أكدت مصادر سورية عدة القرار الذاتي للأطباء برفع أجرة المعاينة والعمليات الجراحية وبدء تقاضي تلك الأجور من دون قرار حكومي رسمي، مؤكدة أن متوسط أجور المعاينة يتراوح بين 10 و25 ألف ليرة،بحسب تخصص الطبيب وشهرته.
ووصفت المصادر المتقاطعة لـ"العربي الجديد" أن أجور الأطباء باتت أعلى وبكثير من قدرة السوريين المالية، بعد إغلاق المشافي الحكومية بوجه المرضى خلال تفشي كورونا، وطول فترة الدور وحجز موعد التي تمتد لأشهر، حتى يتمكن الفقراء من العلاج وإجراء العمليات الجراحية.
وتقول بثينة شرف من منطقة قدسيا بدمشق لـ"العربي الجديد": "دفعت 20 ألف ليرة سورية (الدولار 2200 ليرة) مقابل معاينة لدى الطبيب، قبل أن يحولني إلى مشفى خاص يعمل بها لإجراء عملية جراحية في الرقبة دفعنا كلفتها 1400 دولار أميركي".
وتكشف السيدة شرف خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن مشافي دمشق الحكومية لا تستقبل المرضى بعذر التفرّغ لوباء كورونا، وليس من حل، بعد تفاقم وضعها الصحي، إلا اللجوء إلى القطاع الطبي الخاص الذي كلفها "آخر إسوارتي ذهب" كانت تكتنزهما للأيام السوداء، بحسب وصفها.
وارتفعت أجور الكشف الطبي والعلاج في سورية بأكثر من 500% خلال الأعوام الأخيرة وأكثر من 20 ضعفاً عما كانت عليه قبل الثورة عام 2011، وقت لم تزد أجور الفحص الطبي بالعيادات والمشافي الخاصة عن 500 ليرة سورية، في حين تتراوح اليوم في العاصمة دمشق عند متوسط 15 ألف ليرة سورية.
ويرى الطبيب إبراهيم شحود أن أجور معاينة الأطباء لم تزد بل على العكس تراجعت لأن الليرة السورية هي التي تراجعت من 50 ليرة مقابل الدولار إلى أكثر من 2200 ليرة اليوم، مبرراً أن المعدات الطبية يتم شراؤها بالدولار والأطباء طاولهم الغلاء كما جميع السوريين.
ويكشف الطبيب السوري شحود أن الأطباء تقدموا، ومنذ سنوات، بعشرات الطلبات للنقابات ووزارة الصحة، لرفع أجور المعاينة بحسب ارتفاع الأسعار العام بسورية، ولكن لم تأت أي إجابة، بل تؤثر الوزارة تثبيت أجر المعاينة بين 2000 و5000 آلاف ليرة "بحسب التخصص" وتترك العديد من العمليات من دون أي تسعير، ورفعت وزارة المالية بالمقابل على الأطباء ضريبة الدخل عشرة أضعاف.
وفي حين يعيب شحود على بعض زملائه الذين يستغلون حاجة المرضى برفع أجور المعاينة والعمليات الجراحية، يؤكد أن الطبيب يدفع ثمن السلع والمواد كما غيره بأسعار مرتفعة، ولديه نفقات وأجور ومصاريف ضريبية، معتبراً أن المشكلة بالاقتصاد السوري والليرة ولا تتعلق بأجور الأطباء أو أسعار الأدوية، فليست مشكلة الطبيب إن دفع المريض نصف دخله لقاء معاينة، لأن المشكلة بدخل السوري الذي لا يتجاوز 20 دولاراً.
ويضيف أن طامة السوريين ليست في أجور فحوصات الأطباء والعمليات الجراحية التي يستغني كثيرون عنها ويكتفون بالأدوية والمسكنات، بل في عدم توفر الأدوية أصلاً وارتفاع الأسعار إن توفرت، خاصة لأصحاب الأمراض المزمنة.
ويؤكد صاحب صيدلية الزيبق من ريف دمشق لـ"العربي الجديد" أن قطاع الصيدلة ملاحق كما قطاع الأطباء، فهناك "نقص شديد بالأدوية وملاحقة على الأسعار"، موضحاً أن كثيراً من أصحاب الصيدليات أغلقوها وتركوا المهنة، لأن الالتزام بالبيع وفق التسعيرة، يسبب الخسائر وإن تم البيع وفق ما نشتري الأدوية المهربة، فالغرامات تلاحقنا.
ويضيف الصيدلاني السوري أن أدوية الأمراض المزمنة مفقودة من الأسواق السورية، ويتم تهريبها من لبنان وتركيا وكردستان العراق، ولكن بأسعار مرتفعة، إذ توقفت معظم معامل الأدوية السورية عن إنتاجها وأصبحت تركز على إنتاج المسكنات والسيرومات، فضلاً عن عدم التزام بعض المندوبين بالتسعيرة وبيعها للصيدليات بسعر مرتفع".
وحول أسعار الأدوية الضرورية يقول الزيبق: إن أسعار الأدوية ارتفعت بشكل عام بين 500 و1200% خلال السنوات الأخيرة.
ويصف الاقتصادي عبد الناصر الجاسم غلاء قطاع الصحة وعدم توفر العلاج بـ"تتمة الإجهاز على رأس المال البشري السوري"، وذلك برأيه عبر مستويين.
الأول تفشي الأمراض وحتى حالات الموت في صفوف سوريي الداخل، نتيجة عدم قدرتهم على العلاج، ما يؤثر على قوة العمل والإنتاجية. والمستوى الثاني خسارة الكفاءات السورية وهجرتها.
ويضيف الأكاديمي الجاسم، لو أخذنا إحصاءات نقابة أطباء مدينة السويداء، وقد تكون المدينة الأقل هجرة بسورية، فهي تشير إلى أن عدد الأطباء المسجلين في النقابة هم 900 طبيب، لكن العاملين على الأرض أقل من 500، إذ اضطر كثير منهم للهجرة.
ويرى الجاسم أن سياسة التفقير ومحاولات الإذلال التي يمارسها نظام بشار الأسد ستؤثر على الاقتصاد السوري لعقود طويلة، فتثبيت النظام للأجور عند 50 ألف ليرة بينما تصل تسعيرة الكشف الطبي إلى 20 ألف ليرة، هذا غير ثمن العلاج، يعني أن سورية تخسر والاقتصاد يتعرض للتدمير والكفاءات تهرب للخارج.