أصدقاء لغتنا: مع نعومي راميريث دياث

20 فبراير 2018
(نعومي راميريث دياث، تصوير: يعقوب فيرير)
+ الخط -
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. هنا تتحدّث المترجمة الإسبانية نعومي راميريث دياث عن تجربتها التي تنفتح على نقل كتب عربية في مجالات السياسة والفكر.


■ متى وكيف بدأت علاقتكِ باللغة العربية؟
بدأت علاقتي باللغة العربية بالصدفة عندما التحقت بالجامعة سنة 2005. قبل ذلك التاريخ لم يكن لديّ أي احتكاك بالجالية العربية في إسبانيا ولم أكن قد زرت أي بلد عربي، وحتى إنني لم أكن أعرف الكثير عن الدول العربية، غير أن رغبتي في المعرفة كانت دائماً حاضرة، خاصة عندما يتعلّق الأمر باللغات. فكّرت أولاً في التسجيل في قسم دراسات الترجمة ولكن كنت لا أزال أجد صعوبات في الترجمة من وإلى الإنكليزية، زد على ذلك أنني لا أتقن اللغة الفرنسية وبكل صراحة لا أحبها. وخلال التصفح في موقع قسم الترجمة، وجدت إمكانية التسجيل واختيار اللغة العربية كلغة ثالثة. وقد دلّني ذلك على موقع قسم اللغة العربية في كلية الآداب والفلسفة في "جامعة مدريد المستقلة". وقرّرت بسرعة التسجيل في قسم الدراسات العربية والإسلامية، والتي لا تقتصر مقرّراتها على اللغة، بل تضمّ أيضاً مواد أخرى مثل تاريخ المنطقة والتغيّرات السياسية وما إلى ذلك. ولم أندم حتى الآن على ذلك القرار العفوي.


■ ما هو أول كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقيه؟
أول كتاب ترجمته هو "الروض العاطر في نزهة الخاطر" للشيخ النفزاوي، الذي صدر سنة 2014 عن "منشورات الشرق والمتوسط" في مدريد وكان عملاً مشتركاً بيني وبين إغناثيو غوتيريث دي تيران، الذي اقترح عليّ المشاركة في المشروع. أما أول كتاب ترجمته بمفردي فهو كتاب سميرة الخليل "يوميات الحصار في دوما 2013" الذي صدر أيضاً عن "منشورات الشرق والمتوسط" منذ سنة تقريباً. وكان لهذه التجربة بعدٌ شخصي عميق وذلك لأن علاقة صداقة تجمعني مع ياسين الحاج صالح، محرّر الكتاب وزوج سميرة، منذ عدة أعوام. وربما يعرف القارئ أن سميرة مخطوفة منذ أزيد من أربع سنوات (والمتهم بهذه الجريمة هو "جيش الإسلام") مع زملائها رزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي، وكلهم نشطاء مدنيون كانوا يعملون من أجل الثورة السورية في مجال توثيق كل انتهاك ضد المدنيين أياً كان المرتكب. تعرّفت إلى الكتاب عن طريق ياسين نفسه، ولم أتردّد في اقتراح ترجمته إلى الإسبانية لكونه يشكّل شهادة حية في غاية الإنسانية. في الحقيقة، لا أعرف سميرة شخصياً، غير أنني من خلال ترجمة نصوصها التي تصف الحياة اليومية والمعاناة في دوما تحت الحصار، الذي تعتبره أقسى من السجن (وهي قضت فيه فترة أربع سنوات في عهد حافظ الأسد بسبب أنشطتها المعارضة)، شعرتُ بأنّني تعرّفت إلى امرأة لا مثيل لها. وأتمنى أن يتسنى لي فرصة التعرّف إليها في المستقبل.


■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
تجربتي في الترجمة تعود إلى سنة 2011 عندما بدأت بترجمة نصوص ومواد سمعية- بصرية ذات علاقة بالثورة السورية بشكل تطوّعي من العربية إلى الإسبانية، ولكن في ما يخصّ إصدارات بالمعنى الحرفي، صدرت لي ترجمة كتاب سميرة الخليل الذي سبق ذكره، وترجمتان بالشراكة مع غوتيريث دي تيران، الأولى ترجمة كتاب "الروض العاطر" والثانية ترجمة كتاب "القوقعة، يوميات متلصص" للكاتب مصطفى خليفة. وسيصدر قريباً كتاب "الثورة المستحيلة: الثورة، والحرب الأهلية والحرب العامة في سورية" لـ ياسين الحاج صالح، والذي لم أكن لأنجزه من دون نصائح وتصحيحات الكاتب والصحافي ياسين السويحة، الذي له الفضل في تحرير النسخة الأصلية باللغة العربية وتصحيحها قبل صدورها.


