مرّ الليل ثقيلاً على عائلة الطفل اللبناني محمود محمد خضر العاصي (9 سنوات). قبل نحو أسبوعين، أبلغ الأهل الأجهزة الأمنية عن اختفاء ابنهم. إلا أن ساعات الفجر الأولى حملت خبراً مفجعاً عندما وُجدت جثة الطفل مرمية في مبنى قيد الإنشاء في أحراج منطقة بشامون في محافظة جبل لبنان، ومغطاة بالرمل. وبعد الكشف عليها من قبل الطبيب الشرعي، تبين أن منفذ الجريمة، ويُدعى علاء ع. (15 عاماً) حاول خنق ضحيته بسلك معدني، قبل أن يضربه بآلة حادة على مؤخرة رأسه، وخلص تقرير الطبيب إلى وجود كدمات في أماكن حساسة، ما يؤكد حدوث محاولة تحرّش، لا اغتصابٍ.
ما زال الأهل في حالة صدمة. لا يقوى الوالد على الكلام. أما الوالدة، فلم تصدق أنه يمكن لأي إنسان قتل طفلها بهذه الطريقة البشعة. في السياق، يقول أحد أقرباء الضحية محمد العاصي لـ "العربي الجديد" إن الدولة اللبنانية مطالبة بكشف ملابسات هذه الجريمة اللاإنسانية، ومحاكمة الفاعل ليكون عبرة لغيره من المجرمين.
وقبل نحو عام تقريباً، وُجد محمد الخولي (خمس سنوات)، الذي هرب من البراميل المتفجرة في سورية إلى لبنان، مقتولاً داخل صندوق كرتون في حاوية للنفايات عند مدخل مهنية حلبا الرسمية (شمال لبنان)، وكانت آثار طعنات السكين واضحة على جسده، بعدما هاجمه ن.ع. (من مواليد عام 1997)، وهو لبناني الجنسية، واغتصبه ثم قتله ليخفي جريمته.
حينها، قال الأب المفجوع إنه أرسل طفله إلى دكان قريب من المنزل ليشتري له علبة سجائر. بعد مرور ساعة، افتقده فبدأ البحث عنه من دون أن ينجح.
في العام نفسه، تعرّض محمد (أربع سنوات)، وهو نازح سوري أيضاً، للاغتصاب من دون أن يُقتل. وتقول الوالدة القاطنة في منطقة مرجعيون إنها اكتشفت ما حدث بالصدفة، حين خلع طفلها ملابسه أمام شقيقه الأصغر، وأخبره أنه يعاني من ألم في مؤخرته منذ أكثر من شهر. وحين سأله شقيقه عن السبب، أخبره أن عبد السلام.أ.، وهو سوري الجنسية، أعطاه ألف ليرة لبنانية في مقابل اغتصابه وهدده بالذبح إذا كشف أمره، علماً أن الطفل يعاني من مرض التلاسيميا.
في السياق، تقول أستاذة علم النفس التربوي بيلا عون لـ "العربي الجديد" إن "التأثير النفسي للاغتصاب الجنسي لا يختلف عن التحرش الجنسي بالأطفال إلا من ناحية الألم الذي يسببه الاغتصاب"، مشيرة إلى أنه "في الحالتين يعاني الضحية من عدم ثقة بالنفس، ويشمئز من جسده، ويتراجع في دراسته. وفي أحيان كثيرة، قد يؤدي ذلك إلى تحوّل في ميوله الجنسية". تضيف أن "كل معتدىً عليه يلجأ إلى الاعتداء على آخرين. وهذا أمر خطير في حال لم يعالج".
وعن المغتصب، تقول عون إن "العوامل الاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي إلى ارتكاب هذا النوع من الجرائم. وعادةً ما يكون قد تعرّض للتحرش في صغره. لذلك، لدى اغتصابه من هو أصغر منه سناً، يبدو وكأنه يرى أمامه صورته حين كان صغيراً، وكيف كان خائفاً وينتظر من ينقذه. وقد يصل الأمر إلى الانتقام مما حدث معه من خلال قتله الطفل الذي وقع ضحيته، ليظن أنه انتقم لنفسه ولجسده. وربما يختار القتل بسبب خوفه من فضح أمره أمام الأهل".
وتلفت عون إلى عوامل أخرى تؤثر على سلوك الأطفال، وهي التكنولوجيا والإنترنت والمواقع الإباحية المتاحة للجميع. وترى أن الحل الوحيد يكمن في العلاج النفسي ومتابعة وضع الطفل المعتدى عليه، مشيرة إلى أنه يحتاج إلى علاج لمدة ستة أشهر ليصبح سلوكه سوياً. تضيف: "نحاول ترميم صورته الذاتية ورفع معنوياته وإعادة ثقته بنفسه من جديد. أما بالنسبة للمغتصب، فهو بحاجة للرعاية نفسها في سجن الأحداث خلال فترة سجنه. ويجب أن يسمح له بالذهاب إلى جلسات العلاج حتى لا يكرّر فعلته".
وبرأي عون، يجب على الرعاية النفسية ألا تنحصر بالطفل الضحية والمغتصب، بل يجب أن تشمل الأهل. تتابع أننا "نخضع الأهل لجلسات علاج حول كيفية التعامل مع أطفالهم الذين تعرّضوا للاغتصاب وكيفية الوقاية منه. ويمنع السماح للأطفال بعمر الست سنوات مثلاً من الاستحمام مع أصدقائهم، وخصوصاً الأقرباء".
إلى ذلك، نصّ قانون العقوبات اللبناني على أن كل من أكره قاصراً لم يتم الخامسة من عمره بالعنف والتهديد لإجراء فعل مناف للحشمة، عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ست سنوات. وتختلف إجراءات المحاكمة في حال كان الجاني قاصراً أيضاً. وتنص المادة 15 من قانون رقم 422 الصادر في 6 يونيو/حزيران عام 2002، على أنه يحكم على الحدث بعقوبات مخفضة في المخالفات والجنح.
اقرأ أيضاً: 7 حقائق حول الاستغلال الجنسي للأطفال