قسوة الحياة لم تدع أمام الطفل اليمني، علي أحمد، رفاهية التفكير بين الاستمتاع بطفولته، أو المجازفة والهروب عبر الحدود إلى السعودية، لتوفير المال لأسرته وتلبية احتياجاتهم، أملا في أن يشتري بالمال أحلامه المؤجلة، التي عجزت الدولة عن تحقيقها.
علي، ذو الـ 15 عاما من محافظة الحديدة ( 226 كيلو متراً من العاصمة صنعاء)، واحد من بين 6 ملايين طفل فقدوا حقوقهم الأساسية في التعليم خلال العام الماضي، فضلا عن تسرب 80% من الذين التحقوا بالتعليم من مدارسهم، وأصبحوا عرضة الاتجار بالبشر، والتهريب إلى دول الجوار، طبقا للدراسة الصادرة عن منظمة "سياج" اليمنية لحماية الطفولة.
"لي صديق، في عمري نفسه، سافر إلى السعودية منذ عامين، وهو الآن يدرّ الكثير من الأموال على أسرته، وأصبح يملك سيارة، جعلني اتحمس لفكرة الهرب عبر الحدود رغم مخاطرها"، قالها علي، لـ " العربي الجديد "، موضحا معاناته لتحقيق حلمه بالعمل في السعودية وإسعاد أسرته التي يعولها بعد وفاة والده، مشيرا إلى أن والدته اضطرت إلى بيع بعض مجوهراتها القليلة لتعينه على السفر.
"اضطررنا إلى المشي على الحدود اليمنية السعودية لأيام، كنا ننام في الخلاء معرضين للحشرات والزواحف" قالها علي مشيرا إلى المخاطر، التي تعرض لها خلال رحلته، ومعاناة السكن، التي واجهته في السعودية، والهروب المستمر من رجال الشرطة، مضيفا:" ما سبق جعل حلم الثراء كابوسا ضاعفه تدنـّي الدخل الذي كنت أحصل عليه من القيام بأعمال مختلفة" .
علي لم يكن وحده الهارب عبر الحدود. يقول:" تعرفت على شاب يمني على الحدود اليمنية السعودية، وقال لي إنهم يعملون في تهريب القات، وإن ذلك يدر عليهم أموالا كثيرة، وعرض عليّ العمل لكني رفضت لخطورة الأمر، بينما قبل آخرون حيث يحصل الفرد على عمولة تتراوح بين 100 و 150 ريالا سعوديا في العملية مقابل نقل (القات) عبر الحدود ".
مدير مركز حماية الطفل في محافظة حرض، التي تقع بالقرب من الحدود اليمنية السعودية، نبيل شالف، يضيف لـ "العربي الجديد": "الأطفال المهرَّبون إلى السعودية يتم استغلالهم في تهريب المخدرات والقات والسلاح، وتوزيعها"، موضحا أن معظم الضحايا من الأطفال يأتون من محافظتي حجة والمحويت، حيث ترتفع نسب الفقر والأمية، ويوافق الآباء في حالات كثيرة على تهريب أطفالهم إلى السعودية، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 2000 و 3000 ريال سعودي.
ووصف شالف قضية تهريب الأطفال من اليمن إلى السعودية بالمعقدة، مشيرا إلى معاناة الأطفال المرحلين من السعودية إلى مركز حماية الطفل في حرض، من مشكلات نفسية كالاضطرابات والخوف والقلق نتيجة تعرضهم لمخاطر تفوق أعمارهم، متمثلة في تعنيف جسدي أو لفظي أو جنسي تعرضوا له أثناء تهريبهم إلى السعودية.
وعن أعمار الأطفال الذين يتم تهريبهم إلى السعودية، قال شالف إنهم يستقبلون حالات - سواء أحبط تهريبها أو بعد ترحيلها من السعودية - متفاوتة من حيث الأثر والأعمار، موضحا أن بعض الأطفال يتم تهريبهم وهم في السابعة من العمر أو الثامنة، وهناك من هم اكبر من ذلك".
