أول مرة رأى فيها الفرنسيون منير محجوبي، في التلفزيون كانت أثناء توليه رئاسة المجلس الوطني للرقميات (2016-2017)، والتي أبدى خلالها دفاعاً عن الحريات الرقمية، قبل أن ينال منصب الوزير المكلف بالقطاع الرقمي، في حكومة إدوار فيليب، والتي أعلن عنها أمس الأربعاء. وعلى الرغم من الطابع الاستشاري للمجلس الوطني للرقميات، إلا أنه قدّم توصيات عديدة للحكومة.
وُلد محجوبي في باريس (المقاطعة الثانية عشرة "بورت دي بانيولي")، وحصل على الجنسية الفرنسية في سن التاسعة من عمره، وهو منحدر من أبوين مهاجرَين مغربيَيْن، قادمين من منطقة أفورار، ناحية بني ملال، كانت تعمل والدته خادمة في البيوت، بينما امتهن أبوه صباغة المباني.
حظي بشهرةٍ حين كان يعطي تصريحات للقناة الإخبارية الأميركية "سي. إن. إن"، وكانت القنوات الفرنسية الكبرى لا تزال تتجاهله، عن الهجمات الإلكترونية التي تعرّضت لها حملة ماكرون الانتخابية. وكان يطمئن الجميع بأن كل شيء تحت السيطرة، وأن أسرار الطاقم الانتخابي وحساباته الإلكترونية في مأمن من أي اختراق. وبلغة دبلوماسية، يشير إلى روسيا، كمنطلق للهجمات من دون توجيه التهم للقيادة الروسية بلعب دور ما.
ويتميّز هذا المهووس بالتكنولوجيا الرقمية إلى أبعد مدى، بخلطه العجيب بين ممارسة العمل النقابي والسياسي المبكر، وتأسيس أو المشاركة في تأسيس شركات عدة تهتم بالرقمي.
بدأ هذا الشاب العمل وهو لا يزال في سن السادسة عشرة، أيام الآحاد، في مركز اتصال. وفي سن الثامنة عشرة انخرط في الحزب الاشتراكي. وعلى الرغم من صغر سنه وجد نفسَه يمارس السياسة كما الكثير من أبناء الهجرة، في رحاب الحزب الاشتراكي، قبل أن يغادره. وكانت الحصيلة المشاركة في ثلاث حملات انتخابية رئاسية، مع سيغولين روايال سنة 2007 ثم فرانسوا هولاند سنة 2012، وأخيراً إيمانويل ماكرون، سنة 2017.
وقد أبلى هذا الشاب، الحاصل على دبلوم في العلوم السياسية، والذي قضى سنة في دراسة العلوم السياسية في نيويورك، واشتغل خلال خمس عشرة سنة في اقتصاد الإنترنت، بلاءً حسناً في الدفاع عن حملة ماكرون الرقمية. وكانت وظيفته هي العمل مستشاراً للمرشح ماكرون في الاستراتيجية الرقمية.
لدى محجوبي شركات كثيرة أسسها أو ساهم في تأسيسها مع آخرين وعلى رأسها: شركة استشارات في الاتصال الرقمي "منير وسيمون"، ثم شركة "إكوانون"، الشركة المالكة لـ"La Ruche qui dit oui"، وهي قاعدة استفادت من علامة "شركة اجتماعية متضامنة" تتيح للمزارعين بيع منتجاتهم، وكذلك "بريدج"، وهو مشروع يرمي إلى تنظيم لقاءات بين مقاولين ومستثمرين أوروبيين.
وفي عام 2013، أصبح منير محجوبي مديراً عاماً مساعداً لـ (BETC Digital)، وكالة ماركوتينغ، وهي شركة فرعية تابعة لمجموعة هافاس (Havas) التي يترأسها رجل الأعمال الشهير يانيك بولوري. ثم أسس (French Bureau) ويتعلّق الأمر بشركة استشارات في الابتكار الرقمي من أجل المجموعات الكبرى.
وإذا كان كثيرون يُجمعون على ذكاء محجوبي ونجاحه في الأعمال، فإن السياسة، من موقع الوزارة ليست هي السياسة داخل الأحزاب أو عبر دعم المرشحين، إذ هو مدعوّ، الآن، إلى أن يخوض صراعاً قاتلاً من أجل انتزاع مقعد برلماني في العاصمة الفرنسية، في مواجهة خصم سياسي يعرفه، بشكل أو بآخر، وهو الأمين العام للحزب الاشتراكي، فرنسوا كامباديليس. فإما النجاح والاحتفاظ بالوزارة أو الفشل ومغادرتها.
ولا يخفي محجوبي، والذي ولد في عائلة فقيرة، انتقاداته اليسار الاشتراكي لأنه لا يمنح المقاولَ المكانَ الملائم، واليمين لأنه يَعتَبِر الضريبةَ وسيلة عقابية. ويعترف أخيراً، بالعثور على مكانه المناسب في حركة "إلى الأمام". وتلقى على عاتقه مسؤولية إيجاد حل لـ30 في المائة من الفرنسيين لا يصلون إلى الإنترنت.
يؤمن محجوبي بأن الدينامية التي زرعها ماكرون في المشهد السياسي الفرنسي قادرة على إيصال أبناء المهاجرين من أصول عربية إلى البرلمان. كما أنه يؤمن بقدرة ماكرون وحركته على "تغيير الحياة السياسية الفرنسية" كلها.
يدخل منير محجوبي الوزارة، وبعد أيام، فقط، سيجوب بعض شوارع باريس ويدق على الأبواب ويلتقي بالمواطنين، في حملته الانتخابية. وإذا كان كامباديليس خصماً صعب المراس، إذ وراءه ماكينة حزبية قوية، فإن محجوبي يمكنه أن يعتمد على كثير من الناخبين من أصول أجنبية، خاصة العربية، الذين يقطنون في دائرته الانتخابية، والذين خذلهم اليسار مرة أخرى.