أطبّاء العراق في الخارج

27 أكتوبر 2016
يعاين مريضته (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
تعدّ الاعتداءات المستمرّة على الكوادر الطبيّة في مستشفيات العراق، من قبل عناصر الأمن والعشائر والمليشيات، سبباً كافياً لهجرة الكفاءات والأطباء إلى خارج البلاد، ما يُفقد المستشفيات العراقيّة كوادرها الأساسية، وينعكس سلباً على المرضى.

أظهرت آخر إحصائية لوزارة الصحّة العراقية، والصادرة في عام 2014، أن نحو 10 آلاف طبيب غادروا البلاد منذ عام 2003، وقد توجّه نصفهم إلى لندن. آنذاك، قال المتحدّث باسم الوزارة، عبد الغني السعدون، إن "عدد الأطباء العراقيين الذين غادروا البلاد ربما تجاوز 10 آلاف طبيب".

إلّا أنّ عاملين في الحقل الطبي كشفوا عن أنّ عدد الأطباء المتخصّصين الذين غادروا البلاد بلغ نحو 20 ألفاً، فيما أشار آخرون إلى أن عدد الأطباء العراقيّين المقيمين في الخارج يقدّر بنحو 30 ألف طبيب. وبحسب إحصائيات كشفتها مصادر في وزارة الصحة، هناك أكثر من 35 ألف طبيب مسجلين في العراق. ويبلغ عدد المتخصّصين منهم 20 في المائة.

وكانت الجامعات العراقيّة تمنح المتخرّجين شهادة "البورد" العراقي (دراسات عليا)، وذلك لنحو 250 طبيباً سنوياً. وتقول مصادر طبيّة إنّه لم يبق في العراق إلا 19 ألف طبيب، وهو رقم لا يتناسب مع الزيادة السكانيّة في البلاد والتي تقدر بنحو 40 في المائة، ما يعني أن نسبة كبيرة من المرضى قد تفتقر إلى الرعاية الطبية اللازمة.

وزادت نسبة الأطباء، الذين اختاروا الهجرة إلى خارج البلاد بين عامي 2006 و2008، بعد اندلاع الحرب الطائفية وارتفاع نسبة عمليات الخطف والتصفيات الجسدية بحقهم، من قبل العصابات والمليشيات المسلّحة. وكانت لـ "العربي الجديد" لقاءات مع أطباء رفضوا الكشف عن أسمائهم، وقد أشاروا إلى تعرّضهم لاعتداءات لفظية وجسدية من قبل عناصر قوات الأمن العراقية والمليشيات المسلّحة داخل المستشفيات والمراكز الطبية.

أحد هؤلاء يقول إن عوامل عدة ساهمت في هجرة الأطباء إلى خارج العراق، أبرزها عمليات الخطف والتصفيات الجسدية بين عامي 2006 و2008، والاعتداءات المتكررة من قبل عناصر الأمن والمليشيات المسلحة، سواء أكان بالضرب أو الشتم داخل المستشفيات. ويلفت إلى مشكلة أخرى يعاني منها الأطباء، وهي ردّ فعل العشائر. على سبيل المثال، في حال فشل عمليّة جراحية كان قد أجراها طبيب لأحد المرضى، أو حصل خطأ طبي، تلاحق العشيرة، التي ينتمي إليها المريض، الطبيبَ وتهدده، في وقت تكون الدولة فيه عاجزة عن حماية الكوادر
الطبية.



وبعد عام 2014، وفي ظلّ الانفلات الأمني في العراق، زادت نسبة الاعتداءات على الأطباء بشكل ملفت، مما دفع العديد من الكوادر الطبية إلى الإضراب والاعتصام مطالبين بوقف الانتهاكات في حقهم. وتشير إحصائيات شبه رسمية إلى أن عدد الأطباء الذين قتلوا منذ عام 2003 بلغ أكثر من ألفي طبيب.

من جهتهم، يعاني المرضى في البلاد بسبب حاجتهم الماسة للخبرات والكفاءات الطبية، في وقت غادرت فيه غالبية الأطباء المتخصصين البلاد بسبب سوء الأوضاع الأمنية. يقول حيدر علي (39 عاماً)، والذي يعاني من مرض تصلّب الشرايين إن توجهه إلى المستشفيات العراقية لم يعد يفيده بعدما غادرت غالبية الأطباء المتخصصين والأكفاء البلاد، لافتاً إلى أنه لا يملك المال للسفر والعلاج خارج العراق. ويضيف لـ "العربي الجديد": "حين أتوجّه إلى المستشفيات لإجراء بعض الفحوصات، ألاحظ قلّة خبرة الأطباء". ويشير إلى أن عدداً كبيراً من الذين يعانون من مشكلته نفسها يعالجون خارج البلاد.

في نهاية عام 2015، أطلق ناشطون وسم "أوقفوا قتل الأطباء" على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مقتل وجرح عدد من الأطباء في عمليات مسلحة استهدفتهم في مختلف مدن العراق.

وعادة ما يرفض الأطباء الحديث عن هذا الأمر لوسائل الإعلام، خشية استهدافهم وملاحقتهم من قبل المليشيات والعصابات المسلحة. مع ذلك، يلفت البعض إلى ثلاثة عوامل رئيسية قد تستهدفهم وتضطرهم إلى المغادرة، أهمّها اعتداءات عناصر الأمن والمليشيات المسلحة عليهم، واعتداءات العشائر بعد إجراء فحص أو عملية جراحية لمريض، بالإضافة إلى الفساد الإداري في وزارة الصحة والتدخلات الحزبية والسياسية في عمل الأطباء.

خيار الهجرة ليس متاحاً دائماً، مما يجبر الأطباء على تحمل هذا الواقع، في وقت يخشى فيه المواطنون أن تسوء الأوضاع أكثر. تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2013، أعلن المتحدّث باسم وزارة الصحة زياد طارق أن البلاد شهدت أكبر موجة هجرة للأطباء العراقيين، خصوصاً الشباب بسبب ضعف الأجور، ما دفع البعض إلى التحايل ودفع الرشى لدوائر السفر من أجل عدم تثبيت مهنتهم كأطباء، بسبب قرار منع الأطباء من السفر آنذاك.

دلالات
المساهمون