"كارت بخمسة. لحّق يا ولد، حوّل رصيد يا ولد، اتكلم مع الأحباب بخمسة آلاف يا بلاش".
على وقع تلك الشعارات يروّج الصغير عمار علي (10 سنوات)، بوسط سوق العلاوي الشعبي ببغداد، لبضاعته الخفيفة سهلة الربح وهي بيع بطاقات الشحن للهواتف النقالة، بينما يردد شقيقه ياسر عبارات أخرى للترويج لبضاعته المختلفة أيضا بقوله: "فرّح أطفالك بلعبة. لعبة بربع". وكأن طفلاًر له أن يسعد أطفالاً آخرين سعياً للربح.
الصورة لا تختلف عن صور أخرى كثيرة بباقي الأسواق والشوارع العراقية، فعمالة الأطفال باتت جزءاً أساسياً من حركة التجارة والاقتصاد العراقي، حتى يتصور الداخل للعراق أنه يعيش في دولة فقيرة بأقصى القارة الأفريقية وليس ثالث أغنى دولة في العالم بالنفط والغاز.
عمار وشقيقه ياسر، الذي يصغره بعام واحد، تركا الدراسة منذ عامين تقريباً لجمع ثمن الطعام لأسرتهم، فالوالد اعتقله الأميركيون وتوفي بالسجن، والأخ الأكبر قتلته مليشيات مموّلة إيرانياً لأسباب طائفية، ولم يبق من ذكور في المنزل إلا هما مع نحو 12 أختاً وأم مريضة.
ويقول عمار، لـ"العربي الجديد": "أذهب لسوق الجملة كل يوم فأشتري كروت شحن الرصيد لشركة أثير أو آسيا سيل وآتي بها إلى هنا فأبيعها وأربح 500 دينار على الكارت الواحد (نحو نصف دولار). أجني يومياً ما يكفي لشراء الطعام والشراب وأمور أخرى، بينما أخي يجني من بيعه اللعب الصينية ما نجمعه لدفع ثمن استئجار المنزل". ويضيف: "نحن نخرج من الساعة الثامنة وتقوم أختي الكبرى بإيقاظنا كون أمي مريضة ولا نعود إلا ليلاً، حيث تكون حركة البيع قد تراجعت".
وتقدّر غرفة التجارة العراقية ببغداد عدد الأطفال الذين يعملون بمجال التجارة والاقتصاد بمشاريع صغيرة خاصة بهم بنحو نصف مليون طفل، جميعهم لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً، قالت إنهم باتوا عصباً مهمّاً بحركة السوق، سواء رضينا بذلك أو رفضناه.
وحول ذلك، يقول نائب رئيس غرفة تجارة بغداد، الدكتور فريد عواد، لـ"العربي الجديد"، إن "عمالة الأطفال باتت مسألة مسلّماً بها في العراق اليوم، ولا نريد الخوض بأسبابها من حروب وإرهاب وعنف طائفي واحتلال وغيرها، لكن ما يهمنا اليوم كاقتصاديين أن نعترف بثقل الأطفال بالسوق وهناك شركات اقتصاد وتجارة وتوزيع تعتمد عليهم، فهم أقل كلفة وأكثر سرعة وأقل تذمّراً ولهم قدرة على تصريف البضائع أكبر من الراشدين".
وأضاف: "نحن ثاني دولة عربية بعد مصر في عمالة الأطفال، ومع الأسف نحن نستنسخ الحالة الصينية في الموضوع، وقد يأتي وقت لا يمكن للتجار والشركات التخلي عنهم رغم جرمية وبشاعة عمل الطفل، لكنهم فرضوا أنفسهم".
