نشأت عبادي (60 عاما)، وسط أسرة ميسورة في إقليم هيران، جنوب وسط الصومال، حيث أكملت مراحل تعليمها الابتدائي والإعدادي قبل أن تنتقل مع أسرتها إلى العاصمة مقديشو.
في العاصمة، أكملت الصبية وقتها المرحلة الثانوية بتفوق ملحوظ في المواد العلمية، لكن المنزل الذي سكنت فيه الأسرة غيّر أحلامها، وبالتالي مستقبلها. كان المنزل على بعد أمتار قليلة من قاعدة "أفسيوني" العسكرية، التي ألهمت حركة طائراتها عبادي لأن تصبح أول كابتن حربي في بلادها.
وتحكي المرأة الستينية لـ"الأناضول"، كيف كانت تستمتع بإقلاع وهبوط الطائرات، وهي تدعو الله أن "أرى نفسي أطير بالطائرات من هذا المطار، وأهبط بها".
غير أن طريقها إلى أول إقلاع اعترضته مطبات، بدءًا من معارضة والدها ومجتمعها، وليس انتهاءً بأفراد المؤسسة العسكرية في بلادها.
وأمام إصرارها، وافق والدها على خطتها للالتحاق بمدرسة الطيران العسكري الصومالية، لكن تداعيات قصتها وصلت إلى رئيس البلاد وقتها، محمد سياد بري، الذي استدعاها لمناقشتها حول رغبتها، والتأكد من أهليتها لهذه المهنة الشاقة والخطرة أيضا. وبحسب رواية "الكابتن أصلي" فإن الرئيس خاطبها مازحا، "ألا تعلمين أن هذه المهنة صعبة؟ فكري مليًا وراجعي قرارك"، لكن مع إصرارها "خاضت التجربة الصعبة".
وبعد سنوات "مريرة" مرت على الطالبة الحربية داخل مدرسة الطيران العسكري، حازت لقب أول سيدة صومالية تقلع بطائرة حربية في 1976. وبعد 10 سنوات من الخدمة العسكرية في بلادها، سافرت الكابتن إلى الولايات المتحدة، حيث بلغها في مقر إقامتها بولاية تكساس نبأ إطاحة نظام بري الماركسي عام 1991.
اليوم، بعد أكثر من 40 عاما على تخرجها، تفتخر عبادي، التي تزوجت لتصبح أما لأربعة أولاد، بأنها "ضحت بنفسها، من أجل خدمة وطنها وشعبها، وتعزيز جهود المرأة الصومالية في الدفاع عن الوطن".
وبعد 30 عاما من الغربة والشوق، عادت عبادي إلى مسقط رأسها، ولا شيء يشغلها سوى تعافي موطنها من الحرب الأهلية التي أعقبت نظام بري، ولا تزال مستمرة، وإن خفت حدتها.
توريث المهنة
ومع أنها في سنوات التقاعد، تكابد عبادي لنقل مهاراتها وخبراتها في الطيران إلى الأجيال الجديدة، الواعدة بمستقبل أفضل. وتسعى حاليا، لتقديم دورات مجانية للشباب، تسهم في صنع طيارين جدد، بعدما حصلت على رخصة تدريب من إدارة الطيران الاتحادية "فاء"، كي تمتد جهودها إلى رفيقاتها حتى "لا تنقرض المساهمة العسكرية للمرأة الصومالية".
وإن كانت عبادي فخورة دوما بأنها أول امرأة تقود طائرة حربية، فإن ما يحز في نفسها، أنها أيضا آخر امرأة فعلت ذلك، رغم مرور أكثر من 40 عاما على تخرجها.
وبعد الإطاحة بحكومة بري انهارت جميع المؤسسات العسكرية، بما فيها المدرسة العسكرية للطيران، التي نُهبت جميع ممتلكاتها، وأصبحت ملاذا للأسر النازحة. لكن مؤخرا، استعادت الحكومة مدرسة الطيران، وإن كانت تستخدمها لأغراض عسكرية غير جوية.
ولم تقتصر مساعي "الكابتن أصلي" على قطاع الطيران، بل كانت مهمومة، إبان غربتها، بالعمل الإنساني لصالح أبناء بلدها، إذ زارته ضمن قافلة مساعدات جمعها المغتربون الصوماليون، في 2011. ولعبادي أيضا، مساهمات عديدة في مشاريع لنهضة المرأة الصومالية.
وحثت "الكابتن أصلي" الحكومة الصومالية على العمل لترسيخ السلام، وتمكين المرأة من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لأن ذلك "أمر أساسي لبناء دولة ومجتمع قويين".
وبفضل الاستقرار النسبي الذي شهدته الصومال، خلال الأعوام القليلة الماضية، عاد عدد كبير من المغتربين، لنقل خبراتهم والمساهمة في المشاريع الاقتصادية والتنموية.
(الأناضول)