خلال السنوات الأخيرة، ارتفعت معدلات عمالة الأطفال في باكستان بشكل لافت، حتى إنها باتت تهدّد مستقبل البلاد. وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإن عدد الأطفال العاملين تجاوز عشرة ملايين طفل. فيما تقول منظمة العمل الدولية إن عدد الأطفال العاملين تجاوز الـ 12 مليوناً. في المقابل، تشير إحصائيات محلية إلى أن الرقم أكبر من ذلك، ويفوق 14 مليون طفل.
ورغم وجود قوانين تمنع عمالة الأطفال بل تجرّم مشغليهم، فإنها ما زالت غير مطبقة في الواقع بسبب عدم رغبة الحكومات المتعاقبة من جهة، إضافة إلى عدم إدراك المجتمع لخطورة تفاقم هذه الظاهرة، وأثرها على الأطفال. وفي ظل تفشيها بشكل سريع جداً، لجأت المحكمة العليا الباكستانية إلى إصدار قرار نهاية العام الماضي، يطالب الحكومة بالتصدي لعمالة الأطفال، وصياغة قوانين جديدة في هذا الصدد، إن دعت الحاجة.
في السياق، يقول المحامي محمد فاروق خان إن "الدستور يُجبر الحكومة على تأمين جميع احتياجات الأطفال من تعليم ورعاية صحة وغيرها من حقوقهم الأساسية، ويمنع توظيفهم مهما كانت الظروف". ويلوم الحكومة "التي لا تطبق القوانين الموجودة، التي تمنع عمالة الأطفال وتعتبرها جريمة. ليس هذا فقط. فالحكومة بدلاً من أن تقف في وجه هذه الظاهرة، تدعو لانتشارها من خلال توظيف، كبار المسؤولين في الحكومة، الأطفال في منازلهم، لأنهم يتقاضون رواتب منخفضة مقارنة بالراشدين".
في المقابل، يرى الخبير القانوني عبد المنان أن الحل "لا يكمن فقط في تطبيق القوانين. فالحكومة عاجزة عن فرض قوانينها على الآباء والأمهات الذين يجبرون أطفالهم على العمل لتأمين لقمة العيش لأسرهم الفقيرة والمعوزة. ويكمن الحل في العمل على تحسين الأوضاع المعيشية، كي تجد الأسر الفقيرة لقمة العيش، وترسل أولادها إلى المدرسة بدلاً من الأسواق بهدف العمل".
يعمل محمد عمر(12 عاماً) في سوق راجه بازار في مدينة روالبندي. يخرج من بيته مع شروق الشمس، ولا يعود إليه إلا مع حلول المساء. يقول لـ "العربي الجديد": "أعمل عشر ساعات تقريباً يومياً في مقابل 100 روبية باكستاني (أقل من عشر دولارات)". يضيف أن "هذا المبلغ لا يكفي لإطعام أسرتي". ويردف أن "والده يعمل في أحد المحال في السوق نفسه، ويكسب يومياً 200 روبية (أقل من 20 دولاراً)".
بدوره، يبيع شعيب حسن (14 عاماً) الفواكه مع خاله أرشد، على رصيف أحد شوارع مدينة راولبندي، ويكسب يومياً نحو 1000 روبيه. صحيح أن المبلغ جيد نسبياً، إلا أنه ليس سعيداً لأنه لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة.
حالُ حسن هو حال الكثير من الأطفال في باكستان الذين أُجبروا على دخول سوق العمل. ينتمي معظم هؤلاء إلى أسر فقيرة. لذلك، لا خيار أمامهم سوى العمل.
وغالباً ما يلجؤون إلى العمل في قطاع الزراعة. وتقول منظمة العمل الدولية إن "نحو مليونين ونصف مليون طفل في باكستان يعملون في القطاع الزراعي"، فيما تُشير بعض المؤسسات المعنية بعمالة الأطفال إلى إن "القطاع الزراعي يستأثر بنحو 50 في المائة من إجمالي الأطفال العاملين، يليه القطاع الصناعي، بخاصة مجالي صناعة الآلات الرياضية والسجاد".
في المحصلة، يصعب أن تسير في شوارع هذه المدينة من دون أن تجد الكثير من الأطفال المجبرين على العمل في قطاعات مختلفة، بسبب الفقر.
في المقابل، تُواظب الحكومات الباكستانية على إطلاق الوعود. وفي كل مرة تُثار فيها هذه القضية، وخصوصاً من قبل منظمات حقوق الطفل والإنسان المحلية والدولية، تُكرّر إطلاق الوعود بالتصدي لهذه الظاهرة وتحسين أوضاع الأطفال. لكن الحقيقة هي أن الموضوع يحتاج إلى بذل جهد كبير، والحل يكمن في تحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة بشكل عام، كي تتمكن من إرسال أطفالها إلى المدارس.
ولا تكفي الوعود لمعالجة هذه القضية في ظل ازدياد نسبة عمالة الأطفال عاماً بعد عام. وتجدر الإشارة إلى أنه كثيرة هي القطاعات التي تستفيد من عمالة الأطفال في هذا البلد، وخصوصاً أنهم يتقاضون أجوراً زهيدة، ويعملون لساعات طويلة من دون اعتراض. فهذه وسيلتهم الوحيدة لمواجهة الجوع.