف، أن الإصابة لم تؤثر وحدها على بنية الطفل، بل ساعات العمل الطويلة، والحمولة الثقيلة التي تفوق قدرة عظامه وعضلاته.
أما حكيم، فيقول: "عملت في مجال البناء نحو ستة أشهر تقريباً. في البداية، رفضوا أن أعمل، لكنني أصررت لأنني لم أجد عملاً آخر. كنتُ قد أمضيت مع أمي وأخي أياماً عدة في الشارع. وكان علينا أن ندفع بدل إيجار المنزل حتى لا نعود إلى الشارع أو نذهب إلى المخيم. توفي أبي، فيما أمي مريضة ولا تستطيع العمل، ولا يوجد من معيل غيري".
من جهتها، تُحمّل هالة، إحدى المتطوعات في مجال الإغاثة في حلب، الآباء والأمهات مسؤولية إهمال أطفالهم، لافتة إلى أن "العمالة المؤذية للأطفال ليست فقط تلك التي تهدف إلى كسب المال. في حلب، يعتمدُ كثير من العائلات النازحة التي نتعامل معها على أطفالها في أداء مهمات صعبة، كنقل المياه والإصلاحات وشراء الحاجيات والمساعدة. ويؤدي معظم الأطفال خدمات تفوق قدراتهم. وأسوأ ما في الأمر أن آباءهم لا يشعرون بالسوء حيال الأمر. كما أن محاولاتنا لتوعيتهم بخطورة الأمر لا تجد نتائج حقيقية. الحقيقةُ أن كثيراً من الآباء يتصرفون كأن لديهم من يخدمهم، وليس من يحتاج إلى الرعاية". تتابع إنه من المهم جداً تركيز الجهود على تثقيف الأهل في أي نشاط أو برنامج يهدف إلى مكافحة عمالة الأطفال.
ويؤكد طبيب الأطفال، عمر عيني، التأثير السلبي الخطير للعمل في سن مبكر على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال. ويشير إلى أن أبرز التداعيات الجسدية، هي تأخر النمو الذهني والجسدي، بالإضافة إلى الخلل في عمل بعض أعضاء الجسم وفقاً لطبيعة العمل، وحدوث خلل هرموني، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالعدوى والتسمم والأمراض وغيرها. يضيف أن "هناك الكثير من التداعيات النفسية التي يمكن أن يصاب بها الطفل نتيجة بيئة العمل، أبرزها الاكتئاب المبكر وضعف الثقة بالنفس والعدوانية، عدا عن احتمال تعرضه للصدمات النفسية الناجمة عن المعاملة السيئة أو الإهانة أو الاستغلال الجنسي".
إقرأ أيضاً: فخّ الإدمان.. السوريّون ضحاياه وسط الحرب
في هذا الإطار، أصدرت منظمتا الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) و"سايف ذا تشيلدرن"، في الثاني من يوليو/تموز الجاري، تقريراً بعنوان "أيادي صغيرة وعبء ثقيل"، أظهر أن النزاع والأزمة الإنسانية في سورية يدفعان أعداداً متزايدة من الأطفال إلى الوقوع فريسة الاستغلال في سوق العمل، محذراً من تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال. وأشار إلى أن أكثر الأطفال هشاشةً وعرضة للمخاطر، هم أولئك الذين ينخرطون في النزاع المسلح والاستغلال الجنسي والأعمال غير المشروعة مثل التسوّل المُنظّم والاتجار بالأطفال.
ويعدّ الفقر، الذي طاول نسبة كبيرة من العائلات السورية، السبب الأساسي لاضطرار الأطفال إلى العمل. وبحسب الأمم المتحدة، يعاني 4 من كل 5 أطفال من الفقر.
في السياق ذاته، يقول أحمد (13عاماً) الذي يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية: "في اليوم الذي لا أعمل فيه لا نأكل. أعيش وأخي في غرفة مع عائلة عمي وجدي وجدتي، بعدما مات أبي وأمي جراء قصف بيتنا في حلب. أحياناً، نعود إلى المنزل مساء ولا نجد ما نأكله. نشتري بعض الطعام بما نجنيه من جمع المخلّفات البلاستكية وغيرها من القمامة". يتابع: "صحيح أن عمي فقير ولا يملك المال، لكنه يخبئ الطعام عنّا أيضاً. أحياناً، لا نجني الكثير، فنشتري شطائر بالدين من المطاعم".
أما عبدالله (15 عاماً)، فيعمل في أحد محال الحلويات التركية. يقول: "أبيع الحلويات للسوريين لأنني أتكلم التركية وأعمل مدة 12 ساعة يومياً. على الرغم من قبولي في مدرسة تركية، إلا أنني لا أستطيع الذهاب إليها بسبب العمل. أعود إلى البيت وقد أنهكني التعب. أما شقيقي الأصغر، فيعمل في محل آخر".