■ ما العقبات التي تواجهك كمترجمة من اللغة العربية؟
بصراحة، لا يمكنني أن أتحدّث عن عقبات، لأنني محظوظة لأسباب كثيرة. أولاً، لأنني أختار ما أريد أن أترجمه من كتب ومقالات. وثانياً، لأن "منشورات الشرق والمتوسط" (وهي دار نشر صغيرة وإمكانياتها المالية محدودة) تدعم جميع اقتراحاتي وتثق بي كمترجمة. وطبعاً هذا يساعدنا أنا ومترجمون آخرون في توسيع معرفة الجمهور الإسباني عن العالم العربي والأدب المكتوب بلغة الضاد. وثالثاً لأنّ أصدقائي العرب يساعدونني دائماً على تجاوز أي صعوبات لغوية أواجهها.


■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
أتفق مع هذا القول، وأظنّ أن ذلك يعود إلى سببين أساسيين. السبب الأول هو أن القارئ باللغة الإسبانية لا يعرف الكثير عن الإنتاج الفكري باللغة العربية أو يعرف مجموعة من الأسماء فقط ترجمت مقابلاتهم إلى لغات أجنبية، خاصة الإنكليزية. أما السبب الثاني، ففي رأيي له بعد رومانسي، بمعنى أن القارئ ينظر إلى العالم العربي بنظرة استشراقية نوعاً ما، وحتى دونية بدون وعي، ويظنّ أن العرب يتقنون البلاغة وفن الكلام وليس الفكر المنطقي، وإن اعترف بأن انحطاط العرب في العصور الوسطى كان متزامناً مع ازدهار أوروبا. أقصد أن النظرة العامة تفيد بأن العرب انتهى عهدهم العلمي في ذلك الزمن وأنهم لا ينشرون شيئاً مفيداً يذكر في زماننا هذا. ومن أجل تجاوز ذلك، لا بد من المراهنة على إصدار ترجمات لكتب أكثر تنوّعاً، وهو ما تفعله "منشورات الشرق والمتوسط" منذ عدة سنوات. وسيصبّ نشر كتاب ياسين الحاج صالح في مصلحة هذه الجهود. ومن شأن توفّر كتب متنوعة أن يشجّع القارئ المهتم أو المنفتح على قراءة كتب غير أدبية. ولكن الطريق ما زال طويلاً.


■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلّعين إليه؟
في مجال الترجمة، لا يوجد تعاون رسمي مع أي مؤسسة أو فرد، غير أن مؤلفي المقالات التي أترجمها وأنشرها في موقع "تراجم الثورة السورية" يشكرون عادة اهتمامي بقضيتهم ونصوصهم. وقد شاركت منذ شهرين تقريباً في "مؤتمر الترجمة وإشكالات المثاقفة" الذي انعقد في الدوحة. وهناك التقيت بالكثير من المترجمين الذين ناقشت معهم متاعب الوظيفة وإشكالات نقل المضمون إلى لغات أخرى.


■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
الأدب العربي متنوّع جداً، مثل أدب أي لغة أخرى، إذاً لا يمكن أن نقول إن له مزايا خاصة تشمل كل أنواع الروايات والقصص. هذا، طبعاً، لا ينفي أن للأدب العربي، خصائص لها علاقة بالوضع في البلدان العربية. على سبيل المثال، عدد الروايات التي تقع في إطار ما يسمّى بأدب السجون كبير جداً، كما هو حال الأدب السياسي وخاصة ذلك المتعلّق بالقضية الفلسطينية. أما الجزء الثاني من السؤال، فالجواب سهل جداً: وراء كل حاجز لغوي تكمن كنوز مخفية، ولا بدّ للمترجم أن يساعد القارئ على كشفها كي يقتنع بأن ما يقربّنا أكثر ممّا يبعدنا عن بعضنا بعضاً.


بطاقة
نعومي راميريث دياث (1987) دكتورة في الدراسات العربية والإسلامية من "جامعة مدريد المستقلة". صدرت لها منشورات أكاديمية حول قضايا سياسية واجتماعية بالإسبانية والعربية والإنكليزية، أهمّها كتاب "الإخوان المسلمون في سورية: الخيار الديمقراطي للإسلام السياسي" (الصورة، 2017)، وترجمت عدّة كتب من العربية إلى الإسبانية، آخرها "الثورة المستحيلة" للكاتب السوري ياسين الحاج صالح، يصدر قريباً.

 
 
المساهمون