■ متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟
كان لقائي الأول بالأدب العربي في بداية ثمانينات القرن الماضي وأنا طالب في المدرسة الثانوية. كنتُ أهتم، من زمن، بالشعر العالمي، ووجدت في إحدى المكتبات الترجمة البولندية للمعلّقات السبع. قرأتها وعجبت لهذا الشعر الغريب والبعيد عمّا كنت أعرفه. لذلك، أحببت أن أتعرّف على اللغة العربية، لأن الترجمة قد تعاكس المعنى، ولكن نادراً ما تعاكس شكل النص الأدبي. لذلك، بدأت في سنة 1983 دراسة اللغة العربية في "قسم الدراسات العربية والإسلامية بـ"جامعة وارسو". هناك، كان من الممكن التعمُّق في اللغة والأدب والثقافة العربية.
■ ما أوّل كتاب ترجمته وكيف جرى تلقّيه؟
في البداية، كنتُ أترجم القصص القصيرة والشعر العربي القديم والجديد، ونشرت هذه النصوص في المجلّات الاستشراقية والثقافية والأدبية البولندية أو ضمن المختارات الأدبية... أوّل كتاب كاملٍ نشرته كان ديوان "ملائكة الرحمة" للشاعر العراقي المقيم في بولندا هاتف جنابي (1995). أمّا تلقّيه، فمن الصعب أن اتحدّث عن تلقّي الترجمة، لأن التلقّي في النهاية هو تلقّي الشاعر وديوانه، والجنابي شاعر معروف في بولندا، والنقّاد يركّزون على الشعر أكثر من الترجمة نفسها.
■ ما آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟
من الصدفة أن الإصدار الأخير هو قصيدة طويلة لهاتف جنابي أيضاً عنوانها "الطريق الملكي". ولكن قبل ذلك، نشرت مثلاً روايات لسلوى النعيمي ومختارات من القصص الشعبية العربية.
■ ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟
المترجم هو وسيط، ليس فقط بين لغتين بل بين ثقافتين ومجتمعين، وهذا الدور يحتاج إلى معرفة باللغتين والثقافتين والمجتمعين؛ فصعوبة الترجمة لا تكمن فقط في اللغة، مع أن هذا الجانب مهمّ جدّاً في ترجمة الشعر العمودي الذي يقوم جماله على الصورة والاستعارة والبحر والقافية، يعني على شكل الشعر. وهذا الجانب من اللغة يجب أن "نحاربه" أحياناً ليفهم القارئ البولوني جمال الشعر العربي وجمال اللغة العربية بلا معرفة بهذه اللغة؛ فالقارئ يفهم المضمون، ولكنه يبحث عن الجمال في الوقت نفسه، فالشعر هو الجمال والحكمة في آن.
أمّا النثر، فهنا تأتي صعوبات المعنى؛ إذ أن لكل لغة خصائصها، وعلى المترجم أن يجد حلّاً للغز المعنى قبل أيّ شيء آخر. هذا أسهل نسبياً، مع أنه هنا أيضاً الكثير من المصائد، ولكن على المترجم أن يجد الطريق الصحيح في غابة الكلمات والمعاني.
■ نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
لا أوافق هذا الرأي. شخصياً، ترجمت بعض النصوص الفكرية، لأدونيس، ومحمد الجابري، وعبد العزيز الدوري وغيرهم، وأخيراً الجزء الأخير من كتاب "الاستقصا" للمؤرّخ المغربي أحمد الناصري. أمّا زملائي فترجموا أسماء مثل نصر حامد أبو زيد. وفي الحقيقة، فإن العالم العربي لا يهتم تماماً بما نقوم به نحن في بلاد أوروبا الشرقية بل يهتم بما يصدر باللغة الإنكليزية فقط.
■ هل هناك تعاون بينك وبين مؤسّسات في العالم العربي أو بين أفراد، وما شكل التعاون الذي تتطلّع إليه؟
منذ سنين ونحن في بولندا نحاول أن نتعامل مع المؤسّسات العربية، ولكن دون جدوى. نحن نرى التعاون بين العرب والبلدان الغربية، وفي الحقيقة يؤلمنا أن هذه البلدان الغنية تحصل على التمويل من العالم العربي، وأمّا نحن فكلّ نشاطنا على حسابنا الخاص فقط. ونشاهد هذا أيضاً في الجامعات؛ فمثلاً أقسام اللغة الصينية أو اليابانية لها مساعدة من الصين واليابان، وأمّا العرب فلا يهتمّون بنشاطنا، وأحياناً يطلبون منّا تمويل النشاطات التي نقوم بها بمشاركة الجانب العربي. هذه هي الحقيقة المرّة. فقوّتنا الحب والاهتمام بالثقافة العربية ولا يساعدنا أحد، وخصوصاً من البلاد العربية نفسها. في المقابل، هناك تعاون مع الكتّاب العرب وهو يقوم على الصداقة بيننا... الصداقة التي نبنيها بجهدنا الخاص؛ حيث نتبادل الإصدارات الجديدة والمعلومات الثقافية والأدبية، ونادراً ما نلتقي في مكانٍ ما في العالم.
■ ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي، ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
أنا متأكد بأن الأدب العربي لا يحتاج إلى مدائح إضافية؛ فهو ككلّ أدب مرآة الثقافة والإنسان الذي يبني هذه الثقافة. ومن جانب آخر، للأدب العربي دور كبير ومهمّ في إعطاء الصورة الحقيقية عن الإنسان العربي في الوقت الحاضر. وهذا مهم في سياق الأحداث السياسية وانعكاساتها؛ فالأدب العربي له قوّة خاصّة ودور خاص في تغيير الصورة السلبية التي تلصق بالحضارة العربية. وطبعاً من وجهة نظر المتخصّص في الأدب العربي، أرى أن هذا الموضوع يحتاج الى دراسة كبيرة وخاصة، وهذا ما نقوم به في الجامعات البولندية وفي البلدان الأخرى.
بطاقة
وُلد مارك جيكان عام 1965 في قرية باسانوف بجنوب بولندا. تخرّج من "قسم الدراسات العربية والاسلامية" في "جامعة وارسو" عام 1988. كان موضوع رسالته في الدكتوراه "الموت في الشعر الجاهلي" (1992). وهو اليوم رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة ووج ببولندا، ورئيس تحرير "حولية الدراسات الشرقية" (تصدر منذ 1914).
إلى جانب اهتمامه بترجمة الأدب العربي، تتضمن مناطق بحثه: تاريخ الإسلام، وتاريخ الثقافة العربية والأدب العربيين، والاسلام في العالم المعاصر، والفكر العربي المعاصر. إلى جانب اهتمامه بترجمة الأدب العربي ، حيث كان آخر ما ترجمه كتاب "المغرب في القرن التاسع عشر في كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" لأحمد الناصري (2018)، فإن له مجموعة من الكتب: "السحر عند العرب قبل الإسلام" (1993)، و"قس بن ساعدة الإيادي" (1996)، و"الرموز العربية الإسلامية" (1997)، و"تاريخ العراق" (2002)، "العراق - الدين والسياسة" (2005)، و"الحضارة الإسلامية في آسيا وأفريقيا" (2007/ الصورة)، و"تاريخ الثقافة الإسلامية" (2008)، و"في الفكر العربي المعاصر" (2011).