دكاكين جوالة
ويصف هاشم حسين العقابي، مدير شركة بغداد القابضة للسلع الغذائية، الأطفال العاملين في السوق بالدكاكين الجوالة. وقال العقابي، في حديث لـ"العربي الجديد": "كصاحب شركة، فإن الطفل الزبون أفضل عندي من الرجل صاحب السوبرماركت أو المتجر، فالطفل يأخذ البضاعة مني صباحاً ويصرّفها الظهر أو العصر على أبعد تقدير، ويعود لأخذ وجبة أخرى من البضاعة، بينما صاحب المتجر لا نراه إلا مرة واحدة في الأسبوع، فحركة الأطفال بين السيارات والأسواق والشوارع والأحياء السكنية تمنحهم الأفضلية".
ويقول المحلل الاقتصادي العراقي، عمر عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد": "إن عمالة الأطفال بدأت تتسع مع تردي الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالعراق، لكنها في الوقت نفسه حرّكت السوق، فوجود أكثر من نصف مليون تاجر صغير بالسوق أمر ليس بسيطاً".
وأضاف أن بعض الأطفال حصلوا على أموال طائلة من عملهم، مثل الطفل "الشيخ هاني"، الذي بات تاجراً مهمّاً من فراش صغير كان يضعه في وسط السوق ويبيع عليه مواداً مستعملة يقوم بجمعها من المنازل، وعادة ما يحصل عليها مجاناً.
"الشيخ هاني" طفل له هيبته في السوق
وما أن تدخل شارع النهر ببغداد على ضفاف دجلة، حتى يصادفك محل كبير بيافطة عريضة كتب عليها سوبرماركت الشيخ هاني ومعها صورة للشيخ الذي تجاوز الأسبوع الماضي فقط عامه الرابع عشر.
ويحظى الشيخ الطفل بمنضدة خشبية وكرسي مناسب، بينما يوجه ثلاثة من الرجال لتنظيف المكاتب ورش الماء على باب المتجر.
ويضع هاني كتب الحساب والعلوم للصف السادس الابتدائي، حيث قرر العودة للدراسة مجدداً. ويقول هاني، بعد أن نَهَر أحد الرجال بعصبية ليحضر الشاي لفريق "العربي الجديد": "هذا متجري، جمعته من تعبي وخسرت فيه أجمل أيام حياتي، حيث حرمت نفسي من كل شيء لأجل هذا اليوم. والحمد لله أنا صاحب متجر ولا ينقصني شيء عن الآخرين سوى الشوارب واللحية".
اقرأ أيضا:
المالكي..من بائع "سِبح" إلى أغنى رجل في العراق
على وقع تلك الشعارات يروّج الصغير عمار علي (10 سنوات)، بوسط سوق العلاوي الشعبي ببغداد، لبضاعته الخفيفة سهلة الربح وهي بيع بطاقات الشحن للهواتف النقالة، بينما يردد شقيقه ياسر عبارات أخرى للترويج لبضاعته المختلفة أيضا بقوله: "فرّح أطفالك بلعبة. لعبة بربع". وكأن طفلاًر له أن يسعد أطفالاً آخرين سعياً للربح.
الصورة لا تختلف عن صور أخرى كثيرة بباقي الأسواق والشوارع العراقية، فعمالة الأطفال باتت جزءاً أساسياً من حركة التجارة والاقتصاد العراقي، حتى يتصور الداخل للعراق أنه يعيش في دولة فقيرة بأقصى القارة الأفريقية وليس ثالث أغنى دولة في العالم بالنفط والغاز.
عمار وشقيقه ياسر، الذي يصغره بعام واحد، تركا الدراسة منذ عامين تقريباً لجمع ثمن الطعام لأسرتهم، فالوالد اعتقله الأميركيون وتوفي بالسجن، والأخ الأكبر قتلته مليشيات مموّلة إيرانياً لأسباب طائفية، ولم يبق من ذكور في المنزل إلا هما مع نحو 12 أختاً وأم مريضة.