وقال شالف: "المركز يسعى إلى الحد من ظاهرة التهريب قبل وقوعها، بالتعاون مع الجهات الأمنية، لكن واقع الحال أن عصابات التهريب قوية ومنظمة، وأحيانا يتم التعاون مع الأطفال من النقاط العسكرية الحدودية في الجانبين، اليمني والسعودي، ما يجعل المركز يتعامل واقعيا مع 90 % من الأطفال المرحلين بعد تهريبهم، بينما يتم احباط تهريب 10 % من عمليات التهريب"، مشيرا إلى أن حوالي 9 آلاف طفل يمني يتم تهريبهم سنويا إلى السعودية، وان العدد في تزايد منذ أحداث ثورة التغيير في 2011 .
وحول جهود الدولة لحماية هؤلاء الأطفال، تقول رئيسة وحدة الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر في وزارة حقوق الإنسان، سماح محمد عبال، وهي عضو ومنسقة اللجنة الوطنية الفنية لمكافحة الاتجار بالبشر، لـ"العربي الجديد":"تم انشاء وحدة الهجرة ومكافحة الاتجار بالبشر في الوزارة عام 2013، كما قامت اللجنة الوطنية بسن تشريع وطني يجرم ويعاقب الاتجار بالبشر، والذي يتضمن تهريب الأطفال، كما تم تشديد العقوبة فيما يخص الأطفال، وهو الآن مشروع القانون في البرلمان"، مشيرة إلى ان اللجنة تعكف، في الوقت الراهن، على إعداد الدارسة الوطنية لظاهرة الاتجار بالبشر، والتي سوف تحدد حجم الظاهرة، ومستوى الاحتياجات بحسب صور الاتجار بالبشر.
من جهة أخرى، حصل "العربي الجديد" على نسخة من مشروع قانون مكافحة الاتجار بالبشر، الذي أعدته وزارة الإنسان، وينتظر إقراره من البرلمان اليمني، والذي يعرّف جرائم الاتجار بالبشر بأنها التطويع أو النقل أو الإيواء أو التسليم أو الاستقبال لشخص أو أكثر ـ سواءً داخل الجمهورية أم عبر حدودها الوطنية ـ بقصد استغلالهم.
وأوضح مشروع القانون، الذي عُدِّل عدة مرات قبيل عرضه على البرلمان، أن الاستغلال يشمل استعمال القوة أو التهديد أو بهما، أو بواسطة القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بإنسان له سيطرة عليه، وهذه هي النقطة التي يقع فريستها كثير من أولياء الأمور نتيجة الفقر المدقع، الذي يعانيه اليمنيون، والذي يتجاوز في نسبته 40 % حسب إحصاءات رسمية حكومية.
ويقول عبد الله رزاع من محافظة المحويت، وهو ولي أمر طفل تم تهريبه إلى السعودية، ومن ثم ترحيله إلى المدينة الحدودية حرض، "ابني يبلغ من العمر 10 أعوام، دخل السعودية دون علمي، مستغلا تواجدي في صنعاء حيث أعمل لإعالة الأسرة".
وعن إمكانية تعرض ابنه لمخاطر نتيجة دخوله السعودية في سن الطفولة، قال عبدالله:" ليست لدينا حيلة والحال معدم"، مؤكدا انه لم يرسل ابنه طواعية، ولم يحصل على أية أموال منه، منذ هروبه إلى السعودية العام الماضي.
وتنص عقوبة مرتكب جريمة الاتجار بالبشر على العقاب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف ريال ولا تتجاوز خمسة ملايين ريال، ولكل حالة تفاصيل أخرى وعقوبات متفاوتة.
فهل يحقق مشروع القانون الجديد الحماية لطفولة حرمتها قسوة الحياة من ظل الأسرة؟..أم تظل أحلامهم المؤجلة رهينة عبور الأسلاك الشائكة؟