يضيف أن "أصحاب المحال يفضلون توظيف الصغار الذين يتكلمون التركية كونهم يحصلون على أجور زهيدة. شقيقتاي تذهبان إلى المدرسة. لا يمكن أن تعيش العائلة من دوننا، وخصوصاً أن والدي أصيب في سورية وبات مشلولاً لا يستطيع الحراك".
عبدالله هو واحد من بين 2.7 مليون طفل سوري خارج المدرسة وفقاً للتقرير، الذي يؤكد، أيضاً، أن عمالة الأطفال منتشرة في جميع الدول التي يتواجد فيها السوريون، اليوم، كلبنان التي سجل حالات عمالة أطفال تحت سن السادسة، والعراق الذي تصل فيه نسبة عمالة الأطفال السوريين إلى 75%.
يشير الباحث الاجتماعي، عمر خيري، إلى خطورة هذه الأرقام على الأمد البعيد، في ظل تحول ملايين الأطفال الذين لا يرتادون المدرسة اليوم إلى آباء وأمهات أميّين في المستقبل، ما سيؤخر إعادة بناء سورية وتطورها اقتصادياً، عدا عن الانعكاسات الاجتماعية الكثيرة.
إلى ذلك، يتعرض كثير من الأطفال لإصابات أثناء عملهم، وبنسبة أكبر غير الراشدين كونهم لا يدركون المخاطر جيداً. وأشار التقرير إلى أن 75 في المائة من الأطفال العاملين في مخيم الزعتري للاجئين السوريين (شمال الأردن) يعانون من مشاكل صحية، فيما تعرض 22 في المائة من الأطفال العاملين في الزراعة لإصابات.
حكيم (10 سنوات) هو أحد هؤلاء، وها هو، اليوم، يذهب إلى أحد مراكز العلاج الفيزيائي في الأردن. من جهته، يقول المعالج الفيزيائي، عماد خلف، إن حكيم هو أصغر مريض في المركز، وقد أُصيب، قبل أشهر أثناء العمل، حين سقطت عليه معدات بناء ثقيلة. نجا من الموت بأعجوبة. لكنّ الحادثةَ تسببت بأضرار في قدميه وعموده الفقري، ولم يعد قادراً على المشي جيداً. وقد تبرعت إحدى الجمعيات الخيرية بتغطية كلفة علاجه. يضيف، أن الإصابة لم تؤثر وحدها على بنية الطفل، بل ساعات العمل الطويلة، والحمولة الثقيلة التي تفوق قدرة عظامه وعضلاته.
أما حكيم، فيقول: "عملت في مجال البناء نحو ستة أشهر تقريباً. في البداية، رفضوا أن أعمل، لكنني أصررت لأنني لم أجد عملاً آخر. كنتُ قد أمضيت مع أمي وأخي أياماً عدة في الشارع. وكان علينا أن ندفع بدل إيجار المنزل حتى لا نعود إلى الشارع أو نذهب إلى المخيم. توفي أبي، فيما أمي مريضة ولا تستطيع العمل، ولا يوجد من معيل غيري".
من جهتها، تُحمّل هالة، إحدى المتطوعات في مجال الإغاثة في حلب، الآباء والأمهات مسؤولية إهمال أطفالهم، لافتة إلى أن "العمالة المؤذية للأطفال ليست فقط تلك التي تهدف إلى كسب المال. في حلب، يعتمدُ كثير من العائلات النازحة التي نتعامل معها على أطفالها في أداء مهمات صعبة، كنقل المياه والإصلاحات وشراء الحاجيات والمساعدة. ويؤدي معظم الأطفال خدمات تفوق قدراتهم. وأسوأ ما في الأمر أن آباءهم لا يشعرون بالسوء حيال الأمر. كما أن محاولاتنا لتوعيتهم بخطورة الأمر لا تجد نتائج حقيقية. الحقيقةُ أن كثيراً من الآباء يتصرفون كأن لديهم من يخدمهم، وليس من يحتاج إلى الرعاية". تتابع إنه من المهم جداً تركيز الجهود على تثقيف الأهل في أي نشاط أو برنامج يهدف إلى مكافحة عمالة الأطفال.
ويؤكد طبيب الأطفال، عمر عيني، التأثير السلبي الخطير للعمل في سن مبكر على الصحة الجسدية والنفسية للأطفال. ويشير إلى أن أبرز التداعيات الجسدية، هي تأخر النمو الذهني والجسدي، بالإضافة إلى الخلل في عمل بعض أعضاء الجسم وفقاً لطبيعة العمل، وحدوث خلل هرموني، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالعدوى والتسمم والأمراض وغيرها. يضيف أن "هناك الكثير من التداعيات النفسية التي يمكن أن يصاب بها الطفل نتيجة بيئة العمل، أبرزها الاكتئاب المبكر وضعف الثقة بالنفس والعدوانية، عدا عن احتمال تعرضه للصدمات النفسية الناجمة عن المعاملة السيئة أو الإهانة أو الاستغلال الجنسي".
إقرأ أيضاً: فخّ الإدمان.. السوريّون ضحاياه وسط الحرب