ويقول عمار، لـ"العربي الجديد": "أذهب لسوق الجملة كل يوم فأشتري كروت شحن الرصيد لشركة أثير أو آسيا سيل وآتي بها إلى هنا فأبيعها وأربح 500 دينار على الكارت الواحد (نحو نصف دولار). أجني يومياً ما يكفي لشراء الطعام والشراب وأمور أخرى، بينما أخي يجني من بيعه اللعب الصينية ما نجمعه لدفع ثمن استئجار المنزل". ويضيف: "نحن نخرج من الساعة الثامنة وتقوم أختي الكبرى بإيقاظنا كون أمي مريضة ولا نعود إلا ليلاً، حيث تكون حركة البيع قد تراجعت".
وتقدّر غرفة التجارة العراقية ببغداد عدد الأطفال الذين يعملون بمجال التجارة والاقتصاد بمشاريع صغيرة خاصة بهم بنحو نصف مليون طفل، جميعهم لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً، قالت إنهم باتوا عصباً مهمّاً بحركة السوق، سواء رضينا بذلك أو رفضناه.
وأضاف: "نحن ثاني دولة عربية بعد مصر في عمالة الأطفال، ومع الأسف نحن نستنسخ الحالة الصينية في الموضوع، وقد يأتي وقت لا يمكن للتجار والشركات التخلي عنهم رغم جرمية وبشاعة عمل الطفل، لكنهم فرضوا أنفسهم".
دكاكين جوالة
ويصف هاشم حسين العقابي، مدير شركة بغداد القابضة للسلع الغذائية، الأطفال العاملين في السوق بالدكاكين الجوالة. وقال العقابي، في حديث لـ"العربي الجديد": "كصاحب شركة، فإن الطفل الزبون أفضل عندي من الرجل صاحب السوبرماركت أو المتجر، فالطفل يأخذ البضاعة مني صباحاً ويصرّفها الظهر أو العصر على أبعد تقدير، ويعود لأخذ وجبة أخرى من البضاعة، بينما صاحب المتجر لا نراه إلا مرة واحدة في الأسبوع، فحركة الأطفال بين السيارات والأسواق والشوارع والأحياء السكنية تمنحهم الأفضلية".
ويقول المحلل الاقتصادي العراقي، عمر عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد": "إن عمالة الأطفال بدأت تتسع مع تردي الواقع الاقتصادي والاجتماعي بالعراق، لكنها في الوقت نفسه حرّكت السوق، فوجود أكثر من نصف مليون تاجر صغير بالسوق أمر ليس بسيطاً".
وأضاف أن بعض الأطفال حصلوا على أموال طائلة من عملهم، مثل الطفل "الشيخ هاني"، الذي بات تاجراً مهمّاً من فراش صغير كان يضعه في وسط السوق ويبيع عليه مواداً مستعملة يقوم بجمعها من المنازل، وعادة ما يحصل عليها مجاناً.
"الشيخ هاني" طفل له هيبته في السوق
وما أن تدخل شارع النهر ببغداد على ضفاف دجلة، حتى يصادفك محل كبير بيافطة عريضة كتب عليها سوبرماركت الشيخ هاني ومعها صورة للشيخ الذي تجاوز الأسبوع الماضي فقط عامه الرابع عشر.
ويحظى الشيخ الطفل بمنضدة خشبية وكرسي مناسب، بينما يوجه ثلاثة من الرجال لتنظيف المكاتب ورش الماء على باب المتجر.
ويضع هاني كتب الحساب والعلوم للصف السادس الابتدائي، حيث قرر العودة للدراسة مجدداً. ويقول هاني، بعد أن نَهَر أحد الرجال بعصبية ليحضر الشاي لفريق "العربي الجديد": "هذا متجري، جمعته من تعبي وخسرت فيه أجمل أيام حياتي، حيث حرمت نفسي من كل شيء لأجل هذا اليوم. والحمد لله أنا صاحب متجر ولا ينقصني شيء عن الآخرين سوى الشوارب واللحية".
اقرأ أيضا:
المالكي..من بائع "سِبح" إلى أغنى رجل في